التوقيت الثلاثاء، 07 مايو 2024
التوقيت 01:33 م , بتوقيت القاهرة

في ذكرى وفاة الشاعر البندقية.. "نجم" معارك دائمة وعلاقات معقدة

كانت له معركته الخاصة دائما، معركة كان منحاز فيها للبسطاء أمثاله، ثورته كلمات وكلماته طلقات، تصيب كل من يقف حائل بين البسطاء وأحلامهم، وتصيب كل من "يغني" عليهم، لذلك كان دائما على يسار السلطة، وصفة السادات بالشاعر السليط، بينما وصفه أخرون بالشاعر البندقية، ولكننا عرفناه "فاجومي" أحمد فؤاد نجم.


منذ ولادته في 23 مايو عام 1929 بقرية أبو نجم بالشرقية، وحتى رحيله في 3 ديسمبر عام 2013، لم يترك الفاجومي فرصة لخوض معركة إلا ودخلها، غزا كل الأراضي التي كانت امامه، حتى بعدما سجن لأول مرة في قضية اختلاس، وخروجه بعدها وتعينيه موظفا في منظمة الشعوب الأفرواسيوية، واعتماده كشاعر في الإذاعة، كانت تلك الفترة الوحيدة التي يمكن اعتبارها هدنه في حياة نجم، هدنة انتهت بتحالف فني وفكري أثر في الحياة السياسية في مصر في واحدة من أهم فتراتها.


نجم والشيخ إمام


التحالف بين نجم والشيخ إمام عيسى، كان باب أوسع لمعارك من نوع أخر، معارك كانت الموسيقي والكلمات هما سلاحهم الأساسي، طالت أنغام إمام وكلمات نجم العديد من الرموز والشخصيات المصرية، وكانت معلقا وشاهدا على أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية في مصر.


احمد فؤاد نجم في إحدى مرات سجنه


نجم الذي قضى سنوات طويلة من عمره في المعتقلات السياسية، سواء في عصر عبد الناصر أو عصر السادات، لم يتوقف مرة عن اشعاره الهجومية، كان للسادات نصيب الأسد من هذا الهجوم وتلك الطلقات، فوصفه الفاجومي " بالغول الأنتيكة" ونعته بأنه " أسود زي الليل والهم".


وأيضا وصفه بـ "قوقة المجنون أبو برقوقة" كان نجم يرى السادات السبب الرئيسي في تدهور أحوال البلاد، ولم يعد موقفه منه بعد اغتياله في عام 1981، مثلما فعل مع جمال عبد الناصر حينما رثاه بقصيدة زيارة لضريح عبد الناصر والذي قال في نهايتها


"عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت
وان كان جرح قلبنا كل الجراح طابت
ولا يطولوه العدا
مهما الأمور جابت".


أم كلثوم


لم يكن السياسيين فقط هم من أطلق عليهم نجم كلماته، بل كان لعدد من الفنانين نصيب، وربما انفردت أم كلثوم بنصيب الأسد من هجاء نجم للفنانين، فخصص لها قصيدة حملت عنوان "كلب الست" والتي قال فيها 


"قصره يعني هي كلمة


ليها كلمة ف الحكومة


بس ربك لجل حكمة


قام حرمها م الأمومة


والأمومة طبع ثابت


جوه حوا من زمان


تعمل ايه الست


جابت فوكس رومي وله ودان".


إضافة إلى قصيدة الفوازير التي اختص بها أم كلثوم بمقطع قال فيه


"يا ولية، عيب اختشي
يا شبه إيد الهون
ده انتي اللي زيك مشي
يا مرضعة قلاوون
مدحتي عشرين ملك
وميت وزير ورئيس
مروان، وعبد الملك
والمفتري، وعتريس
بتغني بالزمبلك؟ ولا انتي صوت إبليس
من أول المبتدأ
حتى نهاية الكون؟".


حليم


أيضا عبد الحليم حافظ كان له نصيب في فوازير نجم إذ قال فيه


" لماليمو الشخلوعة الدلوعة الكتكوت
الليله هـ يتنهد ويغني ويموت
يشيلوه قال على لندن
علشان جده هناك
من بعد ما يتلايم
علي دخل الشباك
ويهرب أموالك
ويقولك أهواك
يا شعب يا متلوع
ع الهدمة وع القوت".


