التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 09:55 م , بتوقيت القاهرة

لينا كيلاني كاتبة قصص "أولادنا" تتحدث لـ"دوت مصر" (2)


لم ترض الكاتبة السورية لينا كيلاني أن تسير على خطى السابقين، بل تمردت على أسلوب الكتابة الكلاسيكية للطفل ورأت أن الاعتماد على روح العصر سيكون أكثر صدقًا واقترابًا من الطفل، ولم تكتفِ أيضًا بخوض مغامرتها الأدبية في عالم الطفل فقط، إذ خاضت تجارب مختلفة بعالم الرواية الشبابية، وأبدعت في عالم الخيال العلمي.

إليكم الجزء الثاني من نص حوارنا مع الأديبة السورية لينا كيلاني:


 ما ردك على اتهام أدب الطفل بالسطحية والسذاجة؟


قد اتفق مع هذا الرأي الى حد ما عندما أجد بعض الكتّاب يقدمون أعمالاً نمطية لا تخلو من السذاجة أحياناً حتى وقتنا الحالي، وأتذكر أنني حاولت باكرًا الخروج عن هذه اللعبة عندما تمردت على أسلوب الكتابة النمطية التقليدية، ولعلي نجحت في ذلك عندما قدمت أعمالاً أدبية هي من روح العصر الذي أعيش فيه، وهكذا تدرجت مع ما يتيحه العصر من معارف لتكون مادة لما أكتبه، فكان لي توجهي الخاص في كل ما قدمته وسأقدمه سواء في أدب الأطفال، أو في أعمالي الأدبية التي هي للكبار، وحتى في ما أساهم به في عالم الصحافة.


 ما الرسالة التي توجهينها للكتاب الذين يتبعون هذا الأسلوب النمطي؟


 الصورة النمطية لأدب الطفل لم تعد مقبولة الآن في زمن المعلومات، وحتى الأطفال أنفسهم أصبحوا يعرضون عنها.. فطفل الألفية الثالثة لم تعد الغابة والذئب الذي يترصد فيها من ضمن اهتماماته أو ما يثير فضوله ويجذبه.. ألا قل لي أين هي الغابة التي تخيف الآن في زمن ناطحات السحاب والأبراج الشاهقة، وبعد أن اخترق الإنسان كل مجاهل الكرة الأرضية؟ هل ستظل قصصنا تدور في فلك أجواء قرون مضت أم أن عليها أن تعيش مع واقع علمي مبهر اصبح يحيط بنا من كل اتجاه؟ لقد تطور العالم وأصبح خيال الطفل أكثر اتساعاً بما يفوق ما نتوقع منه.. فلماذا نقف عند الإفتراس بينما نستطيع أن نستوحي من واقعنا وبيئاتنا الحالية قصصاً تمتع الصغار وتجذبهم اليها.


 
"الطفل خياله فاق المرحلة الماضية".. هل تقصدين أن الطفل الحالي أذكى مما كان عليه؟


 لا، الطفل المعاصر ليس أذكى من طفل الماضي، فمقياس الذكاء واحد ونسبة المبدعين لا تتغير على مستوى البشرية وهي ثابتة بنسبة (5 %).. إلا أن ما أصبح متاحاً للطفل المعاصر الآن من وسائل الحضارة وأدواتها ما جعل ذكاءه يتفتح بصورة لافتة في أعمار صغيرة.. إذن فالأدوات التكنولوجية قد جعلت هذا الذكاء يظهر مبكرًا، وأصبح هناك محفزا لاستخدام العقل مبكرًا.

هل الكتابة للطفل صعبة؟

قمة هرم الإبداع هو أن تكتب للطفل، فهذا الجنس الأدبي هو من أصعب الأجناس الأدبية في الكتابة على الإطلاق، وأهم الكتّاب العالميين لم يكتبوا للأطفال إلا بعد أن نضجت تجربتهم الأدبية واكتملت كتولوستوي مثلاً، أو أنطوان دي سانت اكزوبري، وغيرهما.

