التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 04:04 م , بتوقيت القاهرة

"بوكو حرام" جناح داعش الإفريقي

يخطأ البعض حين يتصور أن مجموعات العنف المسلح هي مجموعات نمطية من شذاذ الآفاق، الذين يقفون في وعيهم وتطورهم عند نقاط محددة، وليست لديهم القدرة على بناء خطة إستراتيجية محددة تنطلق من أفكارهم، بصرف النظر عن شذوذها أو صحتها، أقول ذلك لأن البعض ظل يصور مجموعات العنف المسلح خصوصا في إفريقيا، بأنهم مجموعة من الحفاة العراة يمتشقون بنادق قديمة تستطيع أي طائرة هليكوبتر حصدهم في ساعات قليلة. 


يبدو تنظيم داعش في بناء خطته لاستعادة الخلافة، التي نجحت حركات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان في جعلها من ثوابت تفكير الإسلاميين، وفريضة غائبة يلزم العمل على استعادتها وهو ما نجحت داعش في جعله  إلهاما لكل مجموعات العنف الإسلامي، باعتبارها نجحت في التمكن من بقعة تمثل في وعي الجهاديين عموما بقعة معارك آخر الزمان، والتي حددتها أحاديث الملاحم التي تمثل في وعي هؤلاء محورا مركزيا، في هذا الإطار نجح تنظيم داعش في تأسيس مناطق ارتكاز له في كل العالم، يرقى بعضها بوجوده وحجمه وتأثيره ليطلق عليه وصف ولاية، بينما لا زال الآخر في طور التشكل والتكوين، ومن ثم لا يطلق عليه التنظيم فرعا، بل يتجاهل ذكره حتى تتوفر له الحاضنة التي تمكنه من الاستمرار والبقاء، ودون هذه الحاضنة لا يعلن التنظيم عن وجوده إلا في ظل فوضى أمنية وسياسية عارمة، قد تتقدم على تحقق هذا الشرط كما حصل في ليبيا.


تبدو بوكو حرام هي الحصان الأسود بمسيرة داعش في إفريقيا، وخاصة ليبيا فالتنظيم الذي رغم الحديث عن تراجع قوته على حد تصريحات بعض القيادات الإفريقية ومنهم الرئيس النيجيري، إلا أنه تمت على خلفية انزعاج مجلس الأمن من توافد مقاتليه إلى ليبيا وتعزيز قوة داعش هناك، الدعوة إلى عقد قمة إفريقية بالعاصمة النيجيرية أبوجا، تضم قادة إقليمين وغربيين لبحث سبل القضاء على تهديد التنظيم للأمن الإفريقي، كما حذر فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي من أن التنظيم لا زال يشكل خطرا رغم ما سماه الإنجازات التي تحققت في مواجهته، حيث تم إضعاف المتمردين وإجبارهم على التراجع لكنه لا زال يشكل خطرا.


التنظيم على عكس ما هو معروف له حاضنة شعبية بالفعل في مناطق الشمال، التي تعاني من التمييز الديني والإثني، وهو ما خلق ظروفا موضوعية لازدهار التنظيم ونجاحه في الخروج من المذابح التي تعرض لها في 2009، والتي تقريبا كانت قد قضت عليه تماما وعلى زعيمه محمد يوسف، لكن المبالغة في القتل والتوسع في الاشتباه من قبل الحكومة والإقتصار على المواجهة الأمنية، وسع دائرة التعاطف مع التنظيم وخلق له مكانا بين السكان سواء بالدعم المباشر أو الانخراط في صفوفه، أو حتى عدم التعاون مع قوات الأمن في الإرشاد عن عناصره، وهذا هو بالضبط ما يعنيه وجود حاضنة شعبية.


تنظيم بوكو حرام واسمه جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد والذي تغير إلى ولاية غرب إفريقيا، والمعروف باللغة الهوساوية ببوكو حرام، وتعني رفض الحضارة الغربية، ويترجمها البعض بالتعليم الغربي حرام، قائدها الحالي هو أبوبكر شيكاو، وقد سمي التنظيم بطالبان نيجيريا للتشابه بينه وبين تنظيم طالبان أفغانستان في النشأة والتكوين، حيث تكونت المجموعات الأولى له من طلبة تركوا الدراسة وأقاموا لهم قاعدة في قرية كاناما بولاية شمال شرقي نيجيريا على الحدود مع النيجر، بايع التنظيم داعش في 12 مارس ،2015 عبر شريط فيديو مسجل على الإنترنت، وتأسست الجماعة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على خلفية الصعود الذي حققه تنظيم القاعدة، على يد محمد يوسف قائد الجماعة ومؤسسها، ونشطت الجماعة محليا في الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ومقاومة التمييز الطائفي والديني، قبل أن تتحول إلى تنظيم إقليمي يلتحم بمجموعات أخرى في تشاد والنيجر والجزائر والكاميرون، وتورط التنظيم في العديد من حوادث العنف الانتقامية التي تراوحت ما ين تفجير أقسام شرطة وأسواق محلية واختطاف رهائن غربيين وطلب الفدية، وكانت آخر عمليات التنظيم اختطاف 276 تلميذة من مدرسة ثانوية في ولاية برنو، لم يعرف مصيرهم حتى الآن.


التنظيم بعلاقاته المتشابكة والحاضنة الشعبية التي يملكها، والخزان الجهادي في المنطقة التي ينتشر بها والتي تضم كل دول الجنوب الليبي: تشاد، والنيجر والكاميرون، ونيجبريا، فضلا عن مجموعات في الجزائر، والمغرب، والصحراء المغربية، قد يكون قوة الدعم الرئيسبة التي يعتمد عليها  تنظيم داعش في خلق بؤرة بديلة، في حال سقط في مناطق سيطرته بسوريا والعراق، فهل ينجح التنظيم في دعم داعش لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي؟