التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 08:02 ص , بتوقيت القاهرة

الدولة كل ما تتزنق: هاتوا الجنزوري

كتب- محمود الشيخ:

"إذا كان العلم ضرورة، فإن التخصص الدقيق، يصبح أدعى أوجه الضرورات فيه، وحينما يقترن العلم بالتخطيط، لاسيما في إدارة الوطن، فإن مراتب النجاح والرضا الشعبي هما الربح المتوقع للقائد الإداري أو التنفيذي أو السياسي" بهذه الكلمات بدأ رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري، كتاب مذكراته "سنوات الحلم والصدام والعزلة".

امتدت تجربة الدكتور كمال الجنزوري العملية، لأكثر من أربعة عقود، بدأها بالسلم الوظيفي، ليتدرج إلى سلسلة من الوظائف المسؤولة، وعاصر أربعة رؤساء وعمل مع اثنين منهم في الجمهورية الأولى، هما الرئيس الأسبق محمد أنور السادات والأسبق محمد حسني مبارك، قبل أن يكلف برئاسة حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية الثانية، بقيادة الرئيس الأسبق محمد مرسي، والسؤال هنا، من هذا الرجل الذي تجتمع عليه اختيارات الرؤساء؟ وماذا يمتلك هذا الرجل من خبرات تدفع الدولة لاسترجاعه من حين لآخر؟ لعل الإجابة تكمن في السطور القادمة..

عين الرئيس الراحل أنور السادات، الجنزوري، محافظا لمدينتي الوادي الجديد وبني سويف عامي 1976 و1977 على التوالي، وسرعان ما تبوأ مناصب مهمة طيلة 17 عاما من عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بدأت بمناصب وزارية حيث شغل وزارة التخطيط عام 1982، ثم عُين نائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي عام 1986، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء من 4 يناير 1996، خلفا لرئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي.

وكان اقتصاديا ناجحا، لذا لقب بـ"وزير الفقراء"، فبدأ الجنزوري عمله كرئيس للوزراء بالمصالحة مع الشعب المصري، والارتفاع بمستوى المعيشة والدخول، بشكل يختلف كليا عما كان يجري من قبل، فأعلنت الحكومة أن لا ضرائب ولا رسوم جديدة أو زيادة فئاتها، خلال السنوات التي تليها، وتم إلغاء كل الرسوم التي فرضت دون سند قانوني، إعمالا بأنه لا رسم ولا ضريبة إلا بقانون.

وبدأ الجنزوري في عهد مبارك جملة من المشروعات العملاقة بهدف تسيير عجلة الإنتاج والزراعة، والتوسع بعيدا عن مناطق وادي النيل المزدحمة، من ضمنها مشروع مفيض توشكى، الذي يقع في أقصى جنوب مصر، وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس، بالإضافة إلى الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة والمنيب، للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى.

كما أقر مجموعة من القوانين والخطوات الجريئة من بينها قانون الاستئجار الجديد محدود المدة، وساهم في تحسين علاقة مصر بصندوق النقد الدولي، وكذلك بالبنك الدولي.

رجل بكل هذا العمل الجيد والمشروعات التنموية لماذا أقبل الرئيس الأسبق حسني مبارك على إقالته من منصبة؟

الجنزوري والخصخصة

بشأن الخصخصة، قال الجنزوري في مذكراته "كانت هناك محاولة للتحرك في موضوع الخصخصة، والتحرك هنا ليس المقصود به الإسراع في بيع شركات القطاع العام، ولكن التحرك بقدر من العقلانية، فهناك قطاعات حاكمة وضرورية مثل البنوك والإسمنت والحديد والأدوية والأسمدة والمطاحن، قررنا أن تبقى في نطاق الملكية العامة كاملة أو بنسبة عالية من رأس المال".

وتابع: "في خلال السنوات من 1991 ــ 1993، عندما كان الدكتور عاطف صدقي رئيسا للوزراء ووزيرا لقطاع الأعمال، كانت الشركات التي تم خصخصتها، 3 شركات هي "الكوكاكولا"، و"البيبسى كولا"، و"المراجل البخارية"، ثم زاد معدل الخصخصة والتركيز على البيع خلال السنوات التالية 1993 ــ 1995 عندما تولى الدكتور عاطف عبيد، منصب وزير قطاع الأعمال، ومنذ تولى الجنزوري رئاسة الوزراء، استمر عبيد، وزيرا لقطاع الأعمال، وتحركت الخصخصة لأنشطة مختلفة بشكل يعطي رسالة للقطاع الخاص داخليا وخارجيا والمنظمات المالية الدولية، بأن مصر مقبلة على تحرر اقتصادي".

فيما اتهم البعض الجنزوري، بأنه كان سببا رئيسيا فى إدخال نظام الخصخصة إلى مصر، والتي تسببت فى ضياع العشرات من المشروعات الإستراتيجية على مصر بسبب فساد القائمين عليها، وذكرت دراسة بعنوان "الجنزوري والخصخصة" تابعة للمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن فترة توليه الحكومة، تعد من أشرس الفترات التي شهدت عمليات تصفية وخصخصة، وبيع شركات كاملة وأصول إنتاجية وأراضي تمتلكها الدولة، وبحسب الدراسة فإن الفترة من 1996- 1999 تجد أن الجنزورى قام ببيع وخصخصة حوالي 115 شركة من شركات القطاع العام.

11 عاما بين الإقالة والظهور من جديد

أقيل الجنزوري في 5 أكتوبر عام 1999، لعل السبب هو بزوغ نجمه في فترة تولية الوزارة، وبحسب مذكراته قال "أهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتي خطر عليه"، واعتزل الجنزوري العمل السياسي بعد خروجه من رئاسة الوزراء، وغاب عن الأنظار لأكثر من 11 عاما، وأظهرته ثورة يناير مع انهيار نظام مبارك، الذي اضطره للابتعاد عن الحياة السياسية، وضيق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة.

وعاد "وزير الفقراء" من جديد للحياة السياسية، إذ رشحه المجلس العسكري بعد توليه زمام الأمور عقب "25 يناير"، لرئاسة الوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة انقاذ وطني، بالصلاحيات كافة، ولكن ما الذي رشحه ليتولى هذا المنصب بعد 11 عاما من العزلة؟

وكانت أهم أولويات حكومة الجنزوري، الإشراف على الانتخابات البرلمانية، التي نظمت على عدة مراحل لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى، ورأى مراقبون أن خبرته الاقتصادية كانت من أهم أسباب استعانة المجلس العسكري به، والتي ساهمت بالفعل في إيجاد حلول عاجلة لمشكلات الاقتصاد المصري، فيما يعتقد خبراء أنه حقق نجاحا كبيرا في توثيق التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي، في فترة كانت عصيبة بالنسبة للاقتصاد المصري.

وبعد تسلم الرئيس الأسبق محمد مرسي السلطة من المجلس العسكري، كلف الجنزوري، وحكومته بالاستمرار في مهامهما لتسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل حكومة جديدة، وبذلك يكون الجنزوري عاصر حكومات مختلفة، وفكر مختلف، لعل ما ساعده في ذلك هو المرونة والخبرة الاقتصادية التي يملكها، ليتوازي ذلك مع ما قاله في مقدمة مذكراته "لا إنجاز بغير علم، ولا تطور بغير تخطيط، وإدراك ظروف العصر، وتقلبات المواقف فيه ومن حوله".