أن تعيش وحيدا

تُفرق اللغة والأديان والموقع الجغرافي ولون البشرة والجنس بين بني الإنسان وتجمعهم المشاعر. بغض النظر عن جنسك أو لون بشرتك أو موقعك الجغرافي أو دينك أو لغتك ستشعر بالجوع مثلك في ذلك مثل باقي بني الإنسان كما ستشعر بالغضب والارتياح والحب والألم والحزن والسعادة.. والوحدة.
الوحدة على عالميتها إلا إنها شخصية جدًا. فالوحدة مشاعر مُعقدة يختلف الشعور بها بين شخص وآخر. يمكن القول إنه بصفة عامة الوحدة وَحشة. يشعر بها الأشخاص بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية. فالمتزوجون يشعرون بالوحدة مثلهم في ذلك مثل غير المتزوجين. وأصحاب الوظائف المرموقة يشعرون بالوحدة مثلهم في ذلك مثل أصحاب الوظائف الهامشية. فكلنا يشعر بالوحدة في لحظة من لحظات حياته.
يظن البعض أن مشاعر الوحدة تظهر حينما لا يجد الشخص من يشاركه أحزانه. ولكنّها في الحقيقة مشاعر لا ترتبط بالضرورة بالحزن. فالحزن، خصوصًا الواضح منه، يجتذب التعاطف والدعم حتى من الغرباء. يمكن أن تطارد مشاعر الوحدة الشخص "السعيد" لأنه، وببساطة، لا يجد من يشاركه تلك السعادة.
أن تكون وحيدًا ليس له علاقة بوجودك بصحبة أشخاص. فالأشخاص الذين يشعرون بالوحدة يطاردهم هذا الشعور حتى وإن أحاطهم المئات. فالوحدة ليست في الانعزال، الوحدة في ألا تجد الأمان الذي تريد فيمن يحيط بك.
الوحدة عرض ومرض. عرض لأن هناك في حياتك ما يحتاج للتغيير ومرض لأن الوحدة من المشاعر "المعدية" التي تنتقل بين الأشخاص مما يحولها لظاهرة اجتماعية.
تختلف "مثيرات" الوحدة من شخص لآخر، مثلًا تغيير مكان السكن أو الهجرة أو مشاكل العمل أو حتى التنقل بين الوظائف. فقدان شريك سواء بالموت أو أسباب أخرى من أكثر مثيرات الوحدة شيوعًا، فالوحدة من متلازمات الفقد.
وكما تختلف مثيرات الوحدة من شخص لآخر يتراوح تأثيرها على الأشخاص باختلافهم. بدءًا من التأثير على اتخاذ القرارات الرشيدة إلى الإصابة بأمراض القلب والاكتئاب وأحيانًا الانتحار.
الوحدة مشاعر شديدة الأذى إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.
أول الطرق الحكيمة للتعامل مع الوحدة هو الاعتراف بها. فتحديد المشاعر بدقة والاعتراف بها يُسهل التعامل معها. بعد التعرف على المشاعر والاعتراف بها يجب البحث في مسبباتها والتعامل معها سواء بالإنهاء أو التحييد. ولوحظ أن الانخراط في نشاط تطوعي يقلل من الوحدة ومن مسببات السعادة. وكذلك الاستثمار في علاقات إنسانية جيدة وقطع العلاقات المستهلكة للطاقة.
أما إن لم تنجح كل الطرق لمقاومة مشاعر الوحدة فلا يوجد ما يمنع من التسليم لها، بشرط أن تتذكر أن الوحدة حالة ذهنية مثلها في ذلك مثل باقي المشاعر، وهي مهما طالت مؤقتة.
يأسك وصبرك بين إيديك .. إنت حر!***