التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 03:08 ص , بتوقيت القاهرة

سلامُ الله عليكِ يا دكتورة مريم

ماذا فعلتِ بنا يا مريم؟ لماذا أيقظتنا من سباتنا العميق؟ لماذا عريتنا أمام الحقيقة التي كنا نهرب منها، ونعلق عليها فشلنا وإحباطنا؟ لماذا صفعتينا بقسوة على وجوهنا وأققيتنا، و«علِّمتِ علينا»؟


يا مريم. مَنْ أنتِ؟ ومن أي كوكبٍ أتيتِ؟


منذ ظهور نتيجة الثانوية العامة وأنا أتابع وسائل الإعلام التي تستضيف الطالبة «مريم سعيد فتح الباب»، التي حصلت على 99 % في الشهادة «البعبع».


أمور عدة، توقفت أمامها خلال متابعتي للأحاديث الإعلامية لـ«الدكتورة مريم»، أولها، فخرها واعتزازها بوالديها. لم تخجل من عمل والدها. قالت لكل العالم- بكل إباء وشمم-: «أيوه، أبويا حارس عقار».


يا الله.. مريم تفتخر بوالدها «البواب»، بينما يتبرأ البعض من أبيه وأمه، و«يستعر» منهما؛ لأنهما لم يكونا «على هواه»، ولا يشرفانه أمام أصدقائه «ولاد الناس»!


*****


يا مريم ما كان أبوك امرأ سوءٍ، وما كانت أمك بغيا، فطوبى لكِ عندما أرجعتِ نجاحك إلى ربكِ، ثم إلى والديكِ.. لم أسمعكِ يا طبيبة المستقبل تقولين: «أنا». أي إنكار للذات هذا؟ أي إيثار في وقت لا يعترف كثيرون بأفضال الغير عليهم؟!


يا مريم.. ما كان أحد سيلومك لو لعنتِ ظروفك.. فأنتِ تعيشين مع والديك وأربع شقيقات في غرفة واحدة. وتستذكرين دروسكِ في محل مغلق.. وعلى الرغم من ذلك تقولين: «أنا معنديش ظروف. الحمد لله أنا أحسن من غيري»!


يا الله.. كثيرون يعيشون في ظروف أفضل منكِ؛ ينامون على أسرة من حريري، ويذاكرون على مكاتب مضاءة ومكيفة الهواء، وأمامهم «الساندويتشات والعصائر المثلجة»، ويأخذون دروسًا خصوصية عند «حوت الرياضيات»، و«جبرتي التاريخ»، و«أينشتاين الفيزياء»، و«سيبويه اللغة العربية»، و«ساحر الإنجليزي»، وفي الآخر «يرسبون»، ويلعنون حالهم، و«يتبطرون» على معيشتهم..!


بالله يا مريم، أخبرينا ما سر هذا الرضا؟


******


مريم، المعجونة بالوطنية، قالت: «نفسي أعمل حاجة لبلدي.. البلد دي أخدت منها مدرسة مجاني، ولسه هتديني جامعة ببلاش؛ فلازم لما أتخرج أعمل إللي يساعدها»!


ما هذا الكلام «الكبير» يا صغيرتي؟! مَنْ هم في مثل سنك، وأكبر منكِ مشغولون بإنشاء ومتابعة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل همهم السخرية من البلد، والنقمة على البلد، الحث على الهجرة من البلد، وتشويه صورة البلد التي لا تقدرهم، ولا تعطيهم المقابل الذي يستحقونه!


****


«لما قالوا ده ولد اتشد ظهري واتسند، ولما قالوا دي بنية دربكوا البيت عليا». هكذا يقول المأثور الشعبي، المتحيز ضد البنات. لكن «مريم» أثبتت أن البنت ممكن تكون بمليون راجل.


الراجل المحترم «سعيد فتح الباب» شأنه شأن معظم الفلاحين، يرى أن «العزوة» في «الذكور»، وهو عنده «5 بنات». لكن «مريم»- عندما كانت في الصف الثالث الإعدادي- جلست مع والدها، وأقسمت له: «والله العظيم هاثبتلك إنى أحسن من مليون ولد، وكل الناس هتتكلم عنك»، وقد كان. فحارس العقار أصبح حديث الناس بفضل «الأنثى» التي تفوقت؛ لأنها تحدت ظروفها.


****


مريم «حطمت» أسطورة الدروس الخصوصية. مريم أعادت للقيم النبيلة رونقها وبريقها؛ الاجتهاد؛ الإخلاص؛ بر الوالدين.. مريم «نسفت» مقولة: «التعليم ملوش لازمة، وأن المتعلم زي الجاهل»!


****


مريم رفضت تشكيلة من «المجوهرات» عرضها رجال أعمال مصريون عليها؛ تقديرًا لتفوقها، لكن الفتاة «الفقيرة» غنية النفس، اعتذرت عن قبول الهدية لأن «والدها يوفر لها كل شيء»!


****


مَـرَاتِبُ المجـدِ ? يـرقى لها أبـدًا


من همُّهُ الناسُ ما قالوا وما فعلوا


وأجملُ الناسِ أعمى عن مساوئهم


وقلبُـه الحــرُّ بالعليــاء مُنشـــــغلُ


****


هنيئًا لك يا عم سعيد بابنتك. وسلامُ الله عليكِ يا دكتورة مريم.