التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 11:09 م , بتوقيت القاهرة

وقائع "الاستهبال" ووجع القلب

هي شابة تبدأ حياتها العملية للتو، وهو شاب يماثلها في العمر والطبقة الاجتماعية. تعارفا في لقاء عابر لمجموعة من الأصدقاء المشتركين. جمعهما توافق لحظي من أول كلمة ومع نهاية الجلسة تبادلا أرقام التليفون وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي.


خرجت هي من علاقة للتو، وكانت "الخروجة" من باب التسرية ومعالجة اكتئاب ما بعد الانفصال، أما هو فكان في علاقة مستقرة. تقاربا وتصادقا، بدت علاقتهما مثالية، فهي تبحث عن صحبة آمنة تؤنس وحدة ما بعد الانفصال دون ارتباط، وهو يبحث عن من تؤنس الفراغ الذي يتركه انشغال خطيبته.


بدأت صداقتهما بمحادثات عابرة، ثم طالت المحادثات مع الوقت وأصبحت روتينا يوميا بمواعيد ثابتة. ثم تتطورت لقاءات الأصدقاء المشتركين لتصبح لقاءات ثنائية. بدأت اللقاءات الثنائية بلقاءات المناسبات الخاصة (عيد ميلاده، عيد ميلادها، عيد الأم، عيد تحرير سيناء .. إلخ) ثم اتخذت شكلًا منتظمًا مثل المحادثات. أصبح مع الوقت كل منهما ركنا أساسيا في حياة الآخر، فلا يكتمل يوم أيهما دون أن يتواصلا بشكل ما.


عند هذه النقطة من تشابك التفاصيل وانتظام الاتصال واللقاء يظهر سؤال مهم عن هوية هذه العلاقة وما إذا كانت صداقة بالفعل أم حب متخفي لاعتبارات استحالة تحوله لعلاقة حقيقية.


ما الحب؟ 
الحب مشاعر لذيذة. الحب هو تلك الدغدغة التي تداعب الروح، وفراشات الأمل التي تعبث بالقلب. الحب هو الحماس المفاجئ للحياة. الحب نار اشتياق لا يزيدها الوصل إلا اشتعالا. والحب أيضًا هو اعتياد الارتياح، الحب هو حديث موصول بغض النظر عن موضوعه، الحب صحبة حلوة .. الحب ونس.


ائتنس ثنائي قصتنا كلاهما بالآخر، اعتادا مشاركة التفاصيل اليومية التي قد تصيب الآخرين بالملل. استمتعا بالصحبة الحلوة والحديث الموصول. أصبحا لا يفترقان كتوأم ملتصق وأصبح عليهما مواجهة الحقيقة التي لاحظها المحيطون قبل أن يلاحظاها. لقد ذابت الخطوط الفاصلة بين الصداقة والحب ويجب عليهما إعادة تعريف تلك العلاقة.


كان أمامها خياران إما الاستمرار في ادعاء الصداقة (الاستهبال) أو الاعتراف بحقيقة مشاعرهما. اختار الثنائي في قصتنا، وهي قصة مبنية على بعض العلاقات الحقيقية، الخيار الثاني. اعترفا بالحب وأصبح على كل منهما إجابة سؤال وماذا بعد.


كان عليه أن يقرر من يختار، فهو بحبه الجديد يخون خطيبته. وكان عليها أن تقرر إذا ما كانت سعادتها تستحق أن تُبنى على تعاسة غيرها. أقنعها بأنه لم يحب خطيبته أبدًا وأنه سيتقدم لطلب يدها ما إن ينهي بعض التعقيدات العائلية. وأقنعت نفسها بأنها لم تكن أبدًا طرفا في علاقتهما. فهو إئتنس بها لأن خطيبته لم تكن متاحة وهو من سعى لإنشاء الروتين وهو من حافظ بكد وجد على نسيج التفاصيل. هي لم تكن تريد سوى الصداقة وتحول تلك الصداقة لحب قدر لم يكن يمكنها رده.


لكنهما لم يتزوجا ..
هو لم ينهِ علاقته بخطيبته أبدًا. ماطل وراوغ حتى لم يعد هناك مفر من مواجهة النهاية. ذهب هو لصديقة جديدة تملأ ما تركته القديمة من فراغ. وجلست هي تبكيه حتى ألف إليها قلب تائه يبحث عن صحبة آمنة ليستمرا -  هو وهي - في الدائرة المفرغة من "الاستهبال" ووجع القلب.