التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 04:30 ص , بتوقيت القاهرة

الوراق

فجأة تحولنا جميعا إلى عارفين بالقانون، وبدأ بعضنا يتباحث حول الثغرات القانونية التي تمكن أهل جزيرة الوراق من الاستمرار على نفس الوضع، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الحجج والأسانيد، فهم تارة يرون أنها تستند إلى الحق في السكن، وتارة أخرى أن هناك عقود بيع ابتدائية تبايع بها المعتدون على الأراضى أرضا ليست ملكهم، وأخيرا دخول المرافق إلى جزر النيل.


للأسف الشديد، جاءت المشاهدات كافة صادمة وسط سعي البعض لاستغلال الموقف وصولا لإسقاط هيبة الدولة، حتى ولو على حساب سقوط الأبرياء بين مصاب وقتيل، يتاجر هؤلاء بالمواطن المصري البسيط من خلف مواقع التواصل الاجتماعي، لا بهدف إلا إرساء حالة عدائية بين البعض والدولة.


إننا هنا يجب أن ندرك أن مسؤولية الدولة تظل قائمة لحين تلبية احتياج المواطنين من إسكان ملائم، إسكان يحترم الإنسان.


إن مشاهدة جموع الغاضبين من قرار إزالة التعديات على أراضي الدولة ومثيري الشغب، وسقوط قتيل ومصابين منهم في إشتباكات مع الشرطة، على الرغم من أن الحملة ليست مفاجئة، كما يدّعي البعض، هو أمر كاشف لعمق أزمة المناطق العشوائية المشابهة لجزيرة الوراق، وما قامت به بعض الجماعات ومنها الجماعة الإرهابية نحو تحفيز سكان جزيرة الوراق ضد الدولة.


والمؤكد أنه تم تجاهل مناقشة الفكرة الأهم في قضية الوراق وكافة جزر النيل، والتي ستؤثر على حياة عشرات الآلاف من سكان هذه الجزر غير المخططة، والتي تشهد ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الجريمة وتجارة المخدرات والفقر ونقص الخدمات وتوطن بعض البؤر الإرهابية بها.


بكل أسف، ركضت وسائل الإعلام خلف الإثارة، وإشعال الأجواء، ولم تعرض الحقائق المتعلقة بهذه المناطق السكانية، والتي منها أن معظم المساكن العشوائية في هذه الأراضي بلا مرافق، بالتالي تستخدم مياه النيل كمدفن للنفايات وتتعامل معه كخط للصرف الصحي، وهو ما يسبب العديد من الأضرار الصحية المباشرة لقاطني المنطقة وغير المباشرة لعدد كبير من مواطني الدولة في مناطق أخرى، كما أن هناك العديد من التشوهات الاجتماعية التي تصيب مواطني المناطق العشوائية تؤثر بالضرورة على سلوكياتهم، والتي من شأنها الإضرار بالمجتمع كافة ويستغلها البعض الأخر في تحقيق مآربه الخاصة، ومن ناحية أخرى فإننا نعلم أن وجود المرافق ببعض هذه المساكن قد دخلت إليه على فترات متباعدة وبالتحايل على القانون الصريح، وأن دخول المرافق نفسه واحدة من وسائل التلاعب القانوني لاغتصاب حق الدولة في الأراضي التي يتبعها المعتدون.


للأسف، فإن المواطن البسيط الذي استوطن بجزيرة الوراق، والتي كانت تعد من أفضل وأجود أراضي الدولة المصرية زراعيا، نتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة وعدم اهتمام الدولة به لفترات طويلة قد أدى إلى أن تتحاول جزيرة الوراق مع مرور الزمن إلى مساكن عشوائية قبيحة.


في الماضي، كنا نتعاطف مع أهالى المناطق العشوائية التي تسعى الدولة لتطويرها، نظرا لقصور جهود التنمية وتباطؤ الدولة في تنفيذ والتخطيط لاستيعاب الزيادة السكانية، وتجاهل تعويض السكان بسكن بديل إذا قررت إزالة المخالفات، سكن آدمي ومشمول بالمرافق والخدمات، وكان وجه اعترضنا أن الدولة مسؤولة عن إقامة مساكن تكفي مواطنيها من الاحتياج لمساكن غير آدمية، والتي تتحول مع مرور الزمن إلى مرتع للجريمة، وتتفشى فيها كل الأمراض الاجتماعية كالتطرف والجهل، والأمراض الصحية، أما الآن والدولة تطلق كل يوم مشروع جديد للإسكان، وتتبنى سياسات مرنة مع كل راغبي السكن، فلا معنى للمزايدة وتوجيه النقد الهدام والمعطل، نقد يشجع على التعدي على أملاك الدولة، ويهدف لتقويض كل مشروعات التنمية والتطوير.