التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 07:19 ص , بتوقيت القاهرة

المرأة المطلقة والبضاعة المستعملة

يرفض كثيرون في المجتمع المصري فكرة الارتباط بمطلقه؛ لمجرد أنها لا تتفق مع تصوراتهم الخاصة عن العلاقة المثالية. يُطلق هؤلاء على السيدة المُطلقة تعبيرات اجتماعية غريبة ومُهينة مثل (خَرْج بيوت) وهو تعبير يكاد يكون على وزن (رد سجون)، ولكننا بالطبع قد نفهم لماذا يخاف الناس من شخص سبق أن ارتكب جريمة أو كان مسجونًا ولكننا لا نفهم لماذا يخاف أو يرفض امرأة لمجرد كونها مطلقة.

لا أعرف ولا أظن أن هناك شعبًا  آخر يعتبر المُطلقة سُبة إلى درجة أن إحدى الشتائم المتداولة فيه تكون (يا ولاد المطلقة)، ومرة أخرى ليس من السهل أن تستوعب فلسفة السباب هنا  فحتى وصف شخص بأنه ابن عاهرة هو وصف مقصود منه التحقير باعتبار العمل في الدعارة أو ممارسة الجنس عمومًا مقابل المال محتقرًا، ولكن ما هو الشيء المحتقر في كون امرأة قد أصبحت مطلقة؟

السبب الذي يدفع هؤلاء إلى التعامل بهذه الطريقة هو ذاته  نتاج تصورات تنميطية، وبشكل أكثر وضوحًا فإن السبب مرتبط بالجنس، هم يعتبرون أن السيدة المطلقة بالتأكيد قد تعرّفت إلى المتعة الجنسية عبر تجاربها في فترة زواجها، وبالتالي فإنها بعد الطلاق ستسعى إلى الحصول على المتعة مجددا عبر علاقات مع رجال آخرين، وهذا يعني من وجهة نظرهم أنها منحرفة.

تمتلك هذه الرؤية إذن أكبر كم من المغالطات في نسق  واحد، فمن قال إن المطلقة قد لا تكون على العكس من ذلك تحمل رفضًا لتكرار التجربة سواء تجربة الزواج أو تجربة العلاقة مع رجل عموما؟ ومن قال ثانيًا إن التجارب الجنسية لا تبدأ الا بعد الزواج؟ ومن قال إن العلاقة بين امرأة ورجل هي جريمة يجب قمعها؟ ومن قال إن علاقة بين شخصين بالتراضي بينهما هي علاقة تعني الآخرين أو تضرهم ليصبح من حقهم وصم الآخرين بها؟ ومن قال إن وجود هذه العلاقة يعني ان  يكون هدفها الوحيد المتعة ؟

يخترع المجتمع تعبير (دايرة على حل شعرها ) ليصم به أي امرأة يتصور أنها تسعى للتمتع ببعض حقوقها كإنسانة.

الغريب أن سبب هذا الموقف هو فقط كونها سبق لها الزواج وهذا يجعلنا نسأل ولماذا إذن لا ينطبق نفس الوصف على  أي سيدة متزوجة، وحتى لو لم يقع الطلاق؟ أليست أيضاً ذات تجربة جنسية؟ بل وقد تكون تجربتها غير موفقة أو غير مبهجة أو غير مثيرة لها؟ فلماذا إذن نفترض للمطلقة دون غيرها صورة امرأة منفلتة تجري وراء شهواتها (بافتراض أن سعي الإنسان لسعادته دون الإضرار بغيره هو انفلات)؟ بإمكانك تصور الذهنية التي أنتجت هذا  السبب أن المتزوجة (فيه راجل في البيت بيشكمها) مهما كان شكل علاقتهما معا، وأنها تستطيع أن ترضي المجتمع إذا تعددت علاقاتها  السرية وهي مستمرة في علاقتها الزوجية، بينما لن ترضيه إذا اختارت لنفسها أن تنهي علاقة الزواج قبل أن تفكر أو لا تفكر في إقامة علاقة جديدة.

المجتمع إذن يجرمها على أنها كانت شجاعة وواضحة بالأساس إذا كانت هي من أصرت على الطلاق أو يعاقبها أصلا لأن شخصا قرر إنهاء علاقته بها لأي سبب  ولو لمجرد أنه استيقظ  ذات يوم ليقرر إنهاء علاقته به.

بل تعال لنسأل سؤالاً آخر لماذا لا ينظر المجتمع نفس النظرة للأرملة مع أنها في نفس الظروف؟ صحيح أن النظرة للأرملة هي نظرة بائسة أيضا في مجتمعنا، ولكنها أقل حدة بكثير مما ينفي مرة أخرى  فكرة أن سبب هذه النظرة هي هلاوس كونها امرأة ذات تجربة، الفكرة إذن كلها تتمحور في نقطة واحدة أنها إما تم تركها (إذن فهي معيوبة إذ لا يمكن أن نتصور أبدا أي سبب آخر) أو أنها هي من تركت (إذن فهي قوية ومفترية، مش عاوزة تعيش، ما بتعمرش في بيوت، قادرة ومش منكسرة) إلخ.

وتعال لنسأل سؤالا ثالثًا ماذا إذا  تزوجت فورا بعد طلاقها؟ ألن يتحول الهجوم إلى نظرية أخرى مفادها التلميح بكونها كانت على علاقة بزوجها الثاني من قبل، وإلا فلماذا تسارع بالزواج؟

بل وخذ السؤال الرابع وهب أنها تتزوج وتنفصل بشكل متكرر لأي سبب فهل سيتم معاملتها بنفس الطريقة التي يعامل بها الرجل المزواج؟ مع ملاحظة أن هذا المزواج قد يكون أيضا متزوجا من أكثر من زوجة في وقتٍ واحد، كل هذا لا يضايق المجتمع ولو تزوج عشرين امرأة (فالراجل مايعيبوش غير جيبه)، أما هي فلو تزوجت ثلاث أو أربع مرات فهذا يعني أنها مرة أخرى امرأة شهوانية ولا تصلح كزوجة، ويكفي موقف المجتمع الغريب من أي امرأة تتزوج في سن متقدم سواء تزوجت ممن يصغرها أو ممن يماثلها أو يكبرها في العمر ففي جميع الأحوال ستتعرض لهجوم ساحق لمجرد أنها تريد الاستمتاع بحياتها العاطفية وبوجود إنسان في حياتها، وتبدأ الوقاحات تنهال عليها ( اللي في سنك بيبقى بيجهز لآخرته، عيب هتضري بناتك ومش هيتجوزوا،  اللي تتجوز في السن ده الناس يقولوا عليها إيه)الخ مع أن الرجل المزواج ومتعدد الزوجات والمتزوج ممن تصغره، بل وأحيانا المتزوج من طفلة لا يثير استغراب هؤلاء.

ليست المشكلة إذن مشكلة زواج أو ترمل أو طلاق ولا مشكلة تجربة، المشكلة في مبدأها ومنتهاها هو تصور المرأة في دور البلهاء التي لا تعرف شيئا عن الحياة ولا عن الجنس وخبراتها معدومة وربما تغرق في "شبر مية" إذا نزلت لتشتري من البقال (وهي صورة يتم تمجيدها باعتبارها براءة وأدب رغم كونها موروثة من عصور الحريم)، وربما أيضا دور التابعة التي انتقلت من والدها أو أخيها إلى زوجها، وبالتالي فتحولها إلى الاستقلال هو أمر مزعج وعودتها اليهم مع كلام الناس هو أمر أكثر إزعاجًا.

دعنا نتجاوز هذا كله ونناقش هل يمكن لرجل أعزب أن يسعي للزواج من مطلقة؟ والإجابة أن المجتمع يحارب هذه الفكرة بشراسة ويستميت في ذلك مقدما تبريرات سخيفة، بل أن غالبية الرجال ترفض الفكرة من المبدأ لأسباب هزلية:

مثلا سبب يقول أريد أن أكون الرجل الأول في حياتها، وهذا يطرح سؤالا إذا كان فعلا يحبها فهل يغار عليها من رجل انتهت علاقتها به، أي هل يغار من الأدنى وهو أفضل عندها؟ أم أن السبب في أعماقه يعود إلى هواجسه الجنسية وخوفه من المقارنة برجل آخر بالذات في العلاقة الجنسية حتى لو كانت المقارنة غير معلنة؟ أنه إذن يفقد صفته الطبيعية كذكر متباهٍ بنفسه وبقدراته التي يزعم كونها خارقة دائمة؛ نتيجة شعوره في قرارة نفسه أنه قد يتعرض في عقلها لمقارنة، ويرجع ذلك لتصوره الساذج عن نظرة المرأة لمن تحب، وهو تصور مشوه ناتج عن اعتياده الخطابات المنغلقة والمريضة والمتشددة من جهة واعتياده مشاهدة الأفلام الجنسية من جهة أخرى، فتصبح صورة المرأة في خياله هي صورة مشوهة لأنه لا يفهم مشاعر المرأة مع من تحب.

وسبب آخر أنه قد يقول أريدها تتمتع بالسذاجة في الأمور الجنسية، لكي نستمتع معا، والحقيقة أن هذه إجابة كاذبة، فبالتأكيد أن المجرب أكثر قدرة على إمتاع نفسه وامتاع شريكه من غير المجرب عموما، وهذا يحيلك مرة أخرى للسبب الأول.

والسبب الثالث هو أنه يقول إن نظرة المجتمع له ستكون أنه لم يجد آنسة تقبل به وأنه لا بد أن يثبت ( أن أحسن واحدة في البلد تتمناه).

السؤال هو لماذا إذن أحسن واحدة في البلد آنسة بالضرورة؟ لأن المجتمع يعتبر أن المطلقة هي شيء تم استعماله من قبل، على نفس طريقة (المصاصة المكشوفة)، و(الطبق اللي حد أكل منه) (الزير اللي شرب منه غيري) و(مرتجع) التي تكشف صورة المرأة الحقيقية في المجتمع وهي ما تلخص كل كلامنا السابق.

سبب كل هذا إذن ليس سوى نظرة المجتمع الذي يرى المرأة عموما آلة أو أداة جنسية وظيفتها إمتاع الرجل، وبالتالي فإن كونها تزوجت يعني أنها مستعملة، وبالتالي فعليك أن (تشتري الجديد ما دمت قادرا على ثمنه)

ولهذا إذن فإن نفس المجتمع المدعي الكاذب هو من يلاحق المرأة المطلقة في كل مكان محاولا الاستفادة منها جنسيا، فيتحرش بها جيرانها أحيانا وزملاؤها في العمل وربما مديريها لأنهم جميعا يتصورونها صيدا سهلا. ليست المشكلة هنا إلا انهم مقرفون، فمرة أخرى لو ارتضي كل طرف علاقة من هذا النوع فهذا يخصهم، لكن التحرش بامرأة باستمرار والضغط عليها وابتزازها  هو تصرف متكرر في مجتمعنا بسبب نفس نظريات المرأة المستعملة.

خلاصة القول المرأة  المطلقة ليست بضاعة مستعملة ولا مرتجع ولكنكم أنتم من تم استعمال عقولكم كمراحيض لمدة طويلة لتستقبلوا كل أشكال العفن الفكري حتي أصبحت رائحة أفكاركم لا تطاق.

للتواصل مع الكاتب.