التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 01:28 ص , بتوقيت القاهرة

"الزيني بركات" أشهر البصاصين في تاريخ الأدب

كتبت- ياسمين المساوي:

عانى جيل الستينات من الرقابة، والتعامل البوليسي، ومبدأ "البصاصين" أو "العصفور" التي ربما تجده حولك من عدة اتجهات، بدايةً من المنزل مرورًا بالمدرسة والجامعة والعمل.
كتب "جمال الغيطاني" روايته الزيني بركات لتُصبح من أقوى الروايات في الأدب العربي للقرن العشرين التي ناقشت فكرة "العصفورة" ولكن في الفترة المملوكية التي وجدها الكاتب تشبه فترة الستينات التي كثرت فيها شخصية العصفورة.


رواية الزيني بركات


رواية "الزيني بركات" رواية تاريخية رصدت ما يقرب من 11 عامًا من التاريخ ونهايتها كانت بنهاية سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، وهي الفترة التي عانى فيها الشعب من قسوة السلطان وافترائه وصراع الأمراء على الحكم والوصول إلى السلطان واحتكار التجار للبضائع ولم تخلو من عيون البصاصين الذين لعبوا دور هام في تلك الرواية بنقل الأحاديث وتسيير الأمور.


هو مين الزيني بركات؟

شخصية "بركات بن موسى" الملقب بالزيني وبطل الرواية، كان شخصية حقيقية رآها "الغيطاني" في كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور للمؤرخ ابن إياس.

كان الزيني واليًا للقاهرة، وامتاز بالعفة والأمانة والنشاط والحماسة وعدم محاباة من لديهم مصالح شخصية، لذلك اطلق عليه السلطان لقب "الزيني"، ولكن من أجل ان يحافظ الزيني على ولايته ويدير شئون الولاية بشكل حازم ويتابع كل شخص على حدة ويمنع السرقات ونهب التجار، كان لابد ان يعرف ما يدور بداخل كل البيوت وفي كل الشئون، وهنا تبدأ أحداث الرواية حول كبير البصاصين الذي لعب دوره باتقان وكان "عصفورة" الوالي وعينه التي يرى بها كما لوكان لديه بلورةً سحرية.
وكان دور كبير البصاصين يشبه أجهزة المخابرات حاليًا وكان هو الآخر لديه من يجنده ليرصد جميع الأحداث دون أن تفوته إحداهما، وكان كبير البصاصين يبث الاشاعات والفتن بين طوائف الشعب لخدمة مصالح الوالي والسلطان.
ولكن سرعان ما تتحول شخصية الزيني بركات "الحمل الوديع" إلى رجل قاسي يعذب مساجينه بل ويسجن البعض إفتراء من اجل مصالحه الشخصية، الأمر الذي وصل به إلى قطع رؤس ثلاث فلاحين وتعليقهم على بوابة السجن.
وكان الزيني بركات قد كون تحالف مع زكريا بن راضي كبير البصاصين، للبص على الناس وتحديد نظام دقيق لمعرفة خبايهم ومصادر أموالهم، ووصل