التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 10:41 م , بتوقيت القاهرة

الإخوان وحقيقة الفصل بين الدعوى والسياسى

أطلق قرار حركة النهضة تحولها الى حزب سياسى، وترك النشاط الدعوى ليمارسه المجتمع المدنى وفق الضوابط الدستورية والقانونية، حالة من الجدل داخل إخوان مصر الذين لم توجه لأحد منهم دعوة لحضور المؤتمر العاشر لحركة النهضة، وبدا أن النهضة التونسية مدركة ان هؤلاء سيبقون عبأ على المستقبل وعلى حركتهم.


ظل الجدل يتصاعد حتى أطلق جمال حشمت احد المحسوبين على الجناح الإصلاحى بالجماعة، تصريحا فى مايو الماضى لوكالة أنباء الأناضول يقول فيه " تأكد عزم كل الأطراف داخل الجماعة على ضرورة فصل الجانب الحزبى التنافسى، عن الجانب الدعوى والتربوى وسيعلن هذا قريبا مشيرا إلى أن هناك سعى لمراجعات كبرى لكنها تحتاج وقت وإرادة وتقديم الشباب "هذا التصريح يطرح مجموعة من الأسئلة أولها من هى تلك الأطراف التى تأكد عزمها على الفصل ؟هل توافقت مجموعة عزت وكمال على الفصل بين الدعوى والسياسى ؟


هل يتوافق الإخوان على هدم أساس الفكرة الإخوانية التى تعتمد على الشمول والعالمية والربانية وغيرها من الخصائص ؟التى صنعت هذا التمايز الذى ظل يتعاظم حتى حول الجماعة الى طائفة دينية منبوذة من المجتمع، تحاول خداعه من جديد عبر التقية السياسية التى أدمنتها منذ نشأتها، والتى دفعتها الى التلون بلون المحيط الذى تعيش فيه على أمل الوصول للناس والتأثير فى الواقع ، متى قدمت الجماعة الشباب ؟ ومتى أجرت أى مراجعة؟


فى البداية قدمت الجماعة نفسها باعتبارها حركة إحياء دينى قيمى، لاعلاقة لها بالسياسة وحرصت على تأكيد هذا المعنى فى نظامها الأساسى، ولبست لباس حركات التصوف واعتمدت التربية والتزكية وحرصت على ذلك لعشر سنوات فقط، حتى شعرت بالقوة وامتلكت سلاح الجماهير التى أعطتها ثقتها باعتبارها حركة دعوية قيمية تستهدف إصلاح أخلاق الناس وتقديم الرعاية للمعوزين والفقراء.


وحين شعرت بقوة الجموع والأنصار إعلنت اشتغالها بالسياسة مرددة مقولات شمولية الإسلام الذى لايعترف بالفصل بين الدعوة والسياسة، مؤكدة ان دعوى الفصل تمس واحدا من أهم أسس ما يسمى بالفكرة الإسلامية، والركن الركين الذى قامت عليه الصحوة الإسلامية بأسرها منذ الأفغانى ورشيد رضا والبنا الذين أعلنوا أن الإسلام دين ودولة وعقيدة ونظام ومنهج متكامل ينتظم جميع شؤون الحياة البشرية بما فيها الشأن السياسى.


لم يكن غريبا أن يعلن حسن البنا أن الحكم معدود فى كتبنا الفقهية من الأصول وليس الفروع ،حيث التقى مع المذهب الشيعى فى اعتبار الإمامة من أصول الدين على خلاف كل مناهج أهل السنة، ومن ثم فقد أعلن أنه سيسعى لإستخلاص الحكم بكل سبيل متوسلا بالعنف مرات وبالسياسة مرات، حتى أدرك ان العنف مع الدولة سينهى الجماعة والمشروع فوصل الى مقاربته الأولى بالبقاء فى مساحة الدعوة وفقط دون إشتغال بالسياسة، لكنه كالعادة فى الكثير من أفكاره وسلوكه بدا غامضا، حيث حدد مراحل الدعوة الإخوانية فى ثلاثة مراحل فصل فى الأولى التى سماها التعريف، ثم التكوين لكنه لم يحدد ما مقصده بخصوص التنفيذ.


ومن ثم فقد مضت الجماعة وقياداتها بعد مقتله فى السعى للوصول للحكم بنفس الصيغة الشمولية التى أسس جماعته عليها، وتراوحت سياساتهم بعده بين كمون مقصود وصعود محسوب ،حتى لاحت لحظة يناير التى تصورتها الجماعة اللحظة المناسبة للقفز على الحكم ،وحينئذا كشفت وجهها الحقيقى وتصورها عن الحكم وتنكرها للشراكة الوطنية


الجماعة لاتؤمن بفصل السياسى عن الدعوى، إلا ربما على مستوى الفصل الوظيفى كمؤسسات تخضع فى النهاية لإرادة واحدة هى إرادة المرشد ومكتب الإرشاد، الذى لن تغير أو تقلص سيطرته ألف لائحة جديدة أو مراجعات ليست الجماعة مستعدة لها ولا قادرة عليها، وهى التى أدمنت الإنكار ودأبت على ترديد مقولات المحنة والتمحيص.


لامجال للحديث عن فصل أو وصل لا على المستوى المفاهيم ولا الوظائف، خلاصة القول على الجماعة أن تصدق مع نفسها ومع المجتمع، هل هى حزب سياسى أم جماعة دعوية، وحين تصل لإجابة صادقة على الدولة أن تختار مع المجتمع أى سياق سيتحمل الجماعة الدعوى أم السياسى ؟ أم أنه فات الوقت للأختيار ولم يعد لديها سوى القبول بما ستطرحه الدولة من خيارات لكن المؤكد أن الإخوان خصوصا فى مصر لن يقبلوا بفكرة الفصل الحقيقى، وإلا نسفوا أساس فكرتهم ولم يعد عليهم إلا أن يستبدلوا شعار الإسلام هو الحل بالعلمانية هى الحل.