التوقيت الخميس، 18 أبريل 2024
التوقيت 05:38 م , بتوقيت القاهرة

الأزهر يكشر عن وسطيته

لسنا بحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ، بل نحن بحاجة إلى إعادة قراءته، حتى لا نُكرر ذات الأخطاء ونحن في حالة انفصال مُريع عن الواقع.


التكرار لن يعلم الشطار- ليس كما يقول المثل المصري -  خاصة وإنْ كان تكرار الخطأ سيؤدي لنتائج كارثية. العالم الفيزيائي الألماني المولد "ألبرت أينشتاين"، كانت له مقولة شهيرة مفادها أن تعريف الجنون هو تكرار نفس التجربة ومن ثم انتظار نتائج مختلفة، لربما أن هذه المقولة هي أفضل ما يُمكن قوله عن دعاوى تجديد الخطاب الديني.


وفي هذا السياق.. لماذا تُصر الدولة على أن الأزهر وحده منفردًا هو المنوط بتجديد الخطاب الديني؟ ألا يعاني الأزهر من الأصولية في أروقته ومناهجه؟  فكيف يجدد الأزهر الخطاب الديني وهو يعاني من جمود الفكر؟ كيف ينشر الفكر الوسطي وهو يفتقد إليه في مناهجه؟  ألا تدرك الدولة أن فاقد الوسطية لا يعطيها؟


كيف نوكل للأزهر تأويل الشريعة الإسلامية وحده؟ ألا يعد هذا احتكارًا للخطاب الديني؟ وإذا كان المبرر لاحتكار الأزهر للتفسيرات الدينية يرجع إلى كونه منبرًا للوسطية كما يُشاع، فعلينا حينها اختبار هذا المفهوم. فما المقصود بالوسطية تحديدًا؟


الأزهر يكشر عن وسطيته 


نماذج التاريخ القريب والبعيد تؤكد أن  الأزهر كان يكشر عن وسطيته بين الحين والآخر،  فمن لا يذكر أن شيخ الأزهر جاد الحق، والذي جلس على مقعد المشيخة عام (1982-1996) أعلن الحرب على مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 بسبب قرار وزير الصحة المصري بتجريم ختان الإناث، وأعلن الشيخ أن ختان الإناث من شعائر الإسلام ولا يجوز لأحد أن يمنعه، فأغلق باب الاجتهاد وسانده عدد كبير من علماء و مشايخ الأزهر في موقفه. ولم يسمع  ولم يرضخ  لأية تقارير عن التشوهات الخلقية والنفسية التي تعاني منها الفتيات المختنات.   


ومن منا لا يذكر فتوى الشيخ عطية صقر أمين لجنة الفتوى بالأزهر عام 1997 حين سُئل عن دفن امرأة مسيحية تحمل طفلًا من زوج مسلم في أحشائها، فاستشهد بالإمام البهيقي، رافضًا أي تجديد في النص وتساءل الشيخ عطية صقر  ضمن فتواه قائلا:  لماذا لا يجوز شق بطنها وإخراج الجنين منه، ليدفن كلٌّ فى مقبرته؟ وذلك عند تعذر وجود مقبرة تصلح لكل الأديان، لم يكن يدري الشيخ أنه في بلاد أخرى أكثر آدمية، يُعد فتح بطن الأم المتوفاة ضرورة لإنقاذ الجنين وليس لتفريقها عنه أثناء الدفن، وبدت الفتوى وكأننا نبيح التمثيل بالجثث لمجرد ألا يدفن شخصان مختلفان في العقيدة في مكان واحد، علمًا بأن الجنين لم تتولد لديه عقيدة من أساسه بعد!


ومن منا لم يسمع ما قالته الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه بالأزهر مؤخرًا، حين طلت علينا عبر قناة الحياة؛ لتبشرنا بأن الإسلام يبيح الاستمتاع بالأسيرات جنسيًا، وهو التسجيل الذي بات فضيحة عالمية، وتناقلته وترجمته عدة مواقع إخبارية غربية، وهكذا تم تسديد لكمة أخرى لمفهوم "وسطية الأزهر"، فأي سماحة ووسطية تدعو إلى سبي النساء والاستمتاع بهن.  


 


 

سعاد صالح استاذالفقه بالأزهر:"الإسلام يبيح الإستمتاع بالأسيرات"الأزهر منبر الوسطيةوداعش لا تمثل الإسلام والمسلمين !!

‎Posted by ‎الشيخ ابو الايمان المبروك‎ on‎ 5 فبراير، 2016

 


هذه الأمثلة  لا تحصر الفتاوى المتطرفة، بقدر ما هي مقتطفات على طريقة  "من كل بستان شوكة"، هدفنا من ذكرها..  هو مجابهة  أنفسنا بأن شعار الوسطية ليس جامعا مانعًا بل شعار فضفاض، اختبأ في طياته كثير من التوجهات ذات النزعات الأصولية، وأضحى المعنى مبهمًا غير واضح عبر التاريخ.


وبالتأكيد أن هذه الفتاوى ليست من فراغ، فهي مستمدة من التراث الديني الذي أصبح مقدسًا، بل وصل التقديس والجمود إلى سجن كل من تسول له نفسه التفكير في نقد التراث، كما حدث مؤخرًا مع الباحث إسلام بحيري، فتعود بنا الكرّة مرة أخرى إلى إشكالية المناهج الأزهرية وألغامها وكيف يمكن تجديدها، بينما يظل سيف قوانين الحسبة وازدراء الأديان مرفوعًا على رقاب المجددين.


