التوقيت الجمعة، 10 مايو 2024
التوقيت 09:04 م , بتوقيت القاهرة

العسيري لـ"دوت مصر": السيسي ضمانة البرنامج النووي


كتب- محمود صلاح الدين:

ضغوط خارجية وعدم وجود إرادة سياسية ومصالح رجال الأعمال، عوامل أساسية يعتبرها الدكتور إبراهيم العسيري كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا، والمتحدث الرسمي باسم هيئة المحطات النووية، أسبابا رئيسية في تأخر تنفيذ البرنامج النووي المصري لتوليد الكهرباء الذي يمثل حلما خاصا من أجل الأجيال القادمة.

في مكتبه بهيئة المحطات النووية، يجلس الدكتور العسيري بين أوراق وملفات يحتوي بعضها على متابعات لكل ما يكتب في الصحف والمواقع الإلكترونية عن المشروع، وتغطي الحوائط صور خاصة بالمحطات النووية والمشروع النووي المصري، وهناك كان لـ"دوت مصر" معه هذا الحوار..

لماذا تأخرت مصر فى تنفيذ محطات نووية لتوليد الكهرباء ؟

تأخر مصر كان نتيجة ضغوط خارجية تمنع امتلاك أي دولة بمنطقة الشرق الأوسط التكنولوجيا النووية حتى للاستخدامات السلمية، لتظل إسرائيل وحدها تحظى بهذه الميزة، ومن بين أسباب التأخر أيضاً أن مصالح رجال الأعمال كانت تدفعهم إلى إنشاء مشروعات سياحية على الأراضي التي كان يقع عليها الاختيار على ساحل البحر المتوسط من أجل التبريد، وأخيرا غياب الإرادة السياسية، التي كانت موجودة عند تنفيذ مشروع السد العالي، فعندما رفضت أمريكا والبنك الدولي تمويل المشروع عرضت روسيا دفع تكاليفه وتم تنفيذه بالفعل.

ما هي المواقع السابقة التي خصصت لبناء محطات نووية؟

في الستينات تم تخصيص قطعة أرض بمنطقة برج العرب، ولكن وجهت انتقادات للموقع لقربه من الإسكندرية، ليتم تخصيص موقع آخر في منطقة سيدي كرير ووجهت له نفس الانتقادات، إلى أن تم تخصيص موقع الضبعة الذي يبعد بنحو 150 كيلومترا غرب الإسكندرية، والمشروع لا يضر بالسياحة ولكن يشجعها.

كيف يشجع المشروع النووي السياحة؟

عند تنفيذ السد العالي كان طلاب المدارس والجامعات يزورون الموقع، وذلك سيحدث عند بدء المشروع النووي من قبل الطلاب والعرب الموجودين في مصر.

ما الذي يؤخر طرح مناقصة تنفيذ المشروع؟

بعد تخلي أهالي الضبعة عن الاستيلاء على أرض المشروع إعلاء لمصلحة الوطن، يجري الآن إعادة البنية التحتية وبناء المعامل ومساكن العاملين من جانب القوات المسلحة، وننتظر صدور قرار طرح مواصفات مناقصة تنفيذ المحطة النووية الأولى من المجلس الأعلى للطاقة، أوالمجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، أو وزير الكهرباء أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، لأنه لا بد من قرار سياسي لبدء المشروع حيث إن هيئة المحطات النووية لا يمكن أن تطرح المشروع منفردة. وتم وضع كراسة المواصفات بالتعاون مع مكتب استشاري عالمي.

تكرار انقطاع الكهرباء هل يثبت أنه لا بديل عن الطاقة النووية؟

بالتأكيد، فمصر تستورد الغاز والمازوت، ونستخدم جميع مساقط المياه لتوليد الكهرباء في ظل عدم التكهن بنتائج سد إثيوبيا، ولا يوجد مصدر آخر لتوليد الكهرباء غير الطاقة النووية لتوفير 3 آلاف ميجا وات سنويا.

وإستراتيجية إنتاج الكهرباء في مصر تستلزم الاعتماد المتزايد على الطاقة النووية، مدعومة بالتوسع في الطاقة المتجددة، وتأجيل تنفيذ تلك الإستراتيجية يؤدي إلى خسائر فادحة مادية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية.

