التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 11:31 ص , بتوقيت القاهرة

حرب المايوه!

وينستون تشرشل، قال فيما قال عن التاريخ إنه سيكون رحيمًا به لأنه ينتوي كتابته. أبر تشرشل بوعده وكتب التاريخ بالفعل. كتبه مرة بمشاركته في صنعه، ومرة بخروجه منتصرًا من المعركة، ومرة أخيرة في كتاب استحق عليه جائزة نوبل في الأدب.


لكن تشرشل حارب حربه وانتصر وكتب تاريخه في عصر ما قبل الإنترنت. التاريخ الذي صنعه وكتبه تشرشل يختلف عن التاريخ الذي نصنعه ونكتبه. فعلى عكس الشائع التاريخ لا يكتبه المنتصر، المنتصر يقترح نسخة واحدة من التاريخ في حين إذا استطاع المهزوم التشكيك فيها أصبحت رواية المنتصر مجرد وجهة نظر يمكن قبولها أو رفضها. في حال تشرشل لم يكن للنازي أي فرصة لطرح رواية بديلة كانت الهزيمة قاسية لا يمكن إنكارها ولم يكن هناك من الأدوات ما يمكن أن يسهل الترويج لرواية بديلة.


ماتت نسخة النازي من التاريخ قبل أن تولد وعاشت نسخة تشرشل للأبد!


لكن ماذا لو كان للنازي صفحات على فيس بوك؟ ماذا لو كان للنازي "ناس مش نازيين ولكن بيحترموهم"؟ ماذا لو كان للنازي فرصة للترويج لأفكاره بعد هزيمته دون الإعلان عن "أجندته"؟ ماذا لو استخدمك النازي لخدمة "أهدافه" دون حتى أن تلاحظ؟


إذا كنت من سكان هذا الجزء من العالم فلابد أنك لاحظت أن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورًا لا يمكن إغفاله في تحريك الأحداث السياسية في مصر بداية من أواخر 2010 وحتى تاريخه (أغسطس 2015 ). فربما لا يعبر الرأي العام على شبكات التواصل الاجتماعي عن رأي الشارع المصري ككل ولكنه يؤثر فيه (سواء سلبًا أو إيجابًا) لسببين أولهما تأثيره على وسائل الإعلام التقليدية. وثانيهما أن الإنترنت لم تعد رفاهية ولا ترفيه. الإنترنت جزء أساسي من حياة شريحة لا يُستهان بها من المجتمع المصري.


فمثلًا، شائعة خطف الأطفال المنتشرة على فيس بوك دون سند أو دليل سوى روايات شخصية لا يمكن إثباتها أو نفيها، ستثير ذعر كل أب وأم حتى أولئك الذين لا يستخدمون الإنترنت. وحينما تقرر بعض "المحجبات" سرد وقائع "اضطهادهن"، تصبح تلك الوقائع رأيًا عامًا يستوجب التعليقات والتصعيد حتى لادعاء أن الإسلام يُحارب في مصر!


وكما لا يتوقف أي من الأشخاص للتساؤل حول صحة وقائع الخطف قبل أن يضغط "لايك وشير"، لم يتوقف أي من المشاركين في حرب المايوه للتساؤل ما إذا كانت الوقائع صحيحة بالفعل وما إذا كان ما حدث يعد اضطهادًا يستحق حملة لمقاومته. فوقائع "اضطهاد المحجبات" مثلها مثل وقائع الأطفال المخطوفة، مجرد روايات لأشخاص لا يمكن نفيها ولا إثباتها.


السؤال المنطقي التالي: هل يمكن أن تضطهد محجبة في مصر؟ وهل هناك بالفعل حربًا على الإسلام؟


والإجابة المنطقية للسؤالين هي لا. فمصر دولة ينص دستورها على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. كيف يُضطهد دين في دولته؟!فإذا لم يكن الإسلام مضطهدًا ولا المحجبات لماذا إذن قامت الحرب؟ والإجابة فتش عن النازي!


بدأت حرب المايوه في بار! مواطنة مصرية محجبة ذهبت لأحد المطاعم (الذي تصادف بإنه يقدم الخمور) ورفض المطعم تقديم الخدمة لها والسبب إنها محجبة. أثارت قضية المحجبة والبار حوارًا بناءً ولكن الحوار لم يثر الكثير من التعاطف لأن الشعب المتدين بطبعه لا يمكنه التعاطف مع امرأة تحارب من أجل التواجد في مجالس الخمر. وفجأة – وفي عز المعمعة – بدأ ظهور شهادات عن شواطئ تمنع "مايوه المحجبات".


وعلى عكس الحق في التواجد في مجالس الخمر، نال "مايوه المحجبات" دعمًا وتعاطفًا أكبر. لأن هذه المرة القضية لا تمس المحجبات فحسب، القضية تمس حتى غير المحجبة التي ترفض ارتداء "مايوه عادي" في الشواطئ المختلطة.  وكلما زادت السخرية من مرتديات "مايوه المحجبات" كلما زاد التعاطف مع القضية.


التعاطف الذي حول روايات لا يمكن إثبات صحتها لحقيقة في عنوان لمقال كتبه مدير فرع أحد المراكز البحثية الأمريكية بإحدى الدول العربية الشقيقة (هو مش نازي بس بيحترمهم).


التعاطف الذي أغفل أن حل مشكلة الاضطهاد (لو صحيحة) هو ألا تحارب المضطهدة للبقاء في المكان بالعكس، فالمضطهدة ستقوم بدفع مبالغ مالية مقابل الخدمة والحرب التي تشعلها ما هي إلا حرب "علشان تتهزق بفلوسها"، الأفضل لها وللقضية هو أن "تصرف فلوسها في مكان يستحق".


التعاطف الذي يساعد "النازي" في فرض نسخته من التاريخ. التعاطف الذي لم يصل أصحابه ما قاله تشرشل عن الأكاذيب التي ستلف نصف العالم قبل أن تتمكن الحقيقة من ارتداء بنطالها، لأن تشرشل "ماعندوش فيس بوك"!