التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 04:13 م , بتوقيت القاهرة

رسالة إلى الحياة

إلى من قَرّت بها عيني حتى فاض قلبي ليتجلى لساني بشكر الله، فـنفذت منه الكلمات دون أن أوفيه حق شكره على هبته لي بكِ. يا جارة القلب و رفيقة الروح، يا سراج نوري في عتمة الشدائد، بكِ اشتد ظهري وعليك أرتكز، تحية لكِ من رَحِمٍ أنجبك رغبة و شوقا لمدد من عند لله بروحك.

كما جرت العادة أن تختار الأم اسم مولودها فوهبتك اسم الحياة لتكوني المانحة دون الحاجة و الواهبة دون السؤال وأن تكوني الكل ومنك يكون العطاء.

إلى ابنتي حياة.. 

ابعث لك بأولى رسائلي اليوم وأنا أرى فراشة صغيرة تُخرِج جناحيها الزاهية ألوانها من جوف شرنقتها لتكتشف العالم الصاخب الوقح بعيون شابة صغيرة نقية، كعادة الفراشات سيجذبها الضوء دوما وأخشى على جناحيكي من وهج الجحيم، فانصتي لأربعين عاما من الشغف أحرقوا بعضا من جناحي فأصبحت أحذر الضوء و لا أهاب اللهب.

يا ابنة الاثنتي عشرة ربيعا، ما هو آت هو الحق والماضي هو غَرسي من بذور البصيرة جعلها الله لكِ يقظة ناصحة، فاحذري الكذب وإن كان لكِ فيه مقصد الخير، واجعلي عقلك حكما عادلا ونحي هوى القلب فحكمه جائر، واجعلي الله صوب عينك فاستجيري بعدله من ظلم العباد، فالظلم ظلمات فاحذريها.

 

لك من اسمك نصيب، فالحياة متجددة لا تقف عند فرح ولا يعرقلها حزن فتعاقفب الليل و النهار من آيات الله فكوني منها، واعلمي أني مُرتكز لقدميك حتى تصعدي، فإن خذلك ضعفي فتشبثي بقوتك وتجاوزيني فالانتظار شيم الضعفاء، فقد بعثت فيك من قوتي منذ دق قلبك في جوفي وسأظل أفعل حتى آخر نبضة في قلبي.

أرى جسمك ينحني طواعية لجلال أنوثتك المقبلة، أراكي جميلة القلب والقالب فلا يغريك زيف الثناء، و اعلمي أن من شغفته روحك هو الأحق و من ختم الله على قلبه فرأى جمالك و لم يُبصر فليس لك فيه غاية، فالروح هي الخلود و جمال الجسد فان.

 

يا ابنتي الكلمات تبدو رخيصة في جوف ضعفاء النفوس، نَفيسة لدى الصالحين فجاوريهم، حتى يرتقي قلبك في صحبتهم فتتجلى لكِ الرؤى فلا خوف عليك حِينها، فستنتقين الطيب من الغث بقلب مُبصر. الحب زينة الحياة إن صدق، والكاذبون كُثر، فلا تيأسي وآمني بالحب فهو دين العارفين، و دليل الباحثين عن الله، ويوما ستحصلين عليه إن أخلصت الإيمان.

تعلمي ما لا تعلمين وإن بدا لكِ ليس بغاية، فالعلم ثروة وإن امتلأت جيوبك بالمال، فلا قيمة لجاهل وإن عَظمُّوه أهله، فجميعهم إلى زوال. خُلقت حرة، وأرض الله لك حق، فلا تكبلي قدميك بأرض بور، فالترحال حال، و الثبات صفة الموت.

 

يا ابنتي أخيرا الموت آتِ فلا تحزني، و تذكري أن بذورك أنقى فاغرسيها بعناية في أرض خصبة، ولا تأخذي مني تجربة سقاية الصحراء، فحرقت الشمس جسدي وجففت الحرارة قلبي حتى مضى الوقت فطبعت الصحراء من قسوتها على روحي. 

لك مني ما أملك، فحبي لكِ حيّ و ان مات الجسد.