التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 02:15 م , بتوقيت القاهرة

نور الشريف.. "مسرحجي" مثير للشغب

يقف الوليد بن عتبة بن أبي سفيان حاكم المدينة المنورة أمام الحسين، يطلب منه مبايعة يزيد بن عبدالملك بن مروان قائلًا: "نحن لا نطلب إلا كلمة فلتقل بايعت واذهب بسلام لجموع الفقراء، فلتقلها وانصرف يا ابن رسول لله حقنًا للدماء، فلتقلها ما أيسرها، ما هي إلا كلمة".

يرد الحسين على الوليد منتفضًا: "كبرت كلمة.. أتعرف ما معنى الكلمة؟.. مفتاح الجنة في كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة لو تعرف حرمة زاد مزخور.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور".. وقول هذه الكلمات في مشهد على خشبة المسرح، كان حُلمًا من أحلام الفنان الراحل نور الشريف.



مسرح المدرسة

نور الشريف الذي وُلد يوم 28 أبريل 1946، عرفناه ممثلًا ومخرجًا ومنتجًا على شاشة السينما أو التلفاز، لكن نور نفسه أكد كثيرًا أن عشقه لخشبة المسرح لا يفارقه وأنه أكثر أبناء جيله وقوفًا على هذه الخشبة،  لكن الإهمال وعدم تسجيل هذه المسرحيات أدى إلى عدم وصولها إلينا.

بداية الشريف في المسرح كانت بالمدرسة الإعدادية، الذي كان يشرف عليه الممثل عدلي كاسب، وكان نور يدعو أصدقائه لمشاهدة أدواره فكانوا يُعجبون بما يقدم ويقرر البعض الانضمام لفريق المسرح، وفي المرحلة الثانوية انضم نور إلى مسرح مركز شباب الجزيرة والذي كانت تُشرف عليه الفنانة عزيزة حلمي.

نور الشريف
فلسطين والكلمة في مسرحه 

مسرحية من الأدب الهندي اسمها "الأمير الطائر"  كانت أولى بطولات نور المسرحية 1968، وأول عمل لفرقة مسرح الطفل على مسرح القاهرة للعرائس.

القضية الفلسطينية، كانت حاضرة أيضًا على خشبة مسرح نور الشريف، ففي عام 1971 ركب إحدى عربات قطار القضية الفلسطينية التي تناولها الكاتب الفلسطيني معين بسيسو، في نص اسمه "شمشون ودليلة"، وأخرجه نبيل الألفي، وفي عام 2002  قدم مسرحية "لن تسقط القدس"، مؤكدًا دعمه للانتفاضة الفلسطينية ولأصحاب الأرض، هؤلاء من يواجهون أشد درجات الظلم والقسوة دفاعًا عن أرضهم، رافضًا تمامًا التطبيع مع المحتل الإسرائيلي.

"ما أفقره من لا يجد من الكلمات لكي يتحدث عن فرحته، حين يضم من يهواه، إلا أن يهتف إني فرحان !ما أفقره من لا يجد من الكلمات لكي يتحدث عن حبه حين تكون حبيبته جنبه، إلا أن يهتف ياحبي".. كلمات أخرى تؤكد قدر الكلمة، كانت جزءًا من حياة نور الشريف على خشبة المسرح، ففي عام 1974 قدم نور مسرحية "بعد أن يموت الملك" التي كتبها الشاعر صلاح عبدالصبور، مع المخرج نبيل الألفي.

نور مع عمالقة المسرح 

عمالقة المسرح الذي تعاون معهم نور الشريف كثيرون، على سبيل المثال في عام 1978 التقى اثنين من هؤلاء أولهما كانت سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، وثانيهما الفنان الكبير عبدالرحمن أبو زهرة، حيث عمل معهما في عرض لفرقة المسرح القومي "ست الملك"، والتقى أبو زهرة مرة أخرى في عرض "لعبة السلطان" 1986.  

