التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 08:28 ص , بتوقيت القاهرة

"في الشعر الجاهلي".. معركة طه حسين الفكرية

كتب- محب جميل:

أدرك طه حسين منذ البداية أن كتابًا كهذا سيواجه بالسخط وعدم الرضا. "في الأدب الجاهلي" أو"في الشعر الجاهلي" سابقًا، حجر ألقاه طه حسين في المياه الراكدة. أخضع الأمور بأكملها لميزان العقل الحساس، وأعاد تكرار نظرته إلى بواطن الأمور. طه حسين هنا يضرب بعصا الشك "الديكارتي"، يبحث في الشعر الجاهلي، ويخبرنا أن هذه القصائد منحولة (لا تنتمي لقائلها) وأنها كُتبت بعد الإسلام ثم نُسبت إلى شعراء ما قبل الإسلام.

طه حسين أحد هؤلاء العرابين الذين يفتشون عن جوهر الأشياء ومعدنها، عن ماهية الأشعار ومدى صحة سندها التاريخي وموقعها من بنية الراوي. كان الكتاب فتحًا جديدًا، كتلة حرجة من الشك لم يعتد عليها أدباء وعلماء تلك الفترة، فانهالت ضده المعارضات والمغالطات حتى تم تقديمه للمُحاكمة بتهمة الإساءة إلى الدين.

-كتاب في الشعر الجاهلي (1926)

تطرق عميد الأدب العربي في الكتاب إلى عدّة نقاط أساسية منها: لغة الشعر، والزمن الذي كُتبْ فيه هذا الشعر، ولماذا كُتبْ. لكن النقاط الشائكة كانت هل شعراء ما قبل الإسلام حقيقة أم خيال؟ هل امرؤ القيس لم يكن على قيد الحياة عندما كتب قصائده؟ لكن يُلاحظ أن هذه الحلقة من الشك متواصلة حيث كل نقطةٍ تقود للأخرى. كانت محاولات طه حسين خلال البحث أشبه بالمرآة، حيث يخضع الحياة الجاهلية إلى القرآن على اعتباره المرآة الأصدق والأدق. لقد أدرك العرب في الجاهلية لغة القرآن بل ووقفوا عند معانيه لذلك أدركوا إعجازه.

ومن هنا ظل طه حسين يحفر خلال الكتاب البحث عن أصول العرب بين قحطان وعدنان، بين إسماعيل بن إبراهيم أول من تكلم العربية ونسي لغة قومه، وأنه ساعد والده في بناء الكعبة.

لكن الملاحظة الأغرب كانت موقف الشعر من الحياة الدينية لدى الجاهليين، فقد رأى العميد أن الشعر في تلك الفترة لم ينجح في تصوير البُعد الديني في حياتهم اليومية وبخاصة خلال الحروب، فكيف لتلك القبائل التي حاربت من أجل معتقدها الدينية ألا تُظهر في قصائدها ما يُبرزْ ذلك. وكانت من ملاحظته أيضًا أنه لا يمكننا أن نثق بشكل مطلق في الأشعار المنقولة عن طريق الرواية والفكاهة واللعب والسمر والحديث.

من بين مرتكزات الكتاب مسألة العصبية القبلية (Tribalism)، فقد كان مُلوكْ بني أمية بأمسّ الحاجة إلى الشعر لتقوية حكمهم، فنظموا الشعر ونسبوه إلى شعراء قدامى. أحيل طه حسين على النيابة إثر إصدار هذا الكتاب، وجاء قرار النائب العام وقتها محمد نور الدين بحفظ القضية لعدم ثبوت القصد الجنائي من الاتهامات المنسوبة لمؤلف الكتاب، موضحا أن القصد كان البحث عن الحقيقة، وما ورد من المسائل إنما كان بغرض الاستشهاد لا بغرض الاعتقاد فيها.

وافق طه حسين بعد ذلك على تعديل اسم الكتاب إلى "في الأدب الجاهلي"، وفي 3 مارس عام 1932 نُقل طه حسين بقرار من وزير الأوقاف وقتها حلمي عيسى، من الجامعة المصرية إلى العمل مستشارًا للوزارة، ووقتها قدم مدير الجامعة آنذاك أحمد لطفي السيد استقالته بسبب التدخل في شؤون الجامعة، وعدم الأخذ بمشورة مجلسها في نقل أحد أعضاء هيئة التدريس.

لكن حسين عاد في الجزء الأول من كتابه "حديث الأربعاء" ليقدم مقالاً ساخرًا عنه بعنوان "ساعة مع عنترة". ويتفق مجلس الوزراء مرة أخرى مع وازرة المعارف على إصدار قرار بفصل طه حسين من الأخيرة في 20 مارس عام 1932. 

بعد أن فُصل طه حسين من وزارة المعارف، عاد إلى الجامعة مرةً أخرى، وترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب وزير المعارف. فضلاً عن مكانته الأدبية على الساحتين العربية والعالمية.