شيوخ الأزهرالمجددون


هل يعني هذا أن الأزهر خال من أي دعوات تجديد وتحديث للخطاب الديني الحقيقية؟ بالطبع  هناك شيوخ مجددون، شرعوا في صياغة تأويلات مستنيرة للخطاب الديني.. ولكن كيف قوبلت دعاوى التجديد من داخل الأزهر على مدار تاريخه؟


التاريخ يجيب عن المزيد من تساؤلاتنا، ليس لنستغرق في الماضي وإنما لنستمد دروسًا للمستقبل، نتعامل من خلالها مع ملف تجديد الخطاب الديني، ونتساءل ما الذي اختلف في فكر الأزهر عبر السنوات والعقود الماضية، ولماذا ظل جامدًا متجمدًا؟ 


هناك ثلاثة أمثلة صارخة في التاريخ على مواجهة الأزهر للمجددين من داخله، كان من أشهرها  الشيخ  علي عبدالرازق، والشيخ عبد المتعال الصعيدي والشيخ عبد الحميد بخيت، وكل منهم واجه معركة قاسية عاتية. 


الشيخ علي عبد الرازق أحدث ضجة كبيرة بكتابه "الإسلام و أصول الحكم"، حيث ذكر  خلال سطوره أن الخلافة الإسلامية ليست أصلاً من أصول الإسلام، بل هي مسألة دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، ولم يرد بيانٌ في القرآن، ولا في الأحاديث النبوية تؤكد وجوب تنصيب الخليفة أو اختياره. ذهب عبد الرازق إلى أبعد من ذلك، فقال إن التاريخ يشهد  بأن الخلافة كانت نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شرٍ وفساد.. فماذا فعل به الأزهر؟


اجتمعت هيئة كبار العلماء في 12 أغسطس 1925، وقررت نزع شهادة العالمية من الشيخ علي عبد الرازق ومحو اسمه من سجلات الجامع الأزهر وطرده من كل وظيفة لعدم أهليته للقيام بأية وظيفة دينية أو غير دينية. وعقب صدور الحكم أسرع شيخ الأزهر بالإبراق إلى الملك  فؤاد الأول شاكرًا له غيرته على الدين من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وحفظ كرامة العلم والعلماء.


الشيخ عبد المتعال الصعيدي خاض معركة عام 1937  حول إقامة  الحدود في الإسلام.


كتب الشيخ ستة مقالات في جريدة السياسية الأسبوعية، وذهب إلى أن العقوبات في الحدود  من الجلد والرجم والقطع وغيرها من العقوبات، إنما هي من قبيل الواجب المخير لا المعين (أي ليست واجبة النفاذ)، الشيخ الصعيدي لم ينف الحدود نهائيا، ولكن رأيه كان عدم  الأخذ به واجبًا معينًا،  فماذا فعل به الأزهر؟ 


شكل الأزهر  لجنة لمحاكمته وعرض عليه الشيخ محمود شلتوت التراجع عن أفكاره، ووافق الشيخ الصعيدي بعدما علم أن محضر المحاكمة تضمن توصية باستتابته كما يستتاب المرتد.


الشيخ عبد الحميد بخيت المدرس المساعد بكلية أصول الدين خرج عن النمطية المعهودة في الخطاب الديني، ونشر مقالا عام 1955، قال فيه إن إفطار رمضان مباح لمن يعوقه الصيام عن أداء واجبه أو عمله بوجه عام، وأن الناس أدرى بأعذارهم، فماذا فعل به الأزهر؟ 


أُحيل الشيخ عبد الحميد  للمحاكمة التأديبية والتي ترأسها وكيل الأزهر وتم إقصاؤه عن التدريس ونقله لوظيفة كتابية بعدما تراجع عما جاء في المقال.


الخاتمة 


أولا : 
الأزهر الذي نسند  إليه تجديد الخطاب الديني يعاني من تصدعات فكرية جعلته آيلا للسقوط في بحور التأويلات الرجعية، فهو بحاجة إلى من يساعده في عثرته الفقهية، بدلا من أن نوكل إليه مهمة ضخمة لا يقوى عليها وسط هذا الركود والتحجر والجمود.


ثانيًا: 
مفهوم الوسطية الذي نستخدمه أصبح مبهمًا،  فلا يمكن أن نصف فتوى شيخ الأزهر عام 1994 الداعمة للختان بأنها وسطية، وكيف لنا أن نصف فتوى بقر بطون الحوامل بأنها فتاوى وسطية؟ وكيف نواجه العالم بمفهوم وسطية الأزهر، بعدما دعت أستاذة جامعية أزهرية بجواز سبي النساء ؟ 


ثالثا: 
مواجهة الأزهر للمجددين من بين شيوخه  ليس تاريخًا منتهيًا بل سائدًا حتى يومنا هذا، فالأمثلة المطروحة في المقال مجرد علامات تاريخية، يجب أن نتوقف عندها لندرك أن التجديد و تطوير الخطاب لم يكن هو النمط السائد، وإنما الاستثنائي الذي هوجم كثيرا داخل أروقة الأزهر. 


رابعًا :
احتكار الأزهر للخطاب الديني وتجديده لا يحمي وسطية الدين، بقدر ما يؤسس لكهنوت صريح يشكل عثرة أمام تطوير وتحديث الخطاب.


خامسًا: 
ضرورة فتح المجال للباحثين والتنويريون الجدد في هذا المجال دون أن تتم ملاحقتهم قضائيا في محاكم مدنية؛ لنعود لزمن محاكم التفتيش والتكفير لكل من يحاول تجديد أو تنقيح التراث.  


والسؤال الأهم: لماذا نكرر الخطأ التاريخي الفادح بأن نُقصر مهمة التجديد العسيرة إلى مؤسسة دينية متعثرة في مراجعة مناهجها..؟


تابع أهم أخبار تجديد الخطاب الديني من هنا