التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 06:24 ص , بتوقيت القاهرة

الفتايون.. من عباقرة الفيسبوك لنشطاء السبوبة

في أعقاب ثورة 25 يناير وما تولد عنها من فوضى متعددة المجالات، نجد أن الواقع قد فرض على الأمن القومي المصري مجموعة من التحديات الهائلة، والتي كثيرًا ما وقفت حائلًا دون تحقيق وتأمين المصلحة القومية والوطنية، والتي بالتالي تعيق الدولة عن توفير ضمانات الإنطلاق نحو التنمية الشاملة، حيث دائمًا ما يتم الضغط من قبل قوى الشر في الداخل والخارج لإحداث خلل في المعادلة الرئيسية التي تؤدي لتحقيق الإستقرار الشامل، فلكي يتحقق الإستقرار الشامل فإن الدولة مطالبة أن تضمن توفير كامل إحتياجات المواطنين بالتزامن مع كفالة الحريات وتوفير مناخ إعلامي جيد يكون عونًا للدولة في معركتها على طريق الإنطلاق نحو التنمية الشاملة.


ببساطة شديدة، قامت ثورة من أجل تحقيق مطالب عادلة للشعب في العيش والحرية والكرامة، ولكنها إختطفت بفعل مخطط تم تدبيره لتدمير الدولة المصرية، وعندما قام الشعب بثورته الثانية العظيمة في 30 يونيو، والتي أكدت أنها ستمضي على طريق تحقيق المطالب الرئيسية للشعب وفي إطار مجموعة من المبادئ المصرية التي تتمثل في:


1.      إستقلالية القرار المصري وفقًا للإرادة الوطنية المصرية وبما يحقق الأمن القومي المصري.


2.      علاقات مصر الخارجية تقوم على تحقيق المصالح الوطنية والقومية المصرية.


3.      الأمن القومي العربي هو مكون رئيسي من الأمن القومي المصري ولا مجال للإنفصال بينهما.


4.      مصر دولة لا تتبنى العداء مع أي دولة أخرى ولا تتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.


5.      لا حق لأي دولة في أن تتدخل في الشأن الداخلي المصري.


فعلى ما يبدو أن هذا الأمر، قد سبب إنزعاجًا شديدًا لقوى الشر الخارجية، التي ما إن بدأت تتبلور ملامح الدولة المصرية في الظهور حتى بدأت في إعمال كل آليات إعاقة الدولة المصرية عن إستكمال طريقها عبر قوى الشر في الداخل على إختلاف مسمياتهم. وفي هذا الإطار، بدأت الحرب غير المعلنة على الدولة المصرية، فمن فرض لحصار اقتصادي غير معلن يشمل ضرب حركة السياحة وضرب قيمة العملة المصرية الوطنية وتطبيق مخطط لتحقيق عدم إشباع حاجات المواطن من السلع الأساسية، إلى تشويه صورة النظام المصري على الصعيد الداخلي والخارجي عبر مجموعة من الأحداث التي تم إعداد تقارير لها بمعرفة منظمات حقوق الإنسان العالمية كهيومان رايتس ووتش والعفو الدولية بما يؤدي إلى إشاعة أن النظام المصري نظام قمعي لا يراعي الحقوق والحريات، وصولًا إلى تدمير المنظومة الإعلامية المصرية وجعلها تسير في إتجاه مخالف لدورها اللازم أن تضطلع به في ظل هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن، الأمر الذي يؤدي في النهاية أن يكون المجتمع مهيئًا في أي لحظة للإنقلاب على النظام والخروج عليه رغبة في تحقيق ما سبق وأن فشلوا فيه منذ ثورة 25 يناير.


هم يريدون تفكيك وتقسيم الدولة المصرية، هم يريدون إستهداف القوات المسلحة المصرية عبر إدخالها كطرف مباشر في علاقة صراعية مع الشعب، هم لا يكفون عن محاولة تطبيق مخططهم القديم والذي يعتمد على سياسة فرق تسد والذي يجددون آلياته ولاعبيه بين الحين والآخر، هم يعملون على إشعال المنطق الحدودية الطرفية والتي دائمًا ما تكون النقط الأضعف في الدول المركزية ليكون ذلك الطريق نحو خلق مناطق لا يمكن للدولة أن تفرض سيادتها عليها ومن ثم تصبح الدولة فاشلة.


ولن نكون معنيين هنا بشرح كل ماسبق، ما يعنينا هو هذه الحالة التي تمكنوا خلالها من تنميط العقل الجمعي للمصريين والتحكم فيه وإدارته عن بعد، ما يعنينا هي التحديات الإجتماعية التي يفرضونها علينا والتي تتمثل في :


1.      إستيراد قيم ومبادئ وعقائد لا تتفق مع السائد في المجتمع.


