التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 01:54 م , بتوقيت القاهرة

لماذا تكره داعش الأثار؟

فى سابقة فريدة فى تاريخ القضاء الدولى، أقر عضو جماعة أنصار الدين المالية أحمد الفقى المهدي بضلوعه فى تدمير الأثار فى مدينة تمبكتو غرب مالى ، فى أول محاكمة ذات صلة بتدمير تراث إنسانى مسجل بـاليونسكو ضمن التراث الإنسانى المشترك.


الواقعة على ما تنطوى عليه من معانى رمزية تعزز الأخوة الإنسانية بين أعضاء الأسرة الدولية، إلا أنها تبقى خطوة ضمن ألاف الخطوات التى تحاول حصار جريمة العدوان على الذاكرة التاريخية للبشر على الأرض ، وما أحاط مسيرتهم من معتقدات وأفكار وثقافات، تنهض التماثيل والصور والمعابد والنصب وغيرها من الشواهد التاريخية عونا على بنائها وصيانتها من النسيان، لكن  يبقى السؤال لماذا تكره داعش التاريخ، وتعتدى على شواهده من معابد وتماثيل وصور ومنتجات حضارية متنوعة؟


صرخت عناصر داعش الله أكبر وهى تهم بتكسير الأثار التى نعتتها بالأصنام، فى إخلاص لمشهد خليل الله ابراهيم وهو يكسر الأصنام.


الأمر الذي يؤكد ضمن ما سنشرح أن معتقد داعش في المسألة له صلة بفقه وهابي، أحد دعائمه تكسير الأصنام وطمس الصور وهدم القبور والأضرحة.


حتى الأن طالت يد الإرهاب الأثمة العديد من أهم المعالم الحضارية ودمرتها، فضلا عن العديد من الكنوز التى لاتقدر بثمن التى تم تداولها عبر أسواق التهريب فى العالم


فى مالى قامت جماعة أنصارا الدين الموالية لداعش بهدم  14 ضريح أولياء فى تمبكتو غرب مالى  ،والتى توصف بأنها مدينة 333 ولى يعود اليهم الفضل فى نشر الإسلام فى القارة الأفريقية


في سوريا تقول جمعية حماية الآثار السورية أن أكثر من 900 نصب أو موقع أثرى رمزى دمروا سواء بيد النظام أو المعارضة المسلحة أو المجموعات المتطرفة هاجمت عصابات داعش مدينة تدمر أحد أهم المواقع الأثرية المسجلة عالميا  ،حيث قامت بتفجير معبدى بل وبعلشمين قبل أن تهدم أبراجا وقوس النصر فى المدينة  ،كما قامت بتخريب تل عجاجة الأشورى وكذلك مارى ودورا أوروس وأفاميا وغيرها من المواقع  ،فضلا عن أكثر من ثلثى الحى القديم فى حلب التاريخية


فى العراق دمروا بجرافات موقع نمرود الأثرى بالقرب من الموصل جوهرة الحضارة الأشورية ،  وحترا التى تعود الى الحقبة الرومانية وعمرها أكثر من ألفى سنة فى محافظة نينوى.


فى ليبيا خربوا ضريح الشعاب الدهمان فى طرابلس، والشيخ عبدالسلام الأسمر فى زليتن، كما هاجموا فى تاجوراء بطرابلس ضريحا أخر يعود الى القرن السادس عشر


في أفغانستان أقدمت طالبان على تدمير تمثالا بوذا بالديناميت  ، بعدما رفض الملا عمر وساطة لجنة من علماء المسلمين حاولت إثنائه عن تدمير التمثالين ، لكنه قال أنه لايستطيع أن يقابل الله يوم القيامة وقد تحولت الجبال الى عهن منفوش بينما يبقى التمثالان شاخصان، بالطبع لم يجد الرجل منطقا فى السؤال وكيف سيصمد التمثالان اذا كانت الجبال ستكون كالعهن المنفوش.


حقيقة الأمر أن دوافع طالبان وغيرها من الجماعات السلفية الأخرى، والتى بالمناسبة ربما لم يقدم بعضها على فعل ما فعلته داعش وطالبان فقط خوفا من العواقب مع إعتقادهم أنه من الواجب هدمها ، ومن يتأمل  أدبيات الجماعات الجهادية سيجد أن فقهها هو الفقه الوهابى السلفى  ،الذى تحتل فيه مسائل كهدم القبور وطمس الصور وتكسير التماثيل مكانا مركزيا كأمر إعتقادى بالأساس  ، لذلك خلت اللجنة التى ناشدت طالبان عدم هدم التماثيل من أى عالم ينتمى للسلفية  ، حيث كان الوفد قاصرا على د يوسف القرضاوى المعروف بصلاته مع الإخوان ونهجهم البرجماتى معروف ،  ومفتى مصر السابق نصر فريد واصل وبعض علماء قطر ، فلم يكن متصورا أن يخالف علماء السعودية مذهبهم بأي حال.


يعتقد السلفيون عموما أن هدم التماثيل والأضرحة واجب شرعى  ،ويحتجون على من يذكر لهم بأن المسلمون الأوائل الذين فتحوا مصر مع عمرو بن العاص لم يفعلوا ذلك  ، بالقول  بأن تلك الأثار لم تكن مكشوفة بل كانت مطمورة تحت الرمال  ،وأن البحث الأثرى تم على يد بعثات أجنبية فيما بعد وفى ظل الحكومات الوطنية فى نهاية القرن التاسع عشر  ،وأن الخليفة فى العصر العباسى حاول أن يهدم الأهرام وأتى بالعمال الذين نجحوا بالكاد فى إزاحة صخرة من أعلى الهرم  ،لكنها ساخت فى الرمال الى أعماق أبعد ولم يستطيعوا سحبها.


إذن الأمر لدى التيار السلفى والجهادى مستقر على هدمها، ومن شاء فليرجع إلى حديث أبى الهياج الأسدى الذى فصل المسئلة ضمن فتوى منشورة  ،على موقع الإسلام سؤال وجواب والذى يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة.


الأمر له أصل فقهى وشرعى لدى تلك المجموعات إذن، لكن الأهم فى تقديرى أن معاداة الجهاديين ومنهم داعش للأثار وللتاريخ وشواهده بشكل عام  ،له صلة بخطتهم في نسف فكرة التعايش بين الحضارات ، ونفى فكرة أن مسيرة البشر على الأرض خضعت لسنة التنوع والتلاقح والتكامل بين أديان وأجناس وأفكار  ، وهم الذين يعتقدون أن العالم تحكمه الحدية بين الخير الذى يحتكروه والشر الذى يقاوموه، وأن فكرة التنوع فى العقل المسلم تعيق تشرب تصورهم، ومن ثم فهم يريدون البدء من الصفر  ، تماما كما كان الإسلام لدى كفار مكة فى واقع جغرافى معزول لايعرف حضارة سوى التى بناها الإسلام  ،وبالرغم من أن القرأن يذكر فى حق سليمان النبى ابن نبى الله داود فى سورة سبأ أية واضحة تدل على حل ذلك " يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ".


لكن الحديث يتقدم القرآن إذا دعت الحاجة لدى تلك التيارات  ،وهو أحد أبواب التأويل المتعسف الذى يصنع تصور تلك المجموعات ومعتقدها الفكرى  ،وهو موضوع جدير بالتحليل هو الآخر ضمن العديد من مفردات الخطاب الدينى الذى يحتاج ثورة حقيقية.