التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 04:46 م , بتوقيت القاهرة

كيف ظهر صلاح جاهين في رواية نجيب محفوظ؟

بعد 6 أيام في غرفة الإنعاش، يرحل صلاح جاهين، في 21 أبريل 1986، تكفلت جرعة كبيرة من المنوم لدخوله مستشفى الصفا بالمهندسين، وتتحقق كلماته الأخيرة قبل الغيبوبة الناتجة من تفاعل غير متوقع لأدوية القلب، والغضروف، والروماتيزم والأعصاب: "أصحبت كقارب أوشك على الغرق، وعليه أن يخفف بعض أحماله"


يقرأ الأديب نجيب محفوظ في الجريدة الصباحية تفاصيل الرحيل المأساوي لـ صلاح جاهين، يحزن على عضو سابق في شلة الحرافيش، اغتيلت روحه قبل الوفاة الجسدية بسنوات بعد هزيمة عسكرية، وكانت سببًا في انقطاعه عن جلسات الحرافيش الأسبوعية، التي لم يفوتها منذ التحاقه بها، قبل 5 يونيو 1967، من يطالع كتاب المجالس المحفوظية لجمال الغيطاني، يدرك أن جاهين كان واثقًا دومًا من النصر، لهذا لم يبالِ بالحرب، وقرر أن يتمم زواجه الثاني من منى قطان، وفي آخر لقاء له بالحرافيش دعاهم قائلًا: "فرحي يوم الخميس القادم يا أخواني، وأنتم وحظكم بالنسبة للحرب، إذا قامت أو لم تقم"، ونشبت الحرب قبل زواجه بيومين، ولم يذهب الحرافيش إلى فرح صلاح جاهين.
الحرافيش


تأثر نجيب محفوظ بالطريقة المأساوية التي رحل بها صلاح جاهين، دفعه إلى التفكير في طريقة تناسب حجم الموهبة التي قضت عليها كمية كبيرة من الحبوب المهدئة، فيقرر أن يكتب كل ما يعرفه عنه في رواية جديدة، لكنه كان يخشى المشاكل التي سوف تترتب على ذلك بسبب وجود شخصيات معاصرة، وكان الحل من وجهة نظر محفوظ، وفق قوله لرجاء النقاش في حواراته الصحفية التي سجلت عام 1990، "توصلت في النهاية إلى أن أكتب رواية عن شخصية صلاح جاهين، على أن أعدل وأغير في ملامحها حتى لا يتعرف عليها القراء، وكتبت رواية "قشتمر" وعبرت فيها عن مأساة هذا الرجل".


 في رواية قشتمر التي صدرت عام 1988، بعد نشرها كسلسلة في جريدة الأهرام، يعيد نجيب محفوظ رسم ملامح صلاح جاهين من جديد، في نص أدبي خلد شلة الحرافيش، وأصبح جاهين وفقًا للرواية طاهر عبيد الأرملاوي، والذي جاء وصفه في بداية الرواية استنساخًا لجاهين في ذهن معاصريه ودراويشه في عالمي الشعر والكاريكاتير: "من أحب الشخصيات إلى قلوبنا لخفة روحه وبساطته وميله إلى البدانة، وهو أسمر وملامحه شعبية ولكن جاذبيته لا تقاوم".
قشتمر


وفقًا للرواية، تتحول قهوة قشتمر إلى مرسى لـ الأصدقاء الأربعة، ونشاهد حقبة تاريخية هامة في تاريخ مصر منذ مولدهم عام 1910، حتى مرحلة السبعينات، واجتهد نجيب محفوظ في وضع تعديلات على شخصية طاهر عبيد، مثل رغبة عائلته الأرستقراطية في التحاقه بمجال الطب، ومع ذلك قرر أن يصبح شاعرًا، وتزوج من فتاة من طبقة اجتماعية شعبية، إلى جانب أنه لم يمت منتحرًا في الرواية، لكن نجيب أشار إلى رغبته لولا زوجته وابنته: "لولا درية، أو لولا درية ونبيلة لانتحرت، يمنعني حبي لهما وخجلي منهما".


مثلما بزغ نجم صلاح جاهين مع الثورة، نقرأ في سطور الرواية رحلة صعود طاهر عبيد، وموقفه من الثورة التي أصبح من أبرز جنودها بالكلمة:


"شعره الشعبي القديم بشر بالثورة قبل أن توجد، وزكاه أيضًا أنه عرف ببعده عن الأحزاب، وسرعان ما توثقت العلاقات بينه وبين الضباط المتولين شئون الثقافة، ومن ناحيته بتلقائية وإخلاص، كرّس شعره للثورة، فما من إنجاز أو نصر أو موقف نبض به قلب الثورة إلا وأعطاه المعادل الشعرى في أجمل صورة ثم سرعان ما يترجم إلى غناء تردده الإذاعة والتلفزيون في حينه".


 الفترة التي أعقبت هزيمة 5 يونيو 1967، استطاع نجيب أن يكتب عن مأساة صلاح جاهين، أو طاهر عبيد، وتلاقيا في الشعور بالمرارة والانكسار، وفي مرحلة حكم السادات، شعر طاهر أنه في عالم غريب، وعزل من منصبه كرئيس تحرير لمجلة الفكر، وامتنع عن الكتابة مؤقتًا، وتجاهلته وسائل الاعلام، ولم يكن في حرب أكتوبر متوهجًا مثل أيام عبد الناصر، بعد ذلك تناول نجيب صراعات بطله مع الانفتاح، وقدرته على كتابة أعمال لا تناسب تاريخه في الشعر والترجمة.


من يقرأ رواية قشتمر، يجد صلاح جاهين في كل سطر كتب عن طاهر عبيد الأرملاوي، رغم محاولات نجيب لطمس نقاط التشابه، وتغيير ملامحها، إلا أن بهاء جاهين فور قراءته للراوية تعرف بسهولة على والده، وأشار نجيب لذلك في مذكراته عن أحد أصدقاء شلة الحرافيش.


جسد الفنان حسين فهمي شخصية صلاح جاهين (طاهر عبيد) في المسلسل الإذاعي قشتمر، كما قدم مدحت صالح ذات الشخصية في مسلسل حمل نفس الاسم عام 1994.