التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 11:43 م , بتوقيت القاهرة

تشكيل الحكومة المغربية يشعل حرب الحقائب الوزارية

جاء اعلان سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية المعين، مساء أمس، عن نجاحه في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، ليفك العقدة والأزمة السياسية، التي عاشت فيها المغرب طوال ما يقارب من نصف عام بسبب تعثر تشكيل الحكومة، الأمر الذي خلق فراغا دستوريا، وأزمة سياسية وحكومية غير مسبوقة في البلاد.


وأعلن العثماني، الذي تم تكليفه برئاسة الحكومة المغربية من قبل العاهل المغربي يوم 17 مارس الماضي، أن حكومته الجديدة حققت عددا أكبر من المقاعد البرلمانية اللازم توافرها لتحقيق الأغلبية اللازمة في البرلمان لمنح الثقة للحكومة (198 مقعدا في مجلس النواب من أصل 395 مقعدا)؛إذ ضمت مجموع مقاعد وصل إلى 240 مقعدا؛ ممثلة لستة أحزاب رئيسة، وهي: حزب العدالة والتنمية، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.


ويأتي خروج الحكومة المغربية الجديدة للنور، ليكسر ستة أشهر لما بات يعرف في الساحة الداخلية السياسة المغربية بــ(البياض الحكومي)، والذي خلفته انتخابات أكتوبر من العام الماضي، التي فاز بها حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الاسلامية بنسبة طفيفة وصلت إلى 57,5%، وذلك بحصوله على 125 مقعدا من مقاعد البرلمان.


ووفقا للدستور المغربي الذي تم إقراره عام 2011، فقد قام العاهل المغربي محمد السادس على اثر هذه الانتخابات بتكليف عبد الاله بن كيران الأمين العالم لحزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات، بتشكيل الحكومة لولاية ثانية، لتبدأ بذلك أولى حلقات أزمة تشكيل الحكومة المغربية، والتي استمرت لمدة تقارب الـ6 أشهر.


فبعد مرور ما يقارب أربعة أشهر على تكليف بن كيران بتشكيل الحكومة، خرج ليعلن في أواخر شهر يناير الماضي عن أن مشاوراته لتشكيل الحكومة وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن رفضت معظم الأحزاب الكبرى مشاركته في الائتلاف الحكومي، لاسيما تلك الأحزاب التي كانت شاركت العدالة والتنمية في الائتلاف الحكومي السابق برئاسة بن كيران، وهي التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا) والتقدم والاشتراكية (12 مقعدا)، خصوصا أن هذه الأحزاب بإمكانها تغطية العدد المطلوب في مجلس النواب لتشكيل الحكومة (198 مقعدا(.


وبهذا الاعلان من جانب بن كيران، انحصرت فرص تشكيل الحكومة المغربية في ثلاثة خيارات حددها الدستور، الأول: هو اعادة تكليف بن كيران بتشكيل الحكومة وانطلاق المشاورات حول ذلك من نقطة الصفر مرة أخرى مع توصية ملكية بتوسيع دائرة المشاورات، والخيار الثاني: حل مجلس النواب واعادة اجراء انتخابات تشريعية يدعو لها الملك في خطاب موجه للأمة، أما الخيار الثالث فهو اختيارشخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات لاعادة تشكيل الحكومة، وهو الخيار الذي اختاره عاهل البلاد الملك محمد السادس، وذلك بتعيينه سعد الدين العثماني الذي يتولى منصب رئيس المجلس الوطني (برلمان) لحزب العدالة والتنمية.


وجاء هذا الخيار الملكي، بمثابة نقطة انطلاق جديدة للمشاورات لتشكيل الائتلاف الحكومي، لكن هذه المرة بشكل (أسرع)، لينجح العثماني في اطلاق ( الدخان الأبيض) لحكومته الجديدة في مدة لا تزيد عن عشرة أيام، ووفقا لعدد من المراقبين السياسيين للشأن المغربي فان نجاح العثماني في هذه المهمة لم يكن بسبب الدعم الملكي للمشاورات الحكومية وحسب، بل بسبب تجاوز العثماني أيضا لما سُمي بـ(عقدة حزب الاتحاد الاشتراكي) ذي التوجهات اليسارية، وهو الحزب الذي رفض بن كيران ضمه لحكومته واعتبر أن ذلك خطا أحمر. في حين قبل العثماني بوجوده في الائتلاف الحكومي إلى جانب أحزاب أخرى ذي توجهات يسارية وشيوعية.


ورغم تجاوز العثماني لهذه العقدة، ونجاحه في تشكيل الحكومة في وقت قياسي، إلا أن هذا الائتلاف الحكومي تواجهه العديد من العقبات والصعوبات والتي تفجرت فور الاعلان عن تشكيله، والتي تأتي في مقدمتها ( حرب الحقائب الوزارية)؛ إذ أعلن العثماني عن تشكيل لجنة لاختيارالحقائب الوزارية تراعي التوازنات الحزبية المشكلة للائتلاف، وفي نفس الوقت تحفظ الحق الملكي في اختيار الوزارات السيادية.


ومن المتوقع أن تزداد وتيرة هذه الحرب حول الحقائب الوزارية، بسبب تلك الصعوبات المتوقع ان تواجهها الحكومة في مجالات الاصلاح الاقتصادي والاداري ورفع تحدي جودة الخدمات في التعليم والصحة والتشغيل ومحاربة الفساد، وهو ما يتطلب مجموعة من الوزراء الاكفاء غير موجودين في الاحزاب بالائتلاف الحكومي الجديد، وهو ما فسر تزايد الدعوات في الداخل المغربي السياسي بتشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات وطنية بعيدا عن أية حسابات أو تحالفات حزبية، كحل لأزمة تشكيل الحكومة.


ويتوقع مراقبون ومحللون أن تضم حكومة العثماني ما يقارب من الـ27 وزيرا، معظمهم من أحزاب الأغلبية المشكلة للائتلاف الحكومي، إلا أن التحدي الأكبر سيظهر خلال خطة عمل المائة يوم الأولى لهذه الحكومة، وأن مدى قوة وكفاءة حكومة العثماني سيظهر في اختياره للوزراء بالوزارات الخدمية التي تمس المواطن بشكل مباشر، نظرا لتزايد الغضب الشعبي من أداء هذه الوزارات في الآونة الأخيرة.