2.      إستخدام الحروب المعنوية والنفسية والدعاية المضادة لهزم إرادة وعزيمة المجتمع.


3.      نشر الشائعات والعمل على ضمان تدفق هائل للمعلومات المغلوطة.


4.      كسر منظومة الإعلام القومي وإعلاء نموذج الفوضى الإعلامية الخربة، والذي يتزامن مع فن وثقافة لا يرقيان لتحصين المجتمع.


فمع إندلاع ثورة يناير، كان لابد من كسر الذراع الإعلامي للدولة، وهو الأمر الذي تحقق بسهولة شديدة في ظل التراخي الشديد الذي تعامل به نظام الرئيس مبارك مع ملف الإعلام، وترك المجال الإعلامي يعمل في ظل فوضى لم يتمكن من السيطرة عليها ولم يهتم بإصدار التشريعات التي تضمن أن تكون الأدوات والوسائل الإعلامية المختلفة تعمل وفقًا لمنظومة تراعي قواعد المهنية والشفافية ولكن في إطار ملزم من الحفاظ على ثوابت الأمن القومي المصري، وتزامن ذلك مع تزاوج المال بالسلطة السياسية والقبول بتضخم مؤسسات إعلامية غردت خارج السرب الوطني، إضافة إلى الشيخوخة الشديدة التي كان يعاني منها الإعلام المصري نتيجة لعوامل ترتبط بمستوى القيادات الإعلامية في هذا التوقيت والذين كانوا نتاجًا لتفريغ المناصب القيادية لمصلحة قيادات سيطرت على مقاعدها وأعدمت كل طموحات وآمال أجيالًا أخرى كانت متأكدة أن الفرصة لن تأتي لها بحكم إنعدام فرص التغيير والتدوير في المناصب وفقًا لأية معايير اللهم إلا موالاة أصحاب السطوة والنفوذ في الحزب الذي قاد مصر للخراب وكان المقدمة الطبيعية لثورة 25 يناير بعد أفسد إنتخابات تشريعية شهدتها مصر على مر تاريخها.


إنكسر الذراع الإعلامي للدولة، وسادت الفوضى الإعلامية، وبدأنا في إستيراد غير منظم لأشكال من الصحافة والإعلام تعمل بدون ضابط أو رابط، فقط كان هم القائمين عليها تحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر إعلانات كانت تخصص لبرامجهم التوكشوزية وتمويلات تمنح لصحفهم، وقادوا معًا أكبر عملية هدم لقيم وتقاليد مجتمع، وحولوه من مجتمع متسامح ومحب وبشوش ومتفائل إلى مجتمع مختلف تمامًا يسوده الغل والعنصرية والغضب واليأس. وتمكنوا من ذلك عبر إعمالهم لمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكتروني وما إرتبط بها من أدوات مثل صحافة المواطن والتدوين.


وعبر آلة إعلامية كانت تعمل بقسوة على إعلاء النعرة الشبابية وإشاعة نموذج الشاب الثوري الحامل للهاتف الذكي واللابتوب والذي يحفظهما في شنطة مرسوم عليها تفاحة، تم التنميط الفكري للمجتمع، وأصبح المجتمع تدريجيًا لا يثق في نهائيًا في وسائل الإعلام القومية وتدريجيًا الخاصة مهما كانت تقدم له الحقيقة. وبالتوازي كان المخطط لضرب هيبة رموز الدولة وقياداتها جنبًأ إلى جنب مع إفقاد المواطن الثقة في مؤسساته وما تعلنه من بيانات وأرقام. بات المجتمع لا يثق إلا في معلومات الفيسبوك، وصارت الدولة خاصة في العامين الأخيرين في حالة صراع دائم على مدار 24 ساعة لمحاربة هذا الكم من الدعاية المضادة والتزييف والتدليس على وعي قطاع كبير من المواطنين البسطاء وقطاع من المتعلمين وقطاع من خريجي كليات ما يطلق عليها كليات القمة، صار الجميع عبدة لما يتم بثه على مواقع التواصل الإجتماعي، وصارت أسماء بعينها يكون ما تقوله أكثر مصداقية من البيانات الرسمية للدولة، صاروا عبدة لعباقرة الفيسبوك ونشطاء السبوبة.


