بين الحلم والطموح

في وقت ما في تسعينات القرن الماضي وفي مكان ما في كلية تجارة جامعة عين شمس، حيث كنت أدرس، طرح أحد أستاذتي سؤالًا، سيصبح لاحقًا من كلاسيكيات أسئلة المواقف الدقيقة. سألنا الأستاذ: أين ترى نفسك بعد عشرة سنوات؟
يتكرر هذا السؤال في مقابلات العمل، وفي أحاديث المصير مع الأصدقاء وفي وقفات تقييم الأداء الشخصي الدورية. تظن حين تجيب هذا السؤال المرة تلو المرة أن الإجابة تحدد شكل طموحك. في حين أن السؤال صُمم ليحد الحد بين الطموح وأحلام اليقظة.
يتميز الطموح عن أحلام اليقظة بالتخطيط. فالحلم لا يتحول من حلم إلى هدف إلا إذا كان مصحوبًا بخطة واقعية وقابلة للتفيذ ومحددة الوقت. دون هذا التخطيط لا يمكننا إعتبار الأحلام أهدافًا أو طموحًا.
يأتي الطموح على قمة صفات الأشخاص "الناجحين". ففلان ناجح لإنه "طموح" وفلانة ناجحة لإنها تنتقل من تحقيق هدف للهدف الذي يليه. وحتى تصبح "ناجحًا" مثل هؤلاء يجب أن تكون "طموحًا" مثلهم. يجب أن تعرف جيدًا ماذا تريد وتذهب إلى "تحقيقه" دون هوادة!
لكن! إن تبعت فقط ما تريد قد تنتهي حيث لا تريد. لإن طريق "ما تريد" مفروش "بالضرورات التي تبيح المحظورات". والمحظورات تعيش حيث لا تسكن الأحلام والطموح.
فمثلًا، حلم الثراء السريع قد يؤدي بك للحياة ثريًا خلف قضبان السجن. كما أن حلم "الحب والزواج" قد يؤدي بك إلى حياة من الوحدة.
يقع الأشخاص في الحب تحت تأثير سؤال "ماذا أريد؟". تتغير إجابة "ماذا أريد؟" حسب المرحلة العمرية وبإختلاف الخبرة. تريد الطفلة تحقيق حلم "أميرة القصص". تريده أميرًا كما تريده أن يختارها مثلما إختار الأمير سندريلا. وتريد فستان كفساتين الحكايات. تكبر الطفلة ويتغير حلم "أميرة القصص" ليصبح أكثر واقعية. تبحث الفتاة عن قصة حب تشبه قصة حب طالما تخيلتها. وتبحث عن شاب يحمل أكبر عدد من الصفات التي طالما تمنتها في زوج. يبحث الرجل عن "المرأة الحلم" ويعد هذه المرأة "الحلم" بالعلاقة "الحلم". تجمعهم إرادة "حلم" مشترك. لكن الإشتراك في "الحلم" لا يضمن أبدًا ألا يتحول إلى كابوس.
يعلم كلٌ منهما جيدًا ماذا يريد من العلاقة ومن الشريك. يتنازل كلٌ منهما طوعًا عن أجزاء من "حلمه" من أجل الحلم المشترك. وفيما يدور "فصال" الموائمة يقع أحدهما أو كلاهما في "المحظور". والمحظورات تسكن حيث لا تريد أن تكون.
ستنتهي العلاقة بأن تتحول من العلاقة الحلم إلى العلاقة الكابوس. ويتحول الشخص من الشخص الحلم إلى شخص لم تعرفه أبدًا. لإنك أهملت السؤال الأهم في التخطيط لتحويل الأحلام لطموح، ماذا "لا" أريد أن أكون!