بينما هجا نجم شعراء ومثقفين أخرين كان على رأسهم عبد الرحمن الأبنودي ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، ولكن علاقة نجم وصلاح جاهين علاقة معقدة ومركبة للغاية، عقب اغنية الدنيا ربيع التي كتبها صلاح جاهين، هجاه نجم في الفوازير قائلا:


" شاعر بيتخن من بوزه
ممكن تخوف بيه عيالك
نازل يقزقز أزا أوزو
حتتك يمينك وشمالك
بقى مليونير، واللي يعوزه
يلقاه في إيده، عقبالك
وخلي بالك من زوزو
وخلي زوزو من بالك".


جاهين


ولكن بعد فترة اصابت جاهين أزمة صحية خطيرة وسافر لإجراء عملية قلب مفتوح في الولايات المتحدة الامريكية فكتب له نجم قصيدة قال فيها


" حمد الله ع السلامة .. وسلامتك يا جميل 

ياريته كان ف قلبي شريانك العليل 

نفسي أكتبلك قصيدة  زيك ملهاش مثيل

حراقة وبنت نكتة أزعة وبلسان طويل

وتكون بعيون كحيلة فيها حزن الأصيل

ع الشاعر اللي ولى والشعر السلسبيل

الله يرحم زمانك يا شاعر يا علم 

حمد الله ع السلامة وسلامتك م الألم

امبارح كنت سابح في بحورك الزلال

اشرب واطرب واصحصح من خمرك الحلال

قابلتني موجة شاردة من موال الكلام

وتراب دخان وصورة للسد وللرجال

قال وانت في شكل غنوة بتحمس للنضال

فزيت من حلمي صاحي عاوز اسألك سؤال

قلبي انخطف وراحلك على جناح المحيط

شوف قد ايه بحبك 

شوف قلبي البسيط".


حتى بعد وفاة جاهين كتب نجم قصيده واهداها له قال فيها :


" تحت السواهي أمير الدواهي

الطفل الالهي العجيب السمين

شبيه البسين او مصانع يسين

مزوق ف قلبه عروسة لأمينة

وراسم ف عقله أمينه لأمين

وبيحب وردة وبيشم فلة

ويفطر فلافل ويشرب ف قلة

وممكن يدوب جوا منظر طبيعي

وممكن يباكس حيطان المجلة

مع انه بن باشا وراضع بغاشة

ومتربي جدا وعيب يا نداشة

وماذا وإلا  لكن لكن  صلاح جاهين

الطفل الالهي الخبيث اللعين

اختار يبات الخريف على الرصيف بردان

عشن ما ياخد شعاع الفجر بالاحضان

ويبوس دموع الندا فوق الصباح هلا

ويشوف عيون البلد من الجحور طلا

ويطمن الخايفين بالضحكة والتفانين

ويغني للعاشقين ع الطبلة والبيانولا” 


نجم وبناته


نجم الواقف على أرض صلبة كان ينفرد بهذا القاموس الشعبوي الواسع، وقدرته على التعامل مع كل المواقف وكل الاحداث، حينما جاء نيكسون لزيارة مصر أطلق نجم رصاصته لتصيب الجميع " شرفت يا نيكسون بابا"، حينما ارتفعت الأسعار في عهد سيد مرعي كانت كلمات نجم بالمرصاد " عن موضوع الفول واللحمة"، ليتحول نجم من شاعر ثوري ومعارض، لصوت دائم التردد في الشارع المصري، لشاعر بطل شعبي أشبه بأبطال السير الشعبية، يلتف حوله الجميع ويرى فيه البسطاء أحلامهم وصرختهم، نجم لم يقتله التعذيب ولم يقلق منامه السجون بكلماته فقط، استطاع نجم أن "يقلق منام" 4 أنظمة سياسية متعاقبة على مصر، ليصبح هو البندقية، والسوط، والصوت في كثير من الأحيان.