ومع الوقت وفي إطار محاولة الظفر بمساحة على الموقع الإفتراضي الأشهر، بات قطاع كبير لا هم له إلا محاولة أن يصل لمساحة شهرة نشطاء السبوبة، والطريق لذلك ممهد ومفتوح، عليك أن تكون من عباقرة الفيسبوك أصحاب التحليلات والتخمينات والتنظيرات، أو أن تحاول عبر إعلانك الدائم للرفض لأي أمر وفي أي قضية أو موقف تتخذه الدولة والحكومة أن تكون في شهرة نشطاء السبوبة وأن تضع قدمك على طريق السبوبة.


راجعوا معي، بدأ الأمر بالتوك شو الرياضي، الذي حول المصريين الذين لم تكن السياسة من نطاق إهتماماتهم قبل 25 يناير إلى 80 مليون خبير رياضي ومحلل وواضع للخطط، ووصلنا إلى التوك شو السياسي الذي حول المصريين بدون وعي لكي يكونوا اليوم 92 مليون خبير سياسي واستراتيجي وأمني واقتصادي واجتماعي. ولما لا، وهم يشاهدون على مدار 5 أعوام ضيوفًا دائمين على برامج التوك شو قد لا يكونوا متخصصين في مجالهم يتحدثون ويفتون في كل شيء وأي شيء، المهم أن يكون ما تتحدث عنه ينتج فرقعة إعلامية يتم توظيفها عبر خطة محكمة لمصلحة إخفاء الحقائق والقبول بفكرة أن للجميع الحق في أن يتحدثوا في كل أمر ويحللونه ويبدون رأيهم فيه. أصبح لدينا مجتمعًا من الفتايين ينتقلون بأطروحاتهم من العالم الإفتراضي إلى برامج التوك شو، ويستغل ما ينشرونه بدون علم أو معلومات حقيقية نشطاء السبوبة ويعيدوا تدوير ما ينتجونه لكي يخدعوا المزيد من قطاعات المجتمع ويوقعوهم في شرك أكبر حرب نفسية وأكبر عملية تنميط عقلي تدار على الدولة المصرية، لينطلق القطاع المغرر به ليتحدث ويفتي هو الآخر بعد أن يتكون أفكاره قد سممت ولم يعد يقبل غير بالإستماع لمن هم على رأيه فقط دون غيرهم ويكون على إستعداد في هذا الإطار لتكذيب أي بيانات رسمية والسخرية والإستهانة بقادة دولته.  


تابعوا معي عملية التنميط العقلي عبر الفيسبوك والتي أنتجت لنا قطاعًا هذه هي أبرز سماته :


1-     السخرية الدائمة من البلد وقادتها، وإختفاء القدرة على تمييز الحقيقة المجردة لكي يحكموا على الصواب صوابًا والخطأ خطأ .


2-     الخبرة والفتي والهري في أي أمر، فهو خبير اقتصادي وخبير أمني وخبير سياسى وخبير في كل أمر، فالمهم أن لا تدع حدثًا يمر دون أن تنقد بلدك لنك أنت الوحيد الفاهم والواعي والمضطلع على كل الأسرار .


3-     مصر ليست في حساباتهم، فالأهم أن يكون هو على صواب حتى لو على حساب نشر أفكار أو أرقام أو معلومات قد تمثل ضررًا أكثر ما تعود بالفائدة على المصلحة الوطنية والقومية للبلاد.


4-     مخالفة التعاليم السماوية التي تدعو إلى إعلاء قيم التفاؤل والأمل في النفوس، فالأفضل بالنسبة لهم قتل الامل بداخلهم وبداخل متابعيهم، فالإحباط واليأس بالنسبة لهم عقيدة .


5-     قلب الآية فبدلًا من الحث على العمل وإعلاء قيم البناء، لا بد من إشاعة المعلومات المغلوطة للهدم وعدم الإنتماء، واستغلال الأحداث للسخرية وتحطيم بلد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ووعد بحفظها.


إذا طبقنا ما سبق على الإعتداء الخسيس والبغيض الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية، سنتمكن من فهم كثير من الجوانب التي مرت أمامنا دون أن نعيها، سنتفهم لماذا رفض قطاع من الشعب التصريحات والبيانات الرسمية التي جاءت على لسان السيد رئيس الجمهورية والتي أكدتها كل البيانات الرسمية للدولة، هل تعلمون لماذا؟ لأنه على مدار 24 ساعة منذ وقوع الإعتداء تم تنميط المجتمع على تصور معين لتنفيذ الإعتداء، وتبارى الخبراء الإستراتيجيون والأمنيون في وضع تصوراتهم وسيناريوهاتهم المسبقة غير المدعومة بمعلومات حقيقية، فهم ينتقلون من شاشة لأخرى، وفي وقت الفراغ يغردون على مواقع التواصل الاجتماعي ويدلون بأحاديث لمواقع إليكترونية تشير إلى صحة وجهة نظرهم، وسار خلفهم الكثيرون حتى وصل الأمر منذ بداية تحليل الإعتداء أن العبوة بلغ حجمها 12 كجم ووصلت قبل إعلان الرئيس أن التفجير تم عبر حزام ناسف إلى 45 كجم.


