التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 06:07 ص , بتوقيت القاهرة

المرأة تقول: لا لهيلاري

ربما أتجاهل أحيانا أخبار الانتخابات الأمريكية، ولكني لم أستطع أن أتغافل تصريحٍ مثيرٍ للدهشة أدلت به جلوريا ستاينم، وهي أيقونةٌ نسويةٌ شهيرةٌ، فقد أقرّت بأن أصوات النساء تذهب إلى هيلاري كلينتون بحكم الجنس، ولكنها شرعت في شرح ظاهرةٍ أعترف بأني لم أقرأ عنها من قبل أو أعلم بوجودها: تصويت النساء الأصغر سنا للمرشح بيرني ساندرز.


إنها ترى بأن ذهاب أصوات النساء الأكبر سنا لكلينتون يعود إلى أن المرأة تزداد تطرفا في معاداتها للذكورية مع تقدمها في العمر، لأنها أصلا تفقدها قوتها التي كانت تجدها في جاذبيتها الجنسية وخصوبتها، فلا مناص أمامها من التطرف لنسويتها. وهنا أدركت بأنه لو كانت كلينتون بيننا، لما صوّت لها أحدٌ من أمهاتنا وجداتنا.


إن أكثر ما تُبدع فيه مجتمعاتنا العربية هو تقليصها لقوة المرأة، ومحاربتها لنفوذها، وتجريدها من إمكاناتها، وتهميش قدراتها، ولكن الأوضاع تنقلّب قليلا مع الوقت، وتماما كما في حالة المرأة الغربية، يحدث ذلك بسبب تراجع جاذبيتها الجنسية وخصوبتها.


تفقد المرأة-والتي تكون في هذه المرحلة زوجةً وأما وربما جدةً- قيمتها كسلعةٍ جنسيةٍ قابلةٍ للمزايدة والبيع والشراء، وتدفع الكثير من الضرائب عبر جمالها وعنفوانها وطموحها وتمردها ونهمها للحياة، فيما تبرهن على صبرها وقدرتها على التحمّل ومطابقتها لمعايير الذكورية العالية.


وبعد أن تقترب من إنهاء عمرٍ من الاختبارات العسيرة، والمحكومية الشاقة، يكافئها المجتمع بأن تستمد شيئا من كمال وأفضلية الرجل، وتستعيد شطرا ضئيلا ومتأخرا من الحرية والحقوق، لتعيش ما تبقى من سنواتها تحت طائلةٍ أخف من سوء الظن والاقصاء والاحتقار والتمييز. إن المرأة تصبح مع تقدمها في السنين رجلا.. ولكن من الدرجة الثانية.


إنها ليست معادلةٌ مناقضةً تماما لما لاحظته ستاينم فحسب، ولكن من المضحك المبكي أن نظريتها التي تنطبق على المرأة لدينا هي تلك التي قد وضعتها للرجل الغربي.


لقد قالت بأن الرجل يزداد تطرفا مع الوقت لصالح ذكوريته فقط لأنه يزداد قوةً ونفوذا بسببها، أي يتحوّل إلى منافحٍ عن مكتسباته. وبينما لا أشك للحظةٍ بأن هذا هو موقف الرجل العربي أيضا، فهو أقل ما نتوقعه من المرأة العربية حين تبدأ بخريف العمر وأخيرا في جني حصاد الماراثون الطويل والمضني الذي خاضته.


أخبروني: ما الذي يمنع المرأة حينها-وهي التي أصبحت "ضيف شرفٍ" على الرجولة-أن تتخلى عن فرصتها الوحيدة في الحياة الطبيعية، وأن تفرّط في الجائزة التي تحصّلت عليها بعرق جبينها، لتقف ضد الذكورية، ومع تهوّر النسوية؟


ربما لا نود أن نثقل كاهل المراهقات واليافعات بخطابنا النسوي، ذلك الذي يدفعهن إلى ملاحظة مواطن الظلم والخلل المتوارث من حولهن، والتمحيص فيما اعتدن من عاداتٍ وتقاليدٍ ومعتقداتٍ، فهو حملٌ ثقيلٌ بلا شك، ولكن من الواضح بأن الساعة تدق هنا على عكس ما تفعل في غيرنا من بقاع الأرض.