التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 09:43 ص , بتوقيت القاهرة

مستقبل حزب النور

كشأن معظم فصائل ما يُسمى بالتيار الإسلامي الحركي،خضعت صورة الحزب للالتباس الشديد والخلط بين الحزب كممثل للدعوة السلفية، وهو الكيان الذي ظهر في منتصف السبعينات خروجا من كيان الجماعة الإسلامية، التي ضمت طيفا واسعا من الشباب المتدين بوجوه متعددة منها الإخواني والسلفي والجهادي، تمايز أعضاء الدعوة السلفية التي سُميت في البداية بالمدرسة السلفية، قبل أن تتحول إلى الدعوة السلفية، وتنهض بقيادة مجموعة من الشباب، بعضهم نشأ في بيت إخواني مثل نائب الدعوة د. ياسر برهامي، الذي كان والده وعمه من عناصر الإخوان المسلمين في الإسكندرية.


رفض أعضاء الدعوة السلفية مبايعة الإخوان، وجسدوا حالة مختلفة عما ساد تلك الفترة من صدام بعض الفصائل المتطرفة مع الدولة، وأقدمت مجموعة التكفير والهجرة على قتل الشيخ الذهبي، حيث حرص أعضاء الدعوة السلفية على ارتداء قمصان مكتوب عليها نستنكر قتل الشيخ الذهبي، ما عكس حرصا على نفي صلتهم بالعنف، وهو الأمر الذي ميزهم عبر تاريخهم، رغم مرورهم بالعديد من المحطات التي كان بالإمكان استفزازهم وجرهم إلى صراع مع أجهزة الأمن، سواء القبض على بعض عناصرهم أو قتل الشاب السلفي سيد بلال بعد تعرضه لتعذيب في أحد مقرات الشرطة.


اعتمدت الدعوة السلفية مقاربة تقول إن دور الدعاة هو الدعوة وتقوية العقائد في النفوس، معتقدين أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ومن ثم انشغلوا بالتزكية وتدريس أمور الدين مع الاهتمام بالفقه والحديث والعقيدة، كشأن معظم السلفيين لكن ما ميزهم عن غيرهم هو بروز الاهتمام بسلامة الوطن والحفاظ على مؤسساته في وعيهم مقارنة بالإخوان ومن لف لفهم، ممن لا يشغل الوطن في لديهم نفس المساحة ويتعاظم اهتمامهم بدولة أممية تذوب فيها الحدود تحت ما يسمى بالخلافة.


انشغلت الدعوة السلفية بالعمل الدعوي في المساجد، واستفادت من مقاربة مبارك في ضرب الإخوان بالسلفيين، وكنا نشهد سنويا مع شهر رمضان خصوصا في الإسكندرية والبحيرة ومطروح وكفر الشيخ، وهي المعاقل التقليدية للدعوة السلفية في مصر، صدامات بينهم وبين الإخوان من أجل السيطرة على المنابر وصلوات التراويح، باعتبار المسجد أهم مساحات الحركة لدى الطرفين، وإن تباينت الأهداف أحيانا.


لكن ما عزز حضور المكون السلفي وبرر صعود حظوظهم في أول انتخابات برلمانية شاركوا فيها بعد تأسيس حزبهم، كان حضورهم عبر الفضائيات السلفية التي أتاحت الفرصة لدعاة التيار السلفي أن يزرعوا ما حصدوه في تلك الانتخابات التي ارتفع نصيبهم فيها إلى ما يقرب من ربع المقاعد.


لم تدخل الدعوة السلفية الحياة السياسية وتؤسس حزبا عن رغبة منها في المنافسة أو السعي للوصول للحكم أو المشاركة فيه، فقد كانت مُدركة طوال الوقت أنه من المبكر جدا التفكير في هذا الأمر، وتمتعت بحس استراتيجي واضح مقارنة بتهور الإخوان، لكنّها وتحت وطأة الشعور بالخوف من مصادرة الإخوان لساحة العمل الدعوي بعد العمل السياسي، فقد خبروا الجماعة في الجامعات والمساجد لجأت إلى تأسيس الحزب تحت وطأة الخوف وليس الطموح.


ومن ثم ظل الهدف هو الاحتماء بجسد سياسي يحمي ما يسمونه بالمكاسب الدعوية التي تعاظمت رغم تعرض الحزب لضربات كبيرة، قلصت حظوظه وحرمته من دعم قواعد التيار السلفي الذي لا يُمثل الحزب أكثر من 10 بالمائة منها، كذلك ساهم انشقاق مجموعة حزب الوطن الأقرب للإخوان، إضافة إلى المواقف السياسية المنحازة للدولة سواء في 30 يونيو أو رفض الانضمام إلى الإخوان فى اعتصامي رابعة والنهضة في هذا التراجع، دفع الحزب  ثمنا باهظا لم يثنه عن الثبات على مواقفه التي تنطلق من خيار فقهي راسخ لدى عموم السلفيين باستثناء السلفية الجهادية، هو قبول ولاية المتغلب، وأن من قويت شوكته وجبت طاعته، لذا أيدوا الإخوان في الحكم وأيدوا من خلفهم بنفس المنطق.


يخطئ من يتصور مستقبل الحزب دون أن يتعرف على أهدافه التي لخصناها في البقاء فقط ضمن المشهد السياسي بجسد سياسي نشط ونوعي هو الحزب، وكتلة برلمانية متواضعة تحاول أن تجسد أداءً برلمانيا لافتا دون صدام مع أحد إلا من بعض المعارك الصغيرة التى تستلزم إبقاء حيوية الأداء.


النظام يريد بقاء الحزب ممثلا للإسلاميين حتى لايُتهم بأنه أقصاهم تماما من المشهد، وحتى في حال عودة الإخوان من مصلحة النظام إبقائهم كمعادل، يدركون هم أيضا تقاطعات تلك السياسة ويفهمون كيف يتكيفون معها، وقد برهنت الحوادث أنهم أعمق صلة بالسياسة وخياراتها، رغم ما اعتقده البعض عن حداثة تجربتهم السياسية مقارنة بالإخوان الذين أثبتوا بالحال وبالمقال غياب العقل السياسى تماما، وأن النور أكثر دأبا وصبرا فى بناء قواعده التي ستحفر له مكانا راسخا في الحياة السياسية، قد يكون محدودا نعم ولكن الأمر له علاقة بانكشاف حالة الإسلام السياسي بفعل تجربة الإخوان أكثر من أي شىء آخر، ويبدو أن النور أدرك ذلك أيضا ما انعكس على أحلامه وطموحاته ومن ثم مستقبله.


آخر أخبار حزب النور