وفي إطار التنميط وعدم الثقة المستقرة في الوعي لأية بيانات رسمية، ذهبت قطاعات كثيرة لتكذيب ما ذكره الرئيس والبيانات الرسمية، بل بدأت بعض برامج التوك شو في سرد ما يكذب حقيقة ما ذكر وذلك بالحديث عن أن الإرهابي مختف قسريًا وأن أسرته لا تعلم عنه شيئًا منذ إحتفى، للأسف هذا ورد في إعلامنا، وهذا ما قام به خبراء التحليل ونشطاء السبوبة.


إلى أن جاء بيان داعش، لينطلق الخبراء الإستراتيجيون الأمنيون ليعيدوا تحليلاتهم من منطلق آخر يتوافق مع الحفاظ على تواجدهم على شاشة القنوات، فقالوا أن داعش تضرب في قلب القاهرة وان هذا يعد تغيرًا نوعيًا ونقلة في العمليات وأن التفجيرات الإنتحارية باتت أقرب إلى أن تهدد خياة المصريين وأنه لابد من مراجعة السياسات الأمنية العاجزة والقاصرة عن القيام بدورها، أفلم تروأ أن أجهزتنا الأمنية وما تضمه من إدارات للمعلومات قد تمكنت في خلال أقل من 24 ساعة من الكشف عن التصور الكامل للإعتداء بل والقبض على العناصر الرئيسية المشاركة فيه، لما لم يتفضل أحدكم ويشرخ للمواطن أنه في مقابل نجاح التنظيم الإرهابي للإخوان في النفاذ بهذه العملية فإنه في المقابل قد افشل الكثير من العمليات التي لم يتم الإعلان عنها لكي تتمتعوا يا مصريين بحياتكم العملية والترفيهية وتعيشوها بمعدلات أمن وآمان مقبولة. وبالتوازي مع الخبراء، نشط نشطاء السبوبة لكي ينتقموا من الدولة ويحموا التنظيم الإرهابي الذي أوصلوه ومكنوه من حكم مصر، فكان بيان داعش بالنسبة لهم مجالًا للسخرية من أنه لم يعد هناك فارق كبير بين القاهرة وبغداد ودمشق فداعش تضرب من قلب القاهرة، إنهم لا يسخرون من الدولة فقط ولكن يقدمون على ممارسة خدعة أكبر على الوعي العام الجمعي للمصريين بتكرار إستخدام داعش في تغريداتهم الإفتراضية، والتي سينقلها عنهم مريديهم، وذلك بعد أن أحكمت الدولة أدلتها التي تدين التنظيم الإرهابي والدول التي ترعاه، والذي يعملون لخدمتهم بناء على التوجيهات الصادرة لهم من مدبري أكبر مؤامرة على مصر من 25 يناير وحتى الآن.


بإختصار هذه هي النتيجة الحتمية للفوضى الإعلامية التي أدخلونا إياها منذ 25 يناير عن عمد وحتى الآن، ولا طريق لمجابهة هذا الأمر إلا بتفعيل القوانين المنظمة للعمل الإعلامي، والتي ستكون البادرة لعودة قدرة الدولة على السيطرة على مجال تم إستغلاله لخرق وتدمير وتنميط العقل والوعي العام للمصريين في أكبر عملية حرب معنوية ونفسية تستخدم أحدث تقنيات وأساليب حروب الجيل الرابع، ولكن يبقى القطاع الصلب من الشعب المصري هو الحامي للدولة المصرية وهو الظهير الشعبي لها لمواجهة كل هذا الكم من التزييف والتضليل، هذا الظهير الشعبي الصلب هو الذي تواجد في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية على مدار ثلاثة أيام بعد الإعتداء يعزون بعضهم البعض، ويؤكدون أن هذا الشعب لن يتمكن أحد من تفتيت قيمه الأصيلة، ولن ينجحوا في التفرقة بينهم على أساس الدين ولن يتمكنوا أن ينتزعوا المؤسسة العسكرية من داخله، فقط على الدولة أن تسارع بتفعيل القوانين الإعلامية التي يمكن أن تكون البداية لإعادة إصلاح ما تم تخريبه، كما أنها من المؤكد ستساعد الظهير الشعبي لها في معركته مع فتي الخبراء والسم الموجه الذي ينشره نشطاء السبوبة.