التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 05:29 ص , بتوقيت القاهرة

"طظ فيك".. حدوتة رباعية أزعجت نظام جمال عبد الناصر

"أنا مقسوم نصفين، نص مع ناصر لأنه استطاع أن يحقق آمال الشعب، والنصف الأخر غضبان عليه لأنه ألقى بزملائه وأصحابه في المعتقل"– صلاح جاهين.


كانت ثورة 25 يوليو 1952، بمثابة كلمة "افتح يا سمسم" التي فتحت باب مغارة الإبداع أمام صلاح جاهين، الذي لم يتوقف عن كتابة الأغاني الوطنية والحماسية المؤيدة للثورة ولجمال عبد الناصر، مثلما كان عبد الحليم هو مطرب الثورة، أصبح جاهين شاعرها النجيب، الذي عبر بـ عشرات الأغاني عن مبادئها وأهدافها.


يعد صلاح جاهين أحد مؤرخي الثورة، لكن من طراز يختلف عن الطريقة الأكاديمية في التأريخ، من يستمع إلى احنا الشعب.. صورة.. بالأحضان.. يا أهلا بالمعارك.. والله زمان يا سلاحي.. السد العالي.. يستطيع أن يعرف ماذا كان يحدث في مصر في الخمسينات والستينات.


العلاقة بين الشاعر صلاح جاهين، والرئيس جمال عبد الناصر، كانت قوية لدرجة جعلت بعض رجال السلطة يحاولون الإيقاع بينهما، مثلما حدث مع إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، وكانت النتيجة اعتقالهم بعدما كانا أصدقاء للزعيم قبل الثورة وبعدها مباشرًة.
ناصر في عيون جاهين


في الوقت الذي كان جمال عبد الناصر مسيطرًا على المشهد السياسي الداخلي، واستطاع القضاء على نفوذ حزب الوفد، وجماعة الإخوان المسلمين، والحركة الشيوعية في مصر، كان صلاح جاهين يكتب رباعية "يا طير يا عالي في السما طظ فيك"، وقيل لعبد الناصر أن جاهين يقصده بتلك الرباعية، لكن ثقته في شاعر الثورة، جعلته يرفض هذا التفسير، لأن مجرد تصديقه بتلك الوشاية، كان جاهين في سجن القلعة أو الفيوم، أو معتقل الواحات، الذي ضم نخبة من مبدعي مصر الكبار مثل محمود السعدني، ولويس عوض.


 ياطير يا عالي في السما طظ فيك


ما تفتكرش ربنا مصطفيك


بعضك يتاكل دود وللطين تعود


تمص فيه يا حلو ويمص فيك


عجبي!!


عندما عرف صلاح جاهين بالمعلومة التي وصلت لجمال عبد الناصر، استنكر تمامًا أن يكون كلامه إسقاطًا على جمال عبد الناصر، وعندما سأله ابنه بهاء بعد سنوات طويلة عن تلك الواقعة أكد ذلك، ولم يحاول جاهين أن يختفي عن أنظار الأجهزة الأمنية التي تحاول زجه في سجون عبد الناصر، وكتب لهم خصيصًا رباعية ترد على محاولتهم الفاشلة.


أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جَرس


جلجلت به صحيوا الخدم والحرس


أنا المهرج.. قمتو ليه خفتو ليه


لا فْ إيدي سيف ولا تحت منى فرس


عجبي !!


في الوقت الذي كان صلاح جاهين مرفوضًا كشاعر وصحفي من والده المستشار، الذي كان يأمل أن يصبح ابنه محاميًا، لأن تلك المهنة قبل الثورة كانت الأقرب للترقي السياسي من المناصب الوزارية، وجد ترحيبًا كبيرًا من نظام جمال عبد الناصر، ويذكر أن والد جاهين عندما عين رئيسًا لمحكمة الاستئناف العليا، وذهب لإلقاء اليمين أمام جمال عبد الناصر، عرف أن أمامه والد صلاح جاهين، فإذا بوجهه ينحي الدبلوماسية جانبًا ويبتسم، ويعاود مصافحة والده بحرارة بالغة، وعندما عاد والده إلى البيت قال لصلاح فرحًا: "يا ابن الإيه.. وصلت لدرجة إني أتعرف بيك".


"انقهرت بسبب الهزيمة سنة 1967، ثم ضعت ضيعة رهيبة عند موت عبد الناصر" – صلاح جاهين يونيو 1985


بعد النكسة سقط صلاح جاهين بفعل الاكتئاب، وعبد الناصر سكنت لمعة عيونه الهزيمة، وقال الصحفي مصطفى أمين عبارة لاذعة: سقط صلاح جاهين فريسة البيانات الرسمية لصديقه"، ومع ذلك استمر جاهين في رثاء ناصر، رغم انتشار نكتة سياسية تحولت لحقيقة، وهي أن السادات يسير على خطى ناصر "بالاستيكة"، وجد جاهين نفسه غريبًا في دنيا السادات، بريق الكلمات الثورية لم يعد مناسبًا لمرحلة جديدة.