وأشير هنا إلى أن الرئيس الأسبق مبارك أوقف المشروع النووي في أعقاب حادثة تشيرنوبل عام 1986 بحجة الحادث النووي، ولكنني أعتقد أن ذلك كان استجابة لضغوط خارجية بعد أن كان جاهزا وفي انتظار التوقيع مع الشركة التى فازت بعطاء تنفيذه، وهذا التوقف لمدة ثلاثين عاما نتج عنه خسارة لا تقل عن 200 مليار دولار، بخلاف تكلفة تصاعد أسعار المحطات النووية، وما فقدناه من كوادر تلقفتها الدول الغربية، وما فقدناه من تنمية تكنولوجية واجتماعية واقتصادية شاملة، وإذا كانت الأولوية الآن لتنمية إقليم قناة السويس فإن الطاقة أمر ضروري للمشروع وتوفيرها مطلب أساسي لنجاحه.

وماذا عن استخدام الفحم في توليد الكهرباء؟

الفحم له أضرار صحية ومنطقة الشرق الأوسط لا يوجد بها فحم، ولذلك سنضطر إلى استيراده من الصين أو الهند أو أمريكا أو أستراليا، وتنفيذ محطة واحدة لإنتاج 1000 ميجاوات تحتاج من 2 إلى 3 ملايين طن فحم يجب تخصيص وإنشاء موانئ لها، وتحتاج المحطة إلى مخزون إستراتيجي من الفحم لحالات الطوارئ، وبعض الدول توفر جبالا من الفحم بجوار المحطات وفي حالة هبوب عاصفة ترابية ستؤدي إلى تلوث كبير، وحتى الصين التي تعد أكبر مصدر للفحم على مستوى العالم تنفذ 28 محطة نووية جديدة حاليا، كما أن أمريكا أكبر دولة لديها احتياط فحم، تمتلك 100 محطة نووية وتنفذ 4 محطات جديدة، فكيف تستورد مصر الفحم ولا تنفذ محطة نووية؟

وفي الثمانينات عرضت الولايات المتحدة على مصر توفير الفحم مقابل عدم بناء محطة نووية وهو ما رفضته مصر، وهناك حملة عالمية غربية تعمل على منع مصر من بناء محطة نووية، ولو لم تكن هناك إرداة سياسية قوية لن ينفذ المشروع مثلما حدث 3 محاولات على مدار 35 عاما مضت.

هل فتح موضوع استيراد الفحم الآن جزء من الحملة الغربية التي ذكرتها؟

قد يكون جزءا من الحملة ويمكن بدلا من استيراد الفحم استيراد الغاز لأنه سهل النقل ولا يحتاج إلى موانئ مخصصة له.

كم تبلغ مدة تنفيذ المشروع؟

نحو 5 سنوات منذ وضع الخرسانة للمحطة الأولى، بقدرة تتراوح من 900 إلى 1650 ميجاوات حسب المواصفات، لأن جميع الشركات العالمية التي تنفذ تلك المشروعات تختلف من حيث القدرة.

في خلال تلك الفترة هل تصبح الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح البديل المناسب؟

الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليست بديلا للطاقة النووية بل مكملة لها، ولا يمكن تغطية الحمل الأساسي من الكهرباء للنهضة الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية والتنمية الصناعية دون الطاقة النووية، في حين أن تكلفة الكيلوواط/ساعة من الطاقة الشمسية يساوي 5 مرات تكلفته من الطاقة النووية، و3 مرات من طاقة الرياح، ولا توجد دولة في العالم تعتمد على الطاقة المتجددة في الحمل الأساسي، ولا بد من الاعتماد على الفحم أو الغاز أو البترول أو مساقط مائية أو طاقة نووية.

ويمكن استخدام الطاقة الشمسية في إنارة قرية بالصحراء الغربية بعيدة عن الشبكة القومية للكهرباء لتوفير تكلفة مد خطوط إليها، وكذلك يمكن إنارة الشوارع والمباني الحكومية وهو ما تم تطبيقه في مبانى وزارة الكهرباء.

(تحرك الدكتور العسيرى إلى النافذة القريبة من مكتبه لعرض تجربة الطاقة الشمسية في مباني وزارة الكهرباء).

وماذا عن تأثير الطاقة النووية على البيئة؟

الطاقة النووية أكثر حرصا على البيئة من الطاقة الشمسية، التي تصنع خلاياها من 50 مادة سامة، ما يؤدى إلى خطورة بعد ذلك عند التخلص منها، ويبلغ معدل تلوث الفحم 1069 درجة والطاقة الشمسية 85 درجة وطاقة الرياح 26 والطاقة النووية 28 درجة.

