التوقيت الأربعاء، 08 مايو 2024
التوقيت 02:06 ص , بتوقيت القاهرة

شادية "قولوا لعين الشمس" وأول اغتيال سياسي في مصر الحديثة

شادية
شادية

العام 1966، أثير الإذاعة يبث أغنية شادية الجديدة. كلمات الشاعر الشاب وقتها مجدي نجيب وألحان الملحن المعجزة بليغ حمدي، الأغنية التي تطلب برجاء وطلب من عين الشمس "ما تحماشي" كانت لها قصة طويلة عريضة، فلم يكن صوت شادية أول صوت يغني قولوا لعين الشمس، الأغنية الأصلية تغنت 28 يونيو عام 1910.



كانت الكلمات الأصلية للأغنية التي غنتها العالمة والأسطى" نعيمة شخلع" والتي كانت تعد واحدة من أشهر أسطوات شارع عماد الدين تقول " قولوا لعين الشمس ما تحماشي، أحسن غزال البر صابح ماشي" "ولكن السؤال هنا من هو غزال البر وليه ماشي؟؟ وماشي رايح فين؟؟"


لمعرفة الحكاية علينا أن نعود بالزمن للوراء "تاني" لبدايات القرن العشرين، وتحديدا مطلع عام 1910، حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان الحاكم وقتها هو الخديوي عباس حلمي الثاني وهو اخر من حمل لقب الخديوي حيث تم خلعه في مايو عام 1914 وتعين عمه حسين كامل سلطان على مصر لينتهي عصر الخديوات.


بطرس باشا غالي


كان رئيس وزراء مصر هو بطرس باشا نيروز غالي، وكان قد جهز مشروع لمد امتياز قناة السويس لمدة 40 عاما أخرى أي أن الامتياز يمتد حتى عام 2008، ولكن في أكتوبر عام 1909 استطاع الزعيم الوطني محمد فريد ان يحصل على نسخة من المشروع الذي يعده بطرس غالي، لتبدأ حركة وطنية هدفها مناقشة المشروع في الجمعية العمومية للبلاد، وبالفعل يرضخ الخديوي لمطالب الحركة الوطنية بزعامة محمد فريد ليقرر ان يتم مناقشة المشروع في الجمعية العمومية يوم 10 فبراير عام 1910.


ويقول "مؤمن المحمدي في كتابة كل العواطف حكاية 100 غنوة والذي يعد مصدر تلك الحكاية برمتها" إن وقتها كان حاضر اجتماع الجمعية العمومية شاب مصر يدعى إبراهيم ناصف الورداني، وهو وحده توصل لحل جذري ونهائي لتلك المشكلة وأزمة مد امتياز قناة السويس ولكن تلك الفكرة كانت دموية.


إبراهيم الورداني كان يعمل صيدلي درس الصيدلة في سويسرا ثم سافر إلى إنجلترا لدراسة الكيمياء وعاد إلى مصر عام 1909 وانتمى للحزب الوطني الذي كونه مصطفى كامل وزعمه من بعده محمد فريد، وانضم لجماعة سرية لمقاومة الاحتلال وكانت تدعى "جمعية التضامن الاخوي".


إبراهيم ناصف الورداني


حل إبراهيم كان يتلخص ببساطة شديدة في اغتيال بطرس غالي، فمن وجهة نظر الورداني كانت جرائم غالي قد عظمت فمن رئاسة محاكمة فلاحين دنشواي، وقانون المطبوعات الذي كان يصادر الصحف ويغلقها، واتفاقية الحكم الثنائي لإقليم السودان التي جعلت إنجلترا تحكم السودان بالمشاركة مع مصر، فتربص له إبراهيم الورداني يوم 20 فبراير عام 1910، الساعة 1 ظهرا أمام وزارة الحقانية "العدل" وأطلق عليه 6 رصاصات أصابته اثنين في رقبته فمات على الفور وتم إلقاء القبض على إبراهيم الورداني.


لم ينكر إبراهيم الورداني فعلته بل اعترف بها وانه قام بقتل "خائن" كما يقول، لتصبح تلك الحادثة هي اول حادثة اغتيال سياسي في مصر الحديثة، وفي 21 ابريل 1910 عرض الورداني على المحكمة والتي حكمت بإعدامه في 18 مايو وطلبت المحكمة رأي المفتي، والذي قال ألا يجوز إعدام مسلم بدم غير مسلم، ولكن المحكمة قررت رفض رأي المفتي وتنفيذ الحكم الذي تم في 28 يونيو من نفس العام.


الشاعر مجدي نجيب


ما علاقة اغنية قولوا لعين الشمس بهذا كله، باختصار بعد إلغاء فكرة تمديد امتياز قناة السويس عقب اغتيال بطرس غالي، تحولت القضية لرأي عام وكان الشارع المصري كله يتعامل مع الورداني بصفته البطل الذي خلص مصر من أحد الخونة، لدرجة أنه تم تجهيز وتلحين وعناء الاغنية يوم إعدامه، وبالطبع نست الأغلبية العظمى الأغنية مثلما نسوا غزال البر حتى جاء مجدي نجيب وأحياها.


بليغ حمدي


وبعد مرور أعوام واعوام أعاد مجدي نجيب كتابة كلمات الاغنية ولحنها بليغ وغنتها شادية، والغريب ان ما نسمعه الان ليست أيضا الكلمات التي كتبها مجدي نجيب كما هي، لأن بليغ طلب تعديل العديد منها لتتوافق مع اللحن الذي وضعه، لدرجة ان مجدي نجيب –والعهدة على رواية مؤمن المحمدي-إلى الأن لا تعجبه الأغنية رغم نجاحها.


 ولكن ليست تلك نهاية قصة الاغنية، فعقب نكسة يونيو 1967 قامت الإذاعة الإسرائيلية ببث اغنية "قولوا لعين الشمس" بصوت مطربة إسرائيلية بعدما تم تغيير الكلمات إلى " قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن الجيش المصري صابح ماشي" وبناءا عليه قامت الحكومة المصرية بمنع إذاعة الأغنية المصرية التي غنتها شادية، وبالمناسبة هي إحدى الأغنيات التي سخر منها "عبدالحميد كشك" في خطبه المشهورة، وفي النهاية مازلنا نطلب من عين الشمس ما تحماشي، ليس فقط لان "حبيب القلب صابح ماشي" ولكن للعديد من الأسباب.