التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 02:57 م , بتوقيت القاهرة

حكايات إخوانية| أمريكا والإخوان

قد لا يعرف الكثيرون أن جماعة الإخوان احتفظت فقط بعلاقات تاريخية عميقة مع بريطانيا، والتي تنطلق من رعاية الإستعمار القديم لها باعتبارها أكبر ضمانة لإضعاف الدولة الوطنية الناشئة في مصر، بل احتفظت بعلاقات أوثق بوريثة التاج البريطانى الولايات المتحدة الأمريكية.


رمى حسن البنا شباكه على القوة الدولية الصاعدة أمريكا انطلاقا من إيمانه باستراتيجية الإختباء في معسكر الأعداء بهدف خداعهم، وهو ما فشل في تحقيقه من خلال علاقته ببريطانيا التي استفادت من هذه العلاقة لصالحها ، وأضعفت من خلالها صيغة الدولة الوطنية في مصر، وهو ما حرصت على تأييده عندما نقلت ملف العلاقة مع الجماعة إلى ربيبتها ووريثتها في النفوذ الدولى أمريكا.


لم تبدأ علاقات أمريكا بالإخوان كما يعتقد الكثيرون مع بحث الولايات المتحدة الأمريكية عن بديل لـ حكم مبارك، ومن ثم بدأت منذ العام 2005 في الحديث عن ضرورة التحول الديمقراطي في مصر، وهو ما انعكس على نتائج إنتخابات البرلمان فى هذا العام، حيث حاز الإخوان على 20 % من مقاعد البرلمان، ولم يكن الأمر فقط هو هذا الدفء الملحوظ في العلاقة، والذي تجسد فى زيارات شخصيات إخوانية للبيت الأبيض برعاية سعد الدين ابراهيم، عراب العلاقات الأمريكية مع أى قوى سياسية ترغب أمريكا فى الحوار معها.


بل بدأت العلاقات في الحقيقة في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945، حيث أوفد حسن البنا أخلص رجاله وهو سعيد رمضان زوج إبنته وأقرب الناس لعقله إلى الولايات المتحدة، ليلتقي بالرئيس الأمريكي وقتها ويشق طريقه لمؤسسات صناعة القرار الأمريكية، التي رحبت بالرجل واحتضنته حيث نشطت العلاقة تحت نفس العنوان الذي اختارته بريطانيا ليكون عنوانا لعلاقتها مع الإخوان "محاربة الإلحاد والشيوعية"، وتبرز صورة التقطت في العام 1953 عمق تلك العلاقة حيث ظهر سعيد رمضان إلى جانب الرئيس الأمريكى أيزنهاور، فى إطار هذا الحشد الذى نهض به سعيد رمضان في إطار مهمته السرية التى جعلته عميلا للمخابرات البريطانية والأمريكية والسويسرية فى آن واحد.
سعيد رمضان هو الثاني من اليمين والرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في العام 1953


وهو أمر ليس غريبًا في مسيرة جماعة الأخوان دوليًا، حيث يكشف ليون بانيتا فى جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي حول أحداث ثورة 25 يناير، في رده على سؤال لرئيس الأغلبية يقول: "هل جماعة الإخوان المسلمين فى مصر جماعة إرهابية متشددة؟ فأجاب : الواقع يدفعنا أن نشهد بأنه من الصعب فعلا تقييمها كجماعة متشددة دينيا، حيث انهم فى اتصالات مستمرة بيننا وبينهم وبين أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وأن كل هذه الإتصالات تؤكد أنهم جماعة سياسية منفتحة تسعى لإثبات نفسها كجماعة سياسية يمكن الإعتماد عليها"، وتأمل تلك الكلمة جيدًا عزيزي القاريء "يمكن الإعتماد عليها"، وهي مفردة شفرية تعني وجود أعلى درجات التنسيق والتعاون بين الطرفين، يضيف بانيتا أن الجماعة عمليا يتصلون منذ أعوام بأكثر من 16 جهاز مخابرات حول العالم، وهى جملة دالة أيضا يؤكد معها أن خلاصة تلك التقارير تأتي للأمريكان في النهاية.


قدمت بهذا الحديث للتأكيد أنه رغم تغير الإدارة الديمقراطية التي راهنت على وجود طويل للإخوان في مصر، أو الإحتفاظ بهم على الأٌقل كشوكة فى خاصرة الدولة المصرية ورغم أن الإدارة الجمهورية على الأقل فيما خرج منها من تصريحات حتى الآن، قد تبدو أكثر حسمًا في مواجهة كل جماعات التطرف ومنها الإخوان، ولعل طرح تشريع النائب الجمهوري تيد كروز باعتبار الإخوان تنظيما إرهابيا ما يعزز ذلك، إلا أنه يجب أن يؤخذ كل ذلك بحذر فقد إحتفظت أمريكا بعلاقات مع القاعدة وغيرها من قيادات التطرف رغم اعتبارهم أو تصنيفهم على لوائح الإرهاب ،فى إطار علاقاتها السرية التى لم تتكشف كل فصولها حتى الآن.


العلاقات الأمريكية بالإخوان عميقة تمامًا كالعلاقات مع الإنجليز، ورغم نبرة ترامب الزاعقة إلا أننى أتشكك فى أن تضحي الأجهزة الأمريكية بعلاقات بنتها على مدار عقود، وهي بحاجة دائمة لأوراق تستطيع من خلالها ابتزاز القرار المصري وليس أفضل لديها من كيانات تبحث عن شرعية الوجود من جديد كجماعة الإخوان، وهو ما يؤشر إلى أن محطة حظر الجماعة واعتبارها تنظيم إرهابي قد لا تكون الكلمة الأخيرة ف  العلاقات بين الطرفين، فالليالي حبالى يلدن كل جديد، وأمريكا التي تحالفت مع القاعدة، وصنعت داعش، قد تخلق فى معاملها فيروس جديد قد يكون الإخوان ضمن مكوناته.