هل يوجد التمويل الكافي لبدء المشروع النووي؟

كراسة المواصفات والشروط اشترطت على الشركات المتنافسة، توفير عروض تمويلية لتغطية تكاليف 85 % من المكون الأجنبي لثمانية محطات و15 % من المكون المحلي، وتسدد القروض بعد تشغيل المحطة بفترة سماح، من خلال ما توفره المحطة النووية في تكلفة الوقود عن الغاز الطبيعي والبترول.

كم يوفر المشروع من عائد؟

لا يكلف المشروع الدولة أية أعباء مالية لأنه مشروع استثماري تسدد تكلفته من الوفر بعد ذلك، ولا توجد مشكلة في التمويل، والمحطة الواحدة توفر مليار دولار سنويا، ليصبح الوفر بعد ذلك 8 مليارات دولار بتنفيذ 8 محطات وتأخير المشروع سنة واحدة يسبب خسائر كبيرة.

كيف ترى تأثير تغير الوضع السياسي على المشروع؟

قبل ثورة 30 يونيه عقدت اجتماعات مكثفة مع المجالس النيابية والرئيس السابق محمد مرسي ولم ينفذ شيئا، ولكن تنفيذ المحطة مع المشير عبد الفتاح السيسي الفائز فى الانتخابات الرئاسية أمر مؤكد، في حين أن حمدين صباحي ضد الطاقة النووية وذلك بحديث مباشر معه قال فيه إنه ضد الطاقة النووية وأي محافظة تحتاج طاقة يتم عمل محطة طاقة شمسية لها، وقلت له "عندما تتكلم فى السياسة أستمع إليك وعندما أتحدث في تخصصي تنصت لي" وكان ذلك في مؤتمر دعيت إليه للحديث عن الطاقة النووية عندما كان مرشحا في الانتخابات الماضية.

هل نعاني من عدم وجود كوادر للمشروع؟

مصر لديها الكوادر والخبرات وبدأت برنامجها النووي في الستينات بمفاعل أنشاص، في حين أن الإمارات لديها محطتان نوويتان تحت الإنشاء وليس لديها الكوادر، ومصر لديها برامج تدريب مستمرة في هذا المجال، وكراسة الشروط نصت على تدريب المصريين لأن التشغيل والصيانة سيكون مصري بنسبة 100 %.

هل هناك دول أخرى انضمت إلى الدول الست المتقدمة بعروض للتنفيذ؟

لا لم تتقدم سوى كوريا الجنوبية وروسيا والصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

كيف ترى سباق الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية؟

دول كثيرة في المنطقة دخلت السباق والمملكة العربية السعودية رصدت 100 مليار دولار لعمل 16 محطة نووية، والإمارات لديها محطتان متوقع الانتهاء منهما خلال سنتين تنفذها كوريا الجنوبية، وهي متعاقدة على 4 محطات أخرى وتعتزم تنفيذ 4 محطات لاحقا وتعداد سكانها 4 ملايين، في حين أن إيران لديها محطة تعمل وتعتزم تنفيذ محطة أخرى، وأعلنت أن المحطة الحالية توفر ملياري دولار سنويا، وذلك على الرغم من وجود غاز وبترول لدى تلك الدول، كما أن الأردن تعاقدت مع روسيا على تنفيذ محطة نووية، ولا بد لمصر أن تلحق وبقوة بهذا السباق.

وأغلب دول العالم تركز على المحطات النووية لتوليد الكهرباء وتساهم الطاقة النووية بنحو 80 % من إجمالى إنتاج الكهرباء في فرنسا، والسويد التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة بها 10 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، وفنلندا بها 4 مفاعلات نووية وعدد سكانها 5 ملايين نسمة، وكل دولة تأخذ قرارها طبقا لمعطياتها المحلية وليست طبقاً لمعطيات دول أخرى.

وماذا عن إسرائيل؟

إسرائيل ليس لديها محطات نووية لتوليد الكهرباء لأنها غير موقعة على الاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووي، وبالتالي لا يمكن للدول التي لديها التكنولوجيا تنفيذ محطات نووية لإنتاج الكهرباء بها، وحاولت تخصيص منطقة حرة في وقت سابق لتنفيذ محطة وباءت بالفشل، ومفاعل ديمونة أغراضه عسكرية ولديها مفاعلان آخران أصغر منه.