أدب الأطفال هو السهل الممتنع إذ لابد من مراعاة المرحلة العمرية التي يتوجه اليها الكاتب على الرغم من أن حدودها ليست فاصلة ونهائية فهناك اختلافات وفروق فردية تجعل من هذه الحدود تقريبية، إضافة الى لغة الخطاب التي يجب أن تكون من قاموس الطفل اللغوي، والكاتب مطالب بالاطلاع على علم الجانب الذي يخص الطفل في علم الاجتماع وعلم النفس حتى يتقن الخطاب الذي يقوم على بث القيم والمعرفة بآنٍ معاً. هذا عدا عن الموضوعات التي يتناولها الكاتب وهي من عالم الطفولة دون أن يقحم عليها ما هو للكبار.



برأيك هل تم غزو العرب فكريًا من خلال الطفل؟


 للأسف نعم، الغرب غز العرب فكريًا عن طريق الطفل فكل ما نشأ عليه الأطفال العرب من أصل مترجم إذ أن الإنتاج المحلي العربي مازال ضئيلاً سواء في مصر، أو لبنان، أو سوريا، أو المغرب العربي، ولا يتفوق في جودته عموماً على ذلك الغربي إلا من بعض التجارب الاستثنائية لأسماء معروفة من الكتّاب الذين أبدعوا فيما قدموه للأطفال. أما أدب الطفل الذي تسرب إلينا من الغرب فقد كان دخيلاً على ثقافتنا، ونحن لم نقم بفرزه، وانتقاء ما يصلح منه لأطفالنا.. إنه أدب تحكمه ايديولوجيا التفكير الغربي بما هو ليس من نسيجنا، وما يجب أن نقدمه لأطفالنا.. والهوة مازالت تتسع بين ما هو قائم وبين ما يجب أن يكون عليه حال أدب الأطفال اليوم، وآثار ذلك تظهر في سلوك اليافعين ومن هم على أعتاب مرحلة الشباب من التشبه بالغرب والاقتداء بسلوكياته.



أصدرتي كتاباً بعنوان "في عيون الليل - أطفال فى خطر".. ماذا قصدتي بالخطر؟


من هم في خطر أولئك الأطفال الذين اخترقت سلامة طفولتهم لسبب ما كأطفال الحروب، ومَنْ يخوضون تجربة الإدمان، ومَنْ تستلبهم عوالم الإفتراض عبر شبكة الإنترنيت، والذين يتعرضون للعنف الجسدي أو اللفظي، أو الذين يقعون فريسة الشراهة، أو مَن يهربون من فرص التعليم، وغير ذلك، ودون أن يتنبه الأهل أو الكبار في حال غياب الأهل الى الأخطار التي بات من السهل أن يقع الطفل ضحيتها.. إذ لا يكفي أن نحدث أطفالنا عن العصافير، وحيوانات الغابة، وأشجار الطبيعة بل يجب أن نتناول مشكلاتهم وما يتعرضون له في قالب أدبي يكون فيه التحذير والتنبيه غير المباشرين من خلال القصة التي تجذب وتمتع بآنٍ معاً.

 هل من الممكن أن يحمل أدب الطفل اسقاطًا سياسيًا؟


 نعم.. فعلت ذلك من قبل في حادثة عربية شهيرة وكنت حينها بمرحلة الطفولة، فالطفل يأخذ المفهوم والفكرة وترتبط الأشياء في ذهنه، بما يمهد لما سيقابله في المستقبل عندما يتدرج في الفهم تبعاً لمرحلته العمرية. المشكلة أننا نظهر لأطفالنا دوماً أن العالم هو ذلك المشرّف المثالي دون أخطاء وإذا به يصدم عندما يكبر باكتشاف النقيض.. إن تقريب الحقائق للطفل ومنها حقيقة العالم ليس خطأ ذلك لأننا نوفر عليه صدمة المستقبل.





