التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 08:35 ص , بتوقيت القاهرة

"وسع يا جدع.. إحنا بتوع أوتوبيس الحريات"

تتكرر في مصر الأزمات المفتعلة، وما بين الأزمة والأخرى، تتكرر نفس الوجوه، رافعة لواء الحريات وحقوق الإنسان، إنها نفس المجموعات التي تعمل كالترزي لتفصل المصطلحات على حسب الأزمة، تضيقها وتضيقها حتى تكاد تخنق نفسها بأيديها، مجموعات لم تستوعب حجم الوعي الذي تنامى لدى القطاع الأعظم من المواطنين بأدوارهم المغرضة، مجموعات تحتكر لنفسها حق أن ترتدي ما تفصله حسب هواها من بوتيك الحريات وحقوق الإنسان.


ما من أزمة مر بها المجتمع المصري منذ يناير 2011 وحتى الآن، ومعظمها بالفعل أزمات من صنعهم، إلا ونجدهم يتصدرون المشهد، يخالفون الحقائق، يلوونها ويتلذذون وهم يخطبون في الجماهير التي يتوهمون أنها تتابعهم، ومن على المنابر تنطلق حناجرهم بالإشتياق للحريات الغائبة، قبل يناير 2011 كانت هتافاتهم ترتكز حول "يا حرية فينك فينك أمن الدولة بيننا وبينك"، وجاءت يناير 2011 ليتمكنوا عبر مخطط خبيث من تفكيك جهاز أمن الدولة بل ومحاولة هدم جهاز الشرطة بالكامل، وأعادوا – ونقبل أنها تمت بحسن النية –  إلى الخدمة ضباط ملتحين وأمناء شرطة فاسدين، وتسببوا في كوارث مازال يعاني منها هذا الجهاز حتى الآن وهو يعافر من أجل إستعادة عافيته لتوفير الأمن والأمان للمواطن وللوطن، ولكنهم لم يكتفوا بذلك بل هناك حالة تصيد لخطأ قد يقع من فرد أمن أو ضابط هنا أو هناك في محاولة لإستكمال مخطط هدم هذا الجهاز، وكأنهم ينتمون لمهن مقدسة يمارسون خلالها أعمالهم وفقًا للضوابط والتقاليد، أفلا يعقلون أن كل مهنة بها الصالح والفاسد؟، أفلا ينتبهون أن بينهم من يمارس فسادًا سيأتي اليوم الذي يحاسب فيه على ما ارتكبه؟، لا لن ينتبهوا فهم يريدون القضاء على هذا الجهاز وإفشال وإفساد العلاقة بينه وبين الشعب العظيم. ليتهم يكتفون بذلك، ولكنهم حولوا هتافاتهم مؤخرًا إلى وجهة أكثر خطورة، وطوروا هتافهم السابق ليصبح "يا حرية فينك فينك حكم العسكر بيننا وبينك"، وهنا تتضح أكثر أبعاد ما يهدفون إليه إنه القضاء المنظم على الأجهزة الأمنية المنوط بها الدفاع عن الوطن وحماية أمنه القومي الذي جوهره هو الأمن الشامل للمواطن المصري والعمل على تنميته وفقًا لما يتوافر للدولة من موارد.


يتأكد ذلك من خلال الإجتماع أو المؤتمر الذي عقدوه في نقابة الصحفيين يوم أمس، لا يهم المسمى فالداعين لم يهتموا أن يوضحوا لنا ما الغرض من الاجتماع لأنهم لا يعرفون ما الداعي لعقده أصلًا إلا تشويه الدولة أمام مراسلي وكالات الأنباء وإنطلاق مجموعة من الهتافات الحنجورية التي تؤكد للبعض أنهم مازالوا على قيد الحياة.


