التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 09:58 م , بتوقيت القاهرة

الإشتباك الصريح

متأخرا جدا جاء رد الحكومة لتوضيح الموقف فى الأحداث الأخيرة التي شهادتها مدينة العريش والتي على إثرها تم إعادة توطين بعض العائلات المصرية بمحافظة الإسماعيلية بعد حوادث الإستهداف والقتل البشعة، وجاء تحرك عدد من وزراء الدولة بعد إجتماع بمجلس الوزراء بتكليفات من رئيس الوزراء لمتابعة الموقف وتوفير المسكن والإحتياجات الأساسية للعديد من الأسر المسيحية، أتى ذلك بعد مرور ما يزيد عن الثمانية وأربعون ساعة كاملة كانت معظم الأسر قد تم تسكينها بالفعل، وتحركت قوافل دعم وإعاشة شعبية، وفتح حساب فى البنك للتبرع لهم، ما بين جهود كنسية وجهود شعبية، وبدأ التساؤل عن دور الحكومة فيما يحدث، ولماذا لم تتحمل واجبها سواء فى تأمينهم قبل تلك الكوارث، أو فى دعمهم بعدها.


تحدثنا مرات عديدة على أن تأخر الحكومة عن الإشتباك والرد على القضايا المطروحة يفتح الباب لمزيد من الإحتقان، وتعيمق الشروخ الناجمة عن كل أزمة يعانيها المواطن المصرى بشكل عام، ولاشك أن التشابك السريع والتوضيح وطرح المعلومات في مثل هذه الأوقات هو ما يحتاجه المواطن البسيط حتى يكون صورة صريحة عما يحدث وذلك لغلق الباب أمام الإشاعات وتداول المواقع المغلوطة على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، وفى حالتنا تلك، ستعطى الصورة الواضحة عن الكوارث التى عانتها الأسر المصرية في العريش على مدار أيام عديدة من قتل وحرق دفعهم فى النهاية إلى الفرار.


يجب علينا جميعا أن نقدر قدرة المواطن البسيط البعيد عن الحدث في إدراك وتفهّم الموقف الراهن على فريق من المصريين، ومن المفترض أن تنطلق أجهزة الدولة المعنية بتشكيل الوعى فى حملة لتعزيز شعور المواطنة، وفرصة لمراجعة كافة المفاهيم التى إختلت بسبب عقود من غياب الوعي، وتشويه المعرفة الدينية، بدلا من أن تترك الحكومة الساحة للإرهابيين لتوصيل رسالة الرعب، وترهيب الآمنين، وتسريب مزيد من المفاهيم المغلوطة لمن لديهم الإستعداد لإستقبالها.


تقلصت الردود الرسمية فى بيان صدر عن الحكومة، وآخر عن المؤسسات الدينية الكنيسة والأزهر، وتضمن البيان العبارات التقليدية عن النسيج الوطنى، وما إلى ذلك، بينما كل المؤسسات المعنية بتشكيل الوعى من ثقافة وإعلام وتعليم آثرت الصمت ولم تنظم أية حملات أو أنشطة ذات قيمة لعرض حقائق الأمور على أرض الواقع والدفاع عن قيم المواطنة وإننى في حالة حرب صريحة، والحقيقة أن هذه الحالة من التواكل والضعف والإعتماد الكلي على الجهود الأمنية وهو ما يعنى أننا مازلنا ندفن رؤوسنا فى الرمال.


وعلى صعيد أخر ففي إعتقادي أن الأزمة الطائفية الكامنة لن تعالج إلا بمواجهة معرفية مفتوحة، والإعتراف أولا أن هناك قطاع من المصريين للأسف، قد تم إختراقه فكريا ومعرفيا، وتم تشويه معارفه الدينية، وتسربت له بعض الأفكار الطائفية، أو على أقل تقدير تم تهيئته لإستقبال أحداث الفتن الطائفية بطريقة سلبية، وهذه الجذور لن تعالجها بيانات رسمية تعج بالعبارات المستهلكة على طريقة " النسيج الوطني ".


أما على المستوى الرسمى والشعبى علينا فإننا علينا الإعتراف أن الإرهاب ينتقل إلى مرحلة جديدة من الحرب ضد المجتمع، ومن ثم فإنه من الضروري العمل على تعضيد كافة الجهود المبذولة أمنيا بجهود فكرية وثقافية حتى يتم تصحيح ما تشوه من مفاهيم وأفكار فى المجتمع.