التوقيت الخميس، 09 مايو 2024
التوقيت 03:19 ص , بتوقيت القاهرة

سحر شاهين"3"| هدى سلطان.. حين تحولت الأميرة إلى بهية

هدى سلطان
هدى سلطان

تدخل دنيا شاهين من بابه الواسع، من باب "بهية" بتفاصيلها شديدة البساطة والتعقيد، لم تنضج على يدي شاهين أي نعم، ولكنها حينما دخلت عالمه، ألقت خلفها ثوبها القديم وبدلتها بثوب جديد براق وفضفاض، تماما كسندريلا حينما مستها الساحرة الطيبة بطرف إصبعها فتحولت لأميرة، والاختلاف فقط أن هدى سلطان دخلت عالم شاهين أميرة، فتحولت لبهية.


بهية قمر وما لها وما عليها


شاهين يضع هدي سلطان أمام امرأة قوية وحنون وعطوف، والأهم انها حرة، ببقايا فتنة شباب ذابل، وفتنة أنوثة ناضجة تلملم حقائبها لتفسح المجال لأم تعشق طفلها الروحي، وقلب يساع من الاختلافات والأفكار الكثير ولكنه ضيقا حرجا أمام القيود، هكذا وضع شاهين هدى سلطان أمام بهية قمر في فيلم الاختيار.


هدى سلطان الاختيار


تسير هدى سلطان مع بهية على الحبل هي الأخرى، فلابد ان تظل محافظة على أداء الحبيبة والأم في نفس الوقت، تلك التي تزهد وترغب في الآن نفسه، تعشق وتغير وتلتمس الأعذار لمعشوقها، بل إنها ترضى ان تراه يعشق أخرى ويدخل في علاقات متعددة فقط كر لا تكون ذلك القيد الذي يهرب منه.


بهية قمر تتسرب إلى هدى سلطان من مدخل خفي، تحتلها احتلالا كاملا، فلا ندري فعليا، هي هذا هو حب الام الذي يجمعها بمحمود أو انه حب العاشقة، ام هو خليط ممزوج بحسابات دقيقة للغاية حتى نظل في رحاب بهية طيلة الوقت نسأل السؤال الدائم، ما كل هذا الحب؟


إذا كانت هدى سلطان دخلت إلى عالم شاهين ممثلة جيدة ومتنوعة وذات طاقة فنية كبيرة إضافة لكونها مطربة، فقد استطاع شاهين ببساطة ان يستفذ ملكتها التمثيلية إلى أقصى درجة، الاختيار كان مجرد بداية، كان مجرد شرارة بينما أنتظر الوهج الكامل حتى عام 1976، حينما وجد شاهين ابنه الضال.


قبل شاهين كانت الأمر مقدسة لا تراها سوى الام الكلاسيكية التي تدعى لأبنائها، العطوف، والحنون، أو الأم القاسية التي تعتق أن القسوة هي السبيل للحفاظ على بيتها واسرتها، ولكن مع شاهين تحولت الأم من هذين النموذجين إلى كائن حي يحب ويعشق ويظلم ويشتهي ويزهد ويتمنى، وربما أهم وأكبر مثال على هذا قدمه شاهين من خلال هدى سلطان في عودة الأبن الضال.


هدى سلطان تقدم من خلال شخصية الأم، نموذج شكسبيري للأم السيئة، ولكن هذه المرة بطريقة شاهين ورؤيته فالأم هنا لا تقتل الأب أو تتزوج العمل، ولكنها تغذى وحشين في آن واحد داخل عائلة المدبولي، الأم هنا ربما بمبرر السلطة والسطوة والحفاظ على مصالح العائلة، تحول طلبة المدبولي إلى وحش صغير ينهش شقيقة زوجته، وينهش أموال الأسرة وأيضا أحلام أبنه.


هذا الوحش الصغير خلقته الأم إما بمباركة افعاله، أو بإخفائها والتستر عليها، ولكن الوحش الأكبر الذي خلقته الأم، هو الكره الشديد الذي تفوح رائحته من بيت المدبولي، فباستثناء الجد محمد المدبولي والحفيد إبراهيم، فالجميع مجرمون حتى لو كانوا ضحايا مثل فاطمة أو على.


الأبن الضال وتعقيداته


هدي سلطان عودة الابن الضال


هدى سلطان تدرك تماما الصراع الخفي الذي يدور بين الأم وبين طلبة حول السيطرة والسلطة على مقاليد الأمور، تدرك أن الأبن يحاول دائما الانفراد بالسلطة وقتما يجد اللحظة المناسبة، بينما هي تحاول طيلة الوقت ان تبقيه تحت سيطرتها وان تختبئ خلفه لتفعل ما تريد وتقبض على زمام العائلة.


هناك صراع أخر داخل الأم، صراعها الخاص بين حبها الجارف لعلي واحتياجها الشديد لطلبة، فعلى هو الابن الذي أحبته بالفعل، ولكنها لم تكره طلبه، ولكنها أدركت انها صنعت الوحش بيدها وان الوحش سينقلب عليها آجلا أم عاجلا، لذلك كانت عودة على هي السبيل الوحيد للحيلولة دون قضاء طلبة عليها، على هنا أيضا مجرد مشروع وحش صغير في خطة الأم رغم حبها له.


كل تلك التناقضات والصراعات التي قدمتها هدى سلطان داخل قالب الأم، الذي كان مضافا عليه عبئ أن عليها أن تمثل على افراد العائلة انها النموذج الكلاسيكي للأم أيضا، وداخل قالب من الهدوء والرزانة الفنية، والسيطرة الممتازة على لجام شخصية جامحة كشخصية الأم، قد تأخذ الممثل الذي يقدمها وتطيح به، أو تأخذه وتعبر به خط الإجادة، قدمت هدى سلطان نفسها في عالم شاهين وقدمت واحدا من أنضج وأفضل أدوارها على الإطلاق، ولكن بالفعل هذه المرة كانت بصمة شاهين واضحة للغاية.


هدى سلطان ومحمود المليجي عودة الابن الضال


فقط انظر لشخصية الام في المشاهد التي جمعتها بطلبة، ثم أنظر للمشاهد التي جمعتها بالجد، ثم مشاهدها مع إبراهيم، ومشاهدها مع علي ومشاهدها مع فاطمة، تدرك انها ترتدي مع كل شخصية وجه غير الأخر، مع طلبه تضع دائما وجها هو مزيج غريب بين وجه الصانع أمام صنيعته ووجه التابع الخاضع، مع إبراهيم تضع وجه الام الكلاسيكية، مع علي تضع وجه الأم التي ترى صالح ابنها وتأمره على هيئة الرجاء، بينما فاطمة فهي تتنقل من وجه المهادن العطوف لوجه الحازم المسيطر، بينما يظهر وجه الأم الحقيقي فقد مع الجد، حيث لا ستار ولا منفعة ولا كذب، لان الجد وحده يعرف كل شيء.


كل تلك التفاصيل التي صاغتها هدى سلطان ببراعة تحسد عليها، عبارة عن مزيج بين موهبتها وطاقتها الفنية وقدرة شاهين الإعجازية في السيطرة على ممثليه والشخصيات التي يقدموها أمام كاميراته، قدرته على توجيه الممثل والشخصية معا، تلك هي المكوّن الأول من تعويذة شاهين السحرية التي يلقيها على ممثليه.