رسائل على الهاتف المحمول لأعضاء الجمعية العمومية بنقابة الصحفيين تصل إليهم يوم الثلاثاء، تحت عنوان أنصر نقابتك، لم تتضمن نصًا واضحًا إلا الإشارة إلى مناقشة الأوضاع المعيشية الصعبة لجموع الصحفيين، لم أتبين ما العلاقة بين أن أنصر نقابتي ومناقشة الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، اللهم إلا لو كان الأمر مقصودًا به أن أجمع أكبر عدد ممكن من قطاعات الجمعية العمومية لمناقشة أزمة كبرى تمر بها قطاعات كبيرة في الدولة تعرف بالطبقة الوسطى بمختلف درجاتها، أزمة تتعلق بأوضاع صعبة حقيقية كتب علينا جميعًا أن نتحملها وأن نبحث عن حلول منطقية لها من أجل بناء مستقبل أفضل لأبناء المجتمع المصري ككل ولأبناء الطبقة الوسطى بالتحديد، ثم يتم إستغلال هذا التجمع لغرض أنصر نقابتك.


ولا يختلف صحفي مصري على مناصرة نقابته، ولكن لا يمكن لجموع الصحفيين أن ينصروا بعض أعضاء مجلس النقابة فيما ذهبوا إليه منذ البداية من التستر على مطلوبين للعدالة وإيواءهم داخل مقر نقابتنا، لا يمكن لجموع الصحفيين أن ينصروا بعض أعضاء مجلس النقابة سبق وأن زيفوا الرأي العام الصحفي والرأي العام للمصريين بدعوى عقد إجتماع جمعية عمومية للنقابة خرجوا بعدها بمجموعة من المطالب التي لا تعرف شيئًا عن فن إدارة التفاوض والأزمات دفعتهم ودفعت جموع الصحفيين إلى صدام مباشر مع مؤسسات الدولة من مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لا يمكن لجموع الصحفيين أن ينصروا بعض أعضاء مجلس النقابة بعد أن وضعوهم في مواجهة مباشرة مع الرأي العام الشعبي الذي بات يتندر بنا وبأدوارنا بما أفقدنا هيبتنا وكرامتنا بل ووضع الكثير من علامات الإستفهام حول الدور الوطني العظيم الذي طالما لعبته النقابة لمناصرة قضايا الوطن في لحظاته المصيرية، لا يمكن لجموع الصحفيين أن ينصروا بعض أعضاء مجلس النقابة أصروا أن يتجاوزوا على تاريخ عظيم لرموز وشيوخ المهنة في بناء النقابة وتفعيل دورها المهني والنقابي بمعناه الحقيقي.


عندما إجتمع الصحفيون في منتصف التسعينيات للتصدي لقانون أراد النظام السياسي فرضه على النقابة وعلى جموع الصحفيين، فقد كان هذا التجمع بدافع الحفاظ على النقابة وعلى المهنة والتأكيد على أن مناقشة تطوير العمل النقابي والمهني ينبغي أن تنبع من داخل الجماعة الصحفية، لم تكن هناك ملامح قد تشكلت لتيار سياسي واحد يختطف النقابة بعيدًا عن دورها الطبيعي، بل كانت هناك رموز صحفية من شيوخ المهنة أدارت عملية التفاوض مع الدولة وفقًا للآليات الشرعية ودون أي محاولة للمتاجرة أو تزييف الأحداث.


