التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 05:07 م , بتوقيت القاهرة

سوريا.. كلاكيت للمرة الثانية

المشهد ذاته بكل تفاصيله المؤلمة تعيده علينا الإدارة الأمريكية من جديد، مع استهداف قوات الجيش السوري بمطار الشعيرات فى الساعات الأولى من صباح الجمعة، كأن العالم فى حاجة إلى عراق جديد، ولم يكتف بـأربعة عشر عاما من الضياع والتفتت التي عاشها الشعب العراقي، وتحولت معها أرضه إلى مرتع للإرهاب والحركات المسلحة.


نفس الحجة التى قدمتها إدارة جورج بوش الأبن، هى ذاتها التى تسوقها الإدارة الأمريكية الآن، رغم أن الظرف السوري أكثر تعقيدا وتشابكا.


الضربة الأمريكية لأهداف عسكرية تابعة للجيش السورى لم تكن الأولى، وفى تقديرى لن تكون الأخيرة، فقد شاركت أمريكا ضمن قوات التحالف الدولى فى أعمال عسكرية بعضها إستهدف الجيش السورى، وكان أبرزها تلك الغارة التى شنتها فى محيط مطار دير الزور سبتمبر الماضى، لكن سرعان ما اعتذرت عنها إدارة أوباما، مؤكدة أن الغارة كانت خطأ بناءا على معلومات استخبراتية مغلوطة.


القضية إذا أن هذه هى المرة الأولى التى تتبنى الإدارة الأمريكية منفردة بشكل واضح وصريح عملا عسكرى موجه للجيش السورى دون مواربات، بدلا من التنظيمات الإرهابية التى من المفترض أن العالم كله استباح الأراضى السورية سعيا إلى مطاردتها، ورغم ما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب من أنه أطلع مجموعة من دول التحالف الدولي على نيته بتوجه الضربة ردا على الزعم بإستخدام القوات المسلحة السورية السلاح الكيماوى فى خان شيخون والذي لم يثبت حتى الأن صحة نسبه إلى الجيش السوري من عدمه، إلا أن العمل العسكرى المنفرد الذى قامت به القوات الأمريكية يضع مجلس الأمن وكافة الدول المعنية بالشأن السورى فى مأزق مشابه لذلك الذى عاشته فى بداية غزو العراق، وسنجد أنفسنا مرة أخرى نشاهد جلسات طويلة لمجلس الأمن تشجب وتدين وتندد، وتعرب عن قلق.


لكننا فى النهاية أمام معضلة ستزيد المعادلة السورية اختلالا، فلا يمكن أن يقبل العالم بضربات تعطى قبلة الحياة للإرهابيين والتنظيمات المتطرفة فى سوريا بعد أن تم حصارهم بقوة فى الأشهر الماضية، ولا يمكن أن يقبل بتجاوزات مثل إستخدام السلاح الكيماوى ضد مدنيين.


بل ربما نجد أنفسنا مرة أخرى أمام أحد متخذي قرار غزو العراق، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، الذى إعتذر مؤكدا أن قرار الغزو كان خاطئ بعد أن دمرت العراق بالكامل، وتجاوز عدد الشهداء المليون شخص،ونهبت آثارها ونفطها، وصارت عاجزة عن ضم شتاتها مرة أخرى.


لا تعى الإدارة الأمريكية أن عناصر هذا المشهد المكرر لسيناريو العراق، للأسف تغيرت وصارت لصالح داعش وأخواتها، فهذه المرة اكتسبت هذه التنظيمات خبرات لم تكن موجودة لدى تنظيم القاعدة والأجيال الأقدم من التنظيمات الإرهابية.


أربعة عشر عاما زادت الجماعات الإرهابية تنظيما وإلماما بمقومات افتقرت إليها فيما قبل، وتعلمت فيها من أخطاءها، وصارت هزيمتها أصعب كثيرا.


هذا التدخل المنفرد والسافر عالى التكلفة، مهما اختلفنا وتحفظنا على أخطاء النظام السورى، لابد من أن يتم التعامل معه بطريقة مختلفة لتجنب الشعب السوري بشكل خاص والشعوب المنطقة بشكل عاما ويلات الفوضى التي ستعم المنطقة، كما أن على مجلس الأمن هذه المرة التعامل بحسم أكبر لوقف مخطط اسقاط سوريا بشكل سافر مثلما حدث فى العراق، ووضع خطة عاجلة للتعامل مع الموقف الميدانى والضغط للتوصل لحل سريع للأزمة السورية، وهو الأمر الذي لا أظن أن مجلس الأمن يستطيع القيام به، وللأسف ليس أمام الشعب السوري سواء الدعاء للخروج من ازمته الحالية، بعد أن تخذل العرب في الدفاع عنه.