التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 03:48 م , بتوقيت القاهرة

امرأة تثبت أن تامر حبيب لم يوفق في نهاية فيلمه "تيمور وشفيقة"

عندما عرض فيلم تيمور وشفيقة، في يونيو 2007، رضخت وزيرة البيئة شفيقة ميمون أدريس (منى زكي)، لرغبة حبيبها وحارسها الخاص تيمور (أحمد السقا)، واستقالت من المنصب الوزاري من أجل إتمام مشروع الزواج المؤجل من ابن الجيران، نتيجة تمسك بطلة الفيلم بحقوق المرأة معظم أحدث الفيلم، لكن النهاية تساوت مع أفلام الخمسينات التي انتصر فيها الرجل على حرية المرأة، مثل فيلم الأفوكاتو مديحة ‏1950.


بعد تتر نهاية الفيلم، هل عاشت شفيقة بأفكارها التحررية، في سعادة دائمة مع تيمور الرجل الشرقي المحافظ، في حال كتابة جزء ثاني لـ "تيمور وشفيقة"، مثلما صرح أحمد السقا، في برنامج صاحبة السعادة، سوف يستمر الخط الدرامي للمؤلف تامر حبيب، لصراع أزلي بين آدم وحواء، ولأن القصة بسيطة رومانسية لا تحتمل تعقيدات الحياة، لن يتطور الأمر إلى اغتيال معنوي، مثلما حدث لـ"منيرة ثابت"، عميدة الصحافيات المصريات، وأول صحفية نقابية في مصر، المرأة التي كانت يومًا "شفيقة"، وتخلي عنها "تيمورها".

في عشرينيات القرن الماضي، ظهرت فتاة في السابعة عشر من عمرها، تكتب مقالات نارية تهاجم الحكومة والانجليز في صحيفة الأهرام، في عمود يومي اسمه "خواطر ثائرة"، بإمضاء "منيرة ثابت"، في البداية ظن القراء أن كاتب المقالات رجلًا يتخفى وراء اسم امرأة؛ فرارًا من المساءلة القانونية، لكن المفاجأة أن تلك الثائرة كانت فتاة صغيرة تدرس في مدرسة الحقوق الفرنسية، في القاهرة، وتمتلك قدرًا كبيرًا من الجاذبية والجمال، مشاغبة تناطح الرجال في المناقشات الساخنة. لديها هالة من التألق لنموذج المرأة الجديدة القوية التي أفرزتها ثورة 1919.

كانت منيرة من أوائل النساء المطالبات بمساواة الرجل بالمرأة، وذهبت إلى صديق والدها، سعد زغلول، تحتج على عدم مشاركة المرأة في التصويت للانتخابات البرلمانية، وكان رده "أن الوقت لم يحن لتلك الثورة النسائية"، مؤجلًا تلك الخطوة بعد جلاء الإنجليز عن مصر.

استمرت منيرة ثابت في كتابتها المعارضة، ما وضع الحكومة في حرج، واستدعى وزير المعارف، ناظر مدرسة الحقوق الفرنسية، وطالبه بإجبار الطالبة بالتوقف عن كتابة المقالات في الصحف، لكن الناظر رفض أمر الوزير، مؤكدًا أن المحامي من حقه المعارضة والكتابة والدفاع عن الشعب.


عام 1926، بأمر من دار المندوب السامي البريطاني، وقفت منيرة أمام النائب العام، بتهمة مهاجمة التدخل الأجنبي، وفي ذات العام تعرضت مقالاتها للحذف والشطب من قبل رؤساء التحرير، فشجعها سعد زغلول، الذي لقبته بـ"الزعيم السفوري الجليل"، على حد قولها في مذكراتها "ثورة في البرج العاجي"، على إصدار تراخيص جريدة أسبوعية ترأس تحريرها، كانت تبلغ 19 عامًا.


سرعان ما انتشر "الأمل" (اسم جريدتها) في جميع انحاء مصر، ما شجعها على إصدار جريدة فرنسية يومية اسمها "أسبوار- Espoir"، وهي الترجمة الفرنسية لكلمة الأمل أيضًا، كانت منيرة صوتًا عاليًا، هاجمت الحكومة والإنجليز، وكانت النتيجة إجماع خصومها على إيقافها، لكن المفاجأة أن الحب فعل ما لم تستطع الدولة المصرية والإمبراطورية البريطانية.


أحبت صاحبة الأمل منيرة ثابت، الصحفي الشاب عبد القادر حمزة، واتفقا على الزواج، لكن المشكلة كانت في طلب منيرة من حبيها أن يطلق زوجته الأولى، لأنها ترفض تعدد الزوجات، ونادت في حوار أجرته معها مجلة "الهلال" في أكتوبر 1925، أن "يتم الزواج برضى الطرفين الكلي، ودون تدخل أي وصاية أو وكالة عن المرأة، بل لهذه -إذا أرادت- أن توقع باسمها وبيدها عقد الزواج بجانب توقيع الرجل. والزواج يكون بواحدة فقط"، لكن الرجل الشرقي انتصر في تلك المعركة على منيرة، بعدما تحاكما إلى سعد زغلول الذي حكم بأن تكون منيرة الزوجة الثانية.


كما اشترط عبد القادر على منيرة أن تترك مجدها الصحفي من أجله، وتغلق مجلة الأمل، وبأمر الحب، تترك منيرة ثابت فارسة الصحافة المصرية، كما لقبتها الصحف العالمية، السياسة والصحافة والمقالات، واستسلمت الثائرة لزوجها، (نهاية مشابهة لفيلم تيمور وشفيقة).


وبعد ذلك حدث الطلاق، وهو ما فسره الكاتب الصحفي مصطفى أمين، بأن الزوج وجد نفسه أمام امرأة عادية، فقدت أهم أدوات جاذبيتها المتمثلة في المشاغبة والاضواء والشهرة.


في بداية الخمسينات أعادت منيرة إصدار مجلتها الأمل، لكنها كانت بداية متواضعة، فقدت البريق الشاب الذي بدأت به، لم يعد صوتها مثل العشرينات، الأجيال التي حضرت تألقها لم تعد موجودة، ومطالبتها بحقوق المرأة لم تجدى صدى واسع، وعندما قامت ثورة يوليو 1925، ذهبت إل قائد الثورة محمد نجيب، وكانت إجابته مثل سعد زغلول: "الوقت غير مناسب الآن".


عام 1957، قررت منيرة الدخول في الانتخابات، عن دائرة الزيتون، بعدما منح جمال عبد الناصر، المرأة حقوق الانتخاب، لكنها فشلت، ثم كررت التجربة بعد ذلك في دائرة مصر الجديدة، وكتبت مقالًا وزع على الناخبين يعرض تاريخها السياسي في العشرينات، لكن لم يشفع لها ذلك، وسقطت مرة أخرى.


في الستينات، تراكمت ديون مجلة الأمل على منيرة ثابت، وعاشت وحيدة، وارسلت خطابًا لمصطفى أمين -رئيس تحرير مجلة المصور آنذاك- تشكو له من عزلتها وعدم توفر دخل ثابت، فضلا عن مرض في عينيها قد يؤدي إلى إصابتها بالعمي في أي وقت.


ونشر مصطفى أمين خطابها مع مقاله، وتعاطف معها الرئيس جمال عبد الناصر، وأمر بعلاجها على نفقة الدولة، لكن الروتين الحكومي لرجاله اوقفوا المراحل الأخيرة في رحلة علاجها، واستيقظت في إحدى الأيام لا ترى شيئًا. تبحث عن نور عينيها الغائب. إلى توفيت بعد شهرين من نكسة يونيو 1967.