التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 01:20 م , بتوقيت القاهرة

حكاية أول 3 أغاني بطعم العبور

لم تكن المعركة فقط على الجبهة، بالفعل كانت البلد كلها في حالة حرب، هؤلاء الكسالى من موظفي الدولة في الهيئات والمصالح الحكومية أصبحوا مثال حي للنشاط والتفاني، مصر أصبحت تلك الدولة التي يعمل الجميع فيها بلا كلل والجميع قلوبهم معلقة ببيانات الراديو التي تنقل أخبار معركة التحرير.


من بين كل الجبهات كانت هناك الجبهة الفنية، الفن كان حاضرا بقوة وشدة، كانت الإذاعة المصرية بمقرها في شارع الشريفين بوسط البلد هي الأخرى خليه نحل، كل الاستديوهات مشغولة، الشعراء والملحنين والعازفين والكورس يتحركون جيئة وذهابا طيلة الوقت، الإذاعة تعمل بكامل طاقتها لمدة 24 ساعة يوميا حتى انتهاء المعارك، كل لحظة تولد اغنية جديدة، منهم من أصبح خالدا ومنهم من نسيه الناس لقلة إذاعته.


الأغنية الأولى.. بصوت الشعب


في أوقات الحروب والطوارئ منطقي أن تحاط وسائل الإعلام بتأمين شديد، أي خبر غير صحيح قد يؤدي على كارثة، أي جملة غير مدروسة قد تكون السبب في خسائر لا يطيقها أحد، لذلك كانت الشرطة العسكرية في السادس من أكتوبر عام 1973، تحيط بمبنى الإذاعة والتلفزيون، في هذا الجو المشحون كان بليغ حمدي يطير حرفيا بسيارته وبصحبته عبد الرحيم منصور متجاوزا شوارع القاهرة التي تضج بالدهشة وعدم التصديق للوصول إلى مبنى التلفزيون، كان بالفعل أول الواصلين.


بليغ في حالة عصبية شديدة، حماس جارف، ورغبة في أن يكون في الصفوف الأمامية إن لم يكن في جبهات القتال ليكن في الصفوف الأمامية خلف الميكروفون، الامن الحربي، يمنع بليغ من الدخول، الأوامر هي منع دخول او خروج أي شخص، بليغ يهدد باقتحام الإذاعة، بل ويهدد وجدي الحكيم بأنه سيقوم بتحرير محضر ضده في القسم لمنعه من الدخول وأداء عمله، والموقف يشتعل، بوليغ هدد بتحديم الزجاج والدخول عنوه، ويأتي الحل على يد وجدي الحكيم الذي يتصل بالوزير وقتها عبد القادر حاتم والذي يأمر بترك بليغ للدخول وفتح ابواب ستديو 64، وايضا ان يصاحبه كبير مهندسي الصوت "زكريا عامر"، وفي قفزة واحدة تقريبا كان بليغ وعبد الرحيم في الدور السابع حيث الاستديو ،ويجلس دقائق على السلم مع عبد الرحيم منصور لتخرج كلمات ولحن أغنية "بسم الله" الفرقة الموسيقية موجودة ولكن يظل السؤال مطروحا من سيغني؟



لم يكن من الممكن عمل استثناء في تلك الساعة لكل كورس الإذاعة، بليغ قرر، جمع العالمين في الإذاعة من موظفين وامن وجنود وسعاه وغيرهم، واختار من بينهم 15 فرد، وكان الأمر يحتاج إلى بروفتين فقط، مع هذا الكورس الحي، لينتهي بليغ ويلعن رغبته في التسجيل، ليخرج او صوت للانتصار والعبور " بسم الله الله أكبر بسم الله بسم الله" لتكون هي الأغنية الأولى للنصر، وربما جزء من جمالها وحيويتها أنها بالفعل بصوت الشعب، لتصبح أول أغنية تذاع في اكتوبر وإذيعت عقب البيان العسكري رقم 4 والذي أذيع في تمام الثالثة وسبع دقائق عصرا.


الأغنية الثانية.. من النكسة إلى العبور


في الرابعة فجرا هاتف الإذاعة يرن بإلحاح، يجيب وجدي الحكيم، مازلنا في خلية النحل التي تحدثنا عنها، على الهاتف كان المخرج يوسف شاهين، كان فيلم العصفور يواجه مشاكل رقابية وكان قد منع من العرض، ضمن أحداث الفيلم الذي أنتج عام 1970 وعرض عام 1974، كانت هناك أغنية كتبتها الشاعرة نبيلة قنديل ولحنها زوجها الموسيقار على إسماعيل.



الأغنية كانت تحكي وتدور حول حماس المقاتلين الذاهبين للقتال في سيناء عام 1967، قبل أن ينتهي هذا الحماس بنكسة عسكرية وكانت تحمل أسم "رايات النصر" قالت فيها نبيلة " رايحين رايحين شايلين في إيدنا سلاح" وقد تم تسجيلها ومن قبل الكورس أيضا ولكن هذه المرة كورس مدرب ومحترف، وبالفعل يرسل شاهين الأغنية لتذاع هي الأخرى لتصبح ثاني اغنية تذاع في الانتصار.


الأغنية الثالثة. حينما نحب فننتصر


كان النصر قد تأكد، جاء البيان العسكري السادس حاملا خبر العبور، اصبح من المتاح ان يدخل ويخرج الجميع من الإذاعة، الخروج كان إما لقضاء حاجة أو لشراء طعام، بينما كانت الحركة الغالبة هي الدخول إلى حرم الإذاعة، الخامسة صباحا، الوطن بات ليلته منتشي بإنتصار معجزة، وقتها كان بليغ نسي تماما اغنيته الأولى " بسم الله" ويفكر في أغنيته القادمة والتي كتبها عبدالرحيم منصور أيضا، كانت وردة وعبدالحليم والجميع في استديوهات الإذاعة، حليم فقط هو الذي مازال متحفظا، بينما حب ورده لبليغ وحبهما لمصر انجب من كلمات عبد الرحيم منصور واحدة من أرق أغاني الانتصار.



وقتها كانت كل أموال الدولة بما فيها أموال الإذاعة موجهة للمعركة، كانت الإذاعة لا تستطيع ان تدفع نفقات تسجيل هذا اللحن او اجر الكورس أو العازفين، وردة وبليغ قاما بتوقيع إقرار على نفسيهما بأنهما يتحملان تكاليف تسجيل الاغنية، وقتها كانت هناك مفاجأة، جميع العازفين والكورس قرروا التبرع بأجورهم عن هذه الأغنية، لتخرج أرق أغاني الانتصار " حلوة بلادي" في الساعة الخامسة من فجر 7 أكتوبر 1973، لتعلن وتزف تأكيد النصر بهمسات وردة وبعشق بليغ.