ما الذي دفعك للانتقال من أدب الطفل للرواية الشبابية ورواية الخيال العلمي، ومن بعدها رواية الكبار؟


عندما بدأت بالكتابة للأطفال ونشر قصصي في الصحف والمجلات كنت ما أزال في أواخر مرحلة الطفولة فكتبت ما هو من اهتمام من هم في المرحلة العمرية نفسها.. وكلما كبرت كبرت معي مساحة الأفكار واتسعت الرؤية للحياة فوجدت نفسي في مواجهة خطاب الشباب، فكانت مرحلة جديدة في مسيرتي الأدبية هي مرحلة (رواية الشباب) وكانت أولى تلك الروايات هي (سندريللا عام 2000) والتي تعيد إنتاج الأسطورة برؤية معاصرة، وتوالت بعدها عدة روايات للشباب مثل: رحلة في عالم مجهول، مَنْ أنا.. مَنْ أكون؟، إجازة في المريخ، سراب تحت الماء، النبات الذي أصبح قاتلاً، غابة الأسرار، الأزهار الشريرة، العمر الوضاء في جزيرة الفضاء، الرأس المفتوح، وغيرها من الروايات وأغلبها من أدب الخيال العلمي.


أما رواية الكبار فقد جاءت متأخرة نسبياً بعد عشرات المؤلفات في أدب الأطفال، ورواية الشباب فكانت بداية التجربة مع (رواية المستقبل) وهي ثلاثية روائية للكبار من أدب الخيال العلمي، ومن بعدها رواية (بذور الشيطان)، ومؤخراً رواية (لودميلا) الصادرة الصيف الفائت عن سلسلة روايات الهلال الشهيرة وهي تتحدث عن اللحظات الأخيرة قبل انفجار مفاعل شرنوبل النووي في ثمانينيات القرن الماضي، وقد أصبحنا الآن على مشارف عصر نووي جديد قد تتهدد أخطاره العالم بأسره.


ولدي عدة أعمال روائية هي للكبار وأنا بصدد إنجازها حسبما يسعفني الوقت، وأخفيك سراً أنني أبدأ بنسج رواية وتختطفني فكرة جديدة غير تلك التي بدأت أكتب فيها فأتحمس الى ما استجد لدي لأكتب فيه، وهكذا تنفتح أمامي عدة أعمال أدبية غير مكتملة لأظل أشكو من ضيق مساحة الوقت لإنجازها.. إلا أنني سأعمل هذا العام على هزم عقارب الوقت بما هو لصالح تلك الأعمال.


ما ردك على اتهام أدب الخيال العلمي بمروج الخرافة؟ 

لا أوافق على هذا الرأي لأنه اتهام لهذا الجنس الأدبي الذي أصبح رائجاً، وشائعاً، ومهماً بقدر ما يستشرف المستقبل وتكون له مصداقيته.. وفي الغرب يكون كاتب أدب الخيال العلمي على راس قائمة المدعون للمؤتمرات العلمية نظراً لأهمية أفكار الكاتب الذي يتخيل مراحل مستقبلية للعلم. إن أدب الخيال العلمي لا يروج للخرافة، بل هو ينطلق من العلم ليصل به الى ما هو جديد. إلا أنه مازال ضعيفاً في عالمنا العربي لندرة من يكتبون فيه، فهو أدب قائم على العلم، والعلم هو فرضية نبحث عن صحتها أو عدمها.

والأمثلة على ذلك كثيرة وهي بين أيدينا في كتابات جول فيرن كاتب الخيال العلمي الذي تنبأ بالغواصة، وألدوس هكسلي، وويلز، وغيرهم.. وحتى ما ورد في الاساطير وقصص الخيال من التراث من بذور للخيال العلمي كما هو الحال مع كتاب (ألف ليلة وليلة). وكل الأساطير القديمة تنبأت بأمور لم يكن العقل يصدق أنها ستتحقق، على سبيل المثال عبارة: "افتح ياسمسم" هي الآن تلك الأبواب التي تفتح ببصمة الصوت، ولن يتسع المجال هنا لذكر مزيد من الأمثلة على ذلك.


إن أدب الخيال العلمي هو أدب الألفية الثالثة.. ويبقى لمن لديه القدرة على كتابته بشكل حقيقي، ويعي الفرق بينه وبين الفانتازيا.



يمكنك قراءة الجزء الأول من الحوار: لينا كيلاني كاتبة قصص "أولادنا" تتحدث لـ"دوت مصر" (1)