"المسرح الجاد تراجع في العالم كله، حتى المسرح الكوميدي (القطاع الخاص) تراجع لسوء تنظيمنا، والمسرح في مصر تراجع مع بدء التيار الإسلامي نشاطه في الجامعات ومحاربته للنشاط الفني بالعنف.. عودة المسرح المدرسي والجامعي وقصور الثقافة هي الأمل في إنقاذ المسرح".

نور الشريف وأبو زهرة ووفيق -مسرحية لعبة السلطان


اللعب مع الرقابة 

ولم تكن مسرحية "ثأر الله - الحسين" العمل الوحيد الذي خاض نور مشورًا طويلًا من أجله، فدخل في معركة مع الرقابة بسبب حلمه بتقديم عمل مسرحي اسمه "سهرة مع الضحك - 3 مسرحيات من فصل واحد"، إذ حاولت الرقابة منع هذا العرض قبيل انطلاقه بعشرة أيام فقط، فتجاهلت خطاب نور بدعوتهم لمشاهدة البروفة النهائية وإبداء ملاحظتهم للموافقة على العرض في الإسكندرية.

نور استعان بصديقه الدكتور محسن مصيلحي، وطلب منه بشكل شخصي أن يمضي أي شخص من الرقابة على استلام ورقة الخطاب، ومن ثم يحصل هو عليها، ليتضح تهرب الرقابة من المشاهدة بحجة روتينية معتادة "لم يصلنا خطابكم".

ينجح نور في خطته، لكن يوم العرض يواجه رياحًا تحمل ما لا تشتهيه السفن؛ إذ تحاول الرقابة منعه "ماجالناش خطاب المشاهدة"، يبتسم الشريف قليلًا ويخرج من بنطاله الخطاب الذي أرسل لهم موقعا بالاستلام، ليستمر العرض أمام 25 شخصًا من جمهور المسرح في إسكندرية، بسبب برودة الجو والأمطار الشديدة، وربما أشياء أخرى لم تعُلن.

المسرحية كانت من إخراج وإنتاج نور الشريف بالتعاون مع الكاتب المسرحي علي سالم.

"خرجت من العرض مُحبط جدًا"

مسرحية كنت فين يا علي


ولم تكن "سهرة مع الضحك" العمل الوحيد الذي جمع نور بعلي سالم، إذ تعاون معه في مسرحية "بكالوريوس في حكم الشعوب".

كاليجولا الروماني الذي يُضرب به المثل في الشر الممزوج بجنون العظمة الذي لا يفرق بين حبيب وعدو فقط الامتلاك والسيطرة هم هدفه، شخصية قدمها نور الشريف عام 1991 للكاتب ألبير كامي وإخراج "سعد أردش".

كاليجولا - نور الشريف
شمعة منعت عرضًا

عمل مسرحي ثالث خاض نور حربًا من أجله، لكنه لم ينتصر في معركته ولم يخرج العرض للنور والسبب كان شمعةً، وخوفًا على أرواح الفنانين والجمهور -على حد ذكر الدولة- مسرحية بيكت أو شرف الإله للكاتب الفرنسي جان أنوي، لكن نور كشف أن بعد بروفات استمرت شهرين ومن دون أي يحصل على أي مقابل مادي، تسبب الأديب ثروت أباظة في منع العرض؛ إذ مُنعت بعد تقديم الأديب ثروت أباظة لطلب استجواب لوزير الثقافة فاروق حسني أمام مجلس الشورى قائلا: "ده مش وقته نعمل صراع الملك والكنيسة".

"شرف الإله.. بيكيت".. هذه المسرحية كانت مشروع تخرج نور الشريف من المعهد العالي للفنون المسرحية، وأشرف على مشروعه الدكتور جلال الشرقاوي.

"المسرحيات ديه كانت كنوز عندنا.. أعتقد إنها ما بتعرضش لأن البعض شايفها ممكن تنور عقول الناس.. وده خطر.. وهي ديه السلطة". 



نور الشريف رحل عن عالمنا يوم 11 أغسطس 2015، تاركًا في رصيده المسرحي (تمثيل - إنتاج - إخراج) ما يقرب من 20 مسرحية بينهم: يا مسافر وحدك، يا غولة عينك حمرا، كفاح طيبة، الأميرة والصعلوك.