وبالأمس كان الإجتماع، ليستكمل عدد من أعضاء المجلس مخططهم لإختطاف النقابة تحت الشعار الأزلي "إحنا بتوع الحريات"، ليستكملوا ما بدأوه منذ أن تفجرت الأزمة في مايو الماضي، والإدعاء بأن الحكم على السيد النقيب وإثنين من أعضاء مجلس النقابة يأتي إستكمالًا لمسلسل الإعتداء على الحريات النقابية وعلى حرية الرأي، وتنطلق الأفواه الحنجورية بتصريحات ولا أعجب عن توحش السلطة وإستقواءها أمنيًا ومهاجمة كل مؤسسات الدولة والتطاول على كل رموزها، هل هذا هو المشهد الذي كنتم تريدونه من أجل المتاجرة به أمام وكالات الأنباء وشاشات الفضائيات التي تم حشدها لتصوير نعش حرية الرأي والصحافة وهو يتجول أمام النقابة ثم يدلف داخلها لتبدأ سلسلة المهرجانات والتصريحات العنترية؟، هل لم تستوعبوا أن الأمر كان يتطلب منكم تحركات على مستويات مسئولة من العمل النقابي والمهني لمواجهة مخاطر حقيقية تحيط بالمهنة وأبناءها؟، ألم يكن من الأجدى بعد عامين من بقاءكم في مناصبكم أن نشهد دعوة لمؤتمر مهني وأكاديمي يناقش أوضاع الصحافة الورقية وما يعترض مستقبلها من تهديدات من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويناقش المشاكل الإدارية الهيكلية في كافة المؤسسات القومية، ويبحث بجدية في آليات توفير سبل حقيقية للتدريب والإرتقاء بالمستوى المهني لشباب الصحفيين لزيادة ميزتهم التفضيلية في سوق العمل الداخلي والخارجي والإرتقاء بأوضاعهم المعيشية؟، ألم يكن من الأجدى ونحن مقبلون على إنتخابات في مارس القادم مراجعة جداول المقيدين في النقابة والتي شهدت تضخمًا غير مبرر بإضافة ما يقرب من ثلاثة آلاف عضو في فترة زمنية لا تتجاوز العامين وهو مطلب رئيسي لجموع الصحفيين؟، ألم يكن من الأجدى حماية النقابة من وجود عناصر تنتمي لما يعرف بالقوى السياسية الإحتجاجية غير المنظمة قانونًا تمارس أنشطتها داخل حرم النقابة وتمنع الكثير من الصحفيين من التوجه إلى نقابتهم خشية الدخول في صدامات لا مبرر لها تزيد من الوضع إشتعالًا؟، ألم يكن من الأجدى الإمتثال لأحكام القضاء واللجؤ إلى درجات التقاضي الطبيعية دون الدخول في صدام مع السلطة القضائية وإستثارة المشاعر ضدها؟.


والسؤال، ألا يوجد بينهم عاقل يوضح لهم أن الحكم تم بناء على مخالفة جنائية لا علاقة لها بحرية الرأي أو حرية العمل النقابي، بدلًا من هذه المندبة التي تمت على أمر غير موجود إلا في خيالات من يرغب في صنع صدام دائم مع مؤسسات الدولة وتوتير العلاقة بين نقابة كانت وستظل في القريب العاجل السند للدولة الوطنية على مر تاريخها؟. المؤكد أن عددًا ليس بالقليل من أعضاء المجلس لا يشعرون بالرضا عن ما تم خلال إجتماع الأمس، والمؤكد أن الجماعة الصحفية تملك قرارها وإرادتها لتغيير هذه الأوضاع الكارثية، فلا أحد إعتدى على حريات ولا أحد أغلق صحفًا أو محطات ولا أحد منع من الكتابة على الرغم من إمتلاء كافة المنتج الصحفي والإعلامي مؤخرًا بكل ما يشيع اليأس والإحباط، ويبث الفرقة، ويحض على تصديق الشائعات.


لن تصدقوا إلا أنفسكم لأن هذا عهدنا بكم، تتصورون أن الحسابات القديمة لشلة عفى عليها الزمن من المتربحين بالأفكار الإشتراكية واليسارية ستظل هي القائمة، ولن تفيقوا إلا مع إرادة التغيير للجماعة الصحفية الحقيقية لا التي تجتمعون بها يوم أن تقرر الخلاص من كل هذا الشر والزيف الذي تمارسونه، مارس القادم موعد الجماعة الصحفية في إجتماع جمعيتها العمومية لكي تدركوا أنكم لم تمثلوا إلا على أنفسكم، يومها سيقول الصحفيون المصريون كلمتهم أمام العالم أجمع ويومها ستتكشف حقيقة أوتوبيس الحريات الذي تسلل إلى نقابة الصحفيين في غفلة من الزمن.