التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 03:03 م , بتوقيت القاهرة

"الفيل الأزرق" خطوة سينمائية على الطريق الصحيح

كتب- حاتم منصور:

هاوي الروايات المتأمل جيدا لأعمال الأديب أحمد مراد، يدرك أن الكاتب ينتمي في الحقيقة إلى عالم السينما أكثر من عالم الرواية العربية، وهو ما يتضح في العديد من العناصر، أولها اختياره أجواء الجريمة البوليسية الممزوجة بالخوارق والغرائب، وهي أجواء غريبة نسبيا عن الرواية العربية، وأساسية ومعتادة في عالم الرواية والسينما الغربية، وثانيها اللغة البسيطة والمرنة المستخدمة، التي لا يمانع أحيانا إقحام جمل بالإنجليزية أو حوارات باللغة المصرية فيها، وثالثها الحرص المتكرر على كتابة تفاصيل ووصف دقيق، وكأنه تلقائيا يحاول أن يترجم كادر سينمائي ما يدور في ذهنه، إلى سيناريو حتى لو كان التصنيف الدقيق للمنتج النهائي "رواية".

إذا أضفت إلى ما سبق حقيقة أنه في الأصل خريج قسم تصوير بالمعهد العالي للسينما، وأنه مارس التصوير محترفا لسنوات طويلة، قبل أولى محاولاته الأدبية "فيرتيجو"، ستتأكد أن أحمد مراد في الحقيقة، روائي سيناريست الأصل والأسلوب، حتى لو كان أول أفلامه كسيناريست يتم عرضه حاليا بعد ظهور ونجاح 4 روايات له في الأسواق. وتمثل العناصر السابق ذكرها، حجر أساس رئيسي في نجاح رواياته فى انتزاع اهتمام نسبة كبيرة من الجمهور، الغير مدمن عادة لقراءة الروايات.

في الفيل الأزرق، يحافظ أحمد مراد، كسيناريست على أغلب الخطوط والتفاصيل الأصلية للرواية، مع بعض التعديلات الطفيفة من وقت لآخر، وفي الأجزاء الأولى بالفيلم، وضع بذرة جيدة لأغلب الشخصيات المحورية، ساعدت على جذب المتفرج، ورغم أن الثلث الأخير، يعاني أحيانا من تخبط وتشتت في سير الأحداث، وهو عنصر ورثه الفيلم عن الرواية الأصلية، إلا أنه نجح إجمالا في كتابة سيناريو سريع متدفق خاطف، يجذب انتباة وتركيز المشاهد على مدار أكثر من ساعتين، وابتعد عن المط والتطويل والعيوب المعتادة في التجارب الأولى. احتوت بعض الحوارات على عنصر افتعال، لكن أغلبها كان جيد ومنسجم مع تركيبة وخلفية الشخصيات، ومترابط ومنطقي مع سير الأحداث، وهو اختبار كان من السهل جدا السقوط فيه، مع طبيعة أحداث الفيلم الغريبة إلى حد كبير عن الثقافة والمتفرج المصري. 

مروان حامد مخرج اشتهر منذ تجاربه الأولى بقدرته على تقديم صورة متقنة ومتميزة، مقارنة بالمتوسط العام المعتاد في السينما المصرية، ولهذا السبب كان من المتوقع أن يحافظ على هذه السمعة في الفيلم، مع عنصر سلبي محتمل، وهو الاستسلام لإغراء الرواية وأجواءها الغريبة، في تقديم لقطات عديدة بشكل مبهر متكرر، بداع أو بدون. الشيء الجيد أن مراون حامد لم يسقط في الاختبار، وابتعد عن التصنع والافتعال والمراهقة الإخراجية، وجاءت أغلب المشاهد من هذا النوع لخدمة الفيلم، وليس لمجرد الاستعراض. يوجد أيضا قدر كبير من الجودة والتناغم في المونتاج، حتى في الأجزاء التي تحتوي على تقطيع سريع، الخاصة بمشاهد الهلاوس والأحلام، والتي تقدمها السينما المصرية عادة بشكل خشن وجاف ومبتذل.


يستحق التحية أيضا فريق التصوير والمؤثرات البصرية، الذين ساهموا في خروج العديد من المشاهد بشكل أفضل من المتوقع عادة من السينما المصرية. لازلنا طبعا أبعد ما نكون عما تقدمه هوليوود مثلا في التلاعب بالصورة، لكن إجمالا توجد لمسة إتقان مقنعة هذه المرة. ونجح هشام نزيه في صياغة موسيقى تصويرية، تناسب الروح الغريبة والجديدة نسبيا للفيلم.

اقرأ أيضا.. "الحرب العالمية التالتة" سينما تحترم التسلية

رمانة الميزان للنجاح هي بكل تأكيد الشخصية الرئيسية، وإلى حد كبير يمكن اعتبار أداء كريم عبد العزيز في الفيلم، هو الأفضل على الإطلاق في مشواره الفني. يمكنك سابقا ملاحظة قدر من التصنع في أدائه بأفلام الأكشن التي قدمها، أو قدر من المبالغة في بعض أفلام الكوميديا الرومانسية السابقة له، لكن أداؤه هذه المرة، ليس أداء لشخصية كارتونية موجودة لخدمة نجومية كريم عبد العزيز، بل أداء ممثل نضج إلى حد ما عن سنوات المراهقة الفنية، واجتهد لخدمة الدور. 



أداء خالد الصاوي كان جيدا، وابتعد أغلب الوقت عن فخ الافتعال الذي قدمه سابقا في أدوار مماثلة، أما نيللي كريم فأدائها مناسب جدا للشخصية ومنطبق معها، لكن إجمالا ما نشاهده في النهاية، هو نيللى كريم فى دور "الفراشة الرقيقة نيللى كريم"، وهو دور شاهدناه مرارا وتكرارا من قبل بكل تفاصيله.

وينال عن جدارة لقب الأسوأ في عناصر التمثيل، والفيلم ككل، ربما الفنانة لبلبة التي تضغط بافتعال وتصنع لرسم شخصية جدية حادة، للدكتورة صفاء، مديرة البطل، وكأنها تريد أن تنفي عن نفسها في كل حرف وكلمة تنطقها، شهرتها كنجمة كوميديا بالأساس، لكنها تنتهي في الحقيقة بمشاهد سيئة ومفتعلة جدا، ومن حسن حظ الفيلم أن مشاهدها فيه معدودة، وعلى العكس منها جاء أداء دارين حداد لدور "مايا"، وشيرين رضا لدور "ديجا"، أكثر جودة وانسجام مع سيناريو الفيلم، وتوقعات جمهور الرواية المسبق عن الشخصيات شكلا وسلوكا.

 بصفة عامة، سيجد جمهور الرواية الفيلم مخلصا إلى حد كبير للنص الأصلي، مع بعض التغييرات خصوصا في الثلث الأخير، أما جمهور السينما الذي لم يقرأ الرواية، فمن المرجح أنه أكثر قابلية للاستمتاع، بسبب عدم معرفته بمسار الأحداث، وغياب عنصر التوقعات أو المقارنات عن ذهنه. 

مرحبا بأحمد مراد في موطنه الأصلي أو "السينما".

باختصار
أغلب عناصر الفيلم جيدة، قليل منها سيء، بعضها أكثر من جيد، لكن المهم إجمالا أن الفيلم نجح في صناعة حبكة قصة جريمة بوليسية ذات طابع غربي متأصل في ذهن المُشاهد، في قالب مصري الشخصيات، وجذب جمهور لا يتقبل هذا العرض عادة، على مدار أكثر من ساعتين. نجاح الفيلم في هذه المهمة، يفتح الباب لمحاولات أخرى، ويخلق جمهورا جديدا، لا يشعر باغتراب مع هذا النوع من السينما والأفكار. الفيلم بكل تأكيد خطوة للأمام إذا قورن بالسائد في السينما المصرية، وعمل يستحق الإشادة.

 

إعلان الفيلم