التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 09:52 م , بتوقيت القاهرة

حكايات إخوانية| خطيئة النظام الخاص

ونحن نقيم تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية، يؤكد وصفها بهذا الوصف تاريخ لا سبيل لإنكاره، وإذا كان محمد مهدى عاكف مرشد الإخوان، ومأمون الهضيبى المرشد الأسبق له، قد افتخرا بالنظام الخاص واعتبراه مصدرًا للفخر، فإن من عقلاء الجماعة ومن تركوها في وقت مبكر من ذهب لغير ذلك، مؤكدًا أن هذا النظام الخاص كان الخطيئة الكبرى في تاريخ الجماعة، التي كانت دائمًا منقسمة بين رجال النظام الخاص ورجال التنظيم المدني، أو بين القبور والحمائم المحافظون والإصلاحيون.


فقد تأسس النظام الخاص على أوثق الروايات بين العام 1938 و1940، ولم يكتشف أمره إلا فى أعقاب اكتشاف سيارة جيب ، كانت تحمل ذخائر وأسلحة وأوراق تنظيمية وقوائم اغتيالات لعدد من الشخصيات السياسية في العام 1948، حيث لمح شرطي سري بالمصادفة البحتة تلك السيارة التي تعطلت أمام منزل أحد أقاربه، فشاهد كل ما يجري من خلف شرفة منزل، وأمكن القبض على عدد من المتهمين، ومصادرة السيارة التي كانت تضم كنزًا معلوماتيًا يكشف مخططات الجماعة.

وقد حاول النظام الخاص حرق محكمة الاستئناف لكى يتلف أدلة تلك القضية، ولم تنشر تفاصيل تلك القضية حتى الآن، ولا أعلم لماذا لا تطلع الأجيال الجديدة على تلك الحقائق؛ لتتبين حقيقة تلك الجماعة التي رفعت السلاح مبكرًا في وجه المجتمع المصري، وحتى في وجه أعضائها عندما قتل الجهاز رئيسه الجديد السيد فايز، بطرد حلوى مفخخ هو وابنته، وكان التنظيم أول من أدخل إلى الشرق تلك الوسائل القاتلة في الاغتيالات.


تضمن التنظيم وحدات للتجسس والرصد، وألزم أعضائه أنفسهم بنمط للتخفي كان يصل إلى الانتظام في الذهاب إلى السينمات والملاهي، ودور البغاء أحيانًا، في إطار التخفي دون حرج من شرع أو دين، ونفذ التنظيم عددًا من الجرائم لعل أخطرها حرق محلات اليهود لدفعهم للخروج من مصر ومن ثم اللحاق بدولة إسرائيل الناشئة وقتها، قتلوا القاضي أحمد الخازندار.


وقلنا فى مقال سابق كيف تعامل حسن البنا مع المسألة، قتلوا حكمدار القاهرة اللواء سليم زكي، قتلوا في الأخير محمود فهمى النقراشي رئيس الوزراء، وظلوا ينشطون فى استهداف الدولة والثورة التي لنا فى علاقتهم معها حكاية قادمة، لكن ما يهمنا فى هذا المقال هو تسجيل شهادة من داخل التنظيم عبر أحد رجال الرعيل الأول من الإخوان وهو الدكتور حسان حتحوت، الذي يقول فى كتابه العقد الفريد، الصادر عن دار الشروق فى العام 2000، عن النظام الخاص: "في إعتقادي الشخصي أيضًا في حساب الأرباح والخسائر، فإن الجهاز السري كانت الخسارة منه أكثر من المكسب، إن آفة هذه التنظيمات السرية أنها عرضة عادة من جراء الشعور بقوة السلاح، لأن تعتبر نفسها العنصر المهم من الحركة، ويغشاها شعور بأن رجال الحركة المدنيين رجال أقوال، أما هم فرجال أعمال فيكون مثلهما كما قال الشاعر "السيف أصدق أنباء من الكتب فى حده الحد بين الجد واللعب"، وتشير الدلائل إلى أنهم فعلا فى مرحلة من المراحل نظروا إلى حسن البنا على أنه مجرد رجل يحسن الخطابة، وأن الهيكل العام للحركة ما هو إلا واجهة، وفي هذه الظروف كانوا يبيحون لأنفسهم التصرف دون الرجوع للقيادة، وتكون الطامة الكبرى حين يحال بين القيادة الشرعية وبين هذا الجهاز السري، فإذا بالعضلة تتقمص دور المخ فترتكب حماقات يدرك كل ذى بصيرة، أن ورائها الشر كله وليس وراءها من الخير شيء".

تبدو تلك الشهادة حاسمة في شرح ما جرى لتلك الجماعة التي تسلط على إدارتها عضلة وليس عقل منذ نحو مبكر كما وصف الرجل، وظلت العضلات تفعل فعلها حتى كسرتها الدولة في العديد من المشاهد، ثم لا تلبث أن تعود فى ثوب جديد، لكن المؤكد أن هذا الجسد الكبير الذي وصفه الرجل بالواجهة التي كانت تخفي العضلة والعقل لم يعد موجودًا، وبالتالي برزت العضلات عارية لتتجسد فيما يسمى بلجان العمل النوعي، التي نشطت من جديد فى الاغتيالات والقتل والتدمير، لكنها مكشوفة كما لم تكن عبر تاريخها لذي فأنه مقضى عليها ولا مستقبل لها أبدًا وستمسى الجماعة بكل تاريخها جملة اعتراضية في كتاب عظيم يسجل تاريخ هذا البلد الكبير الذي انكسرت على صخرة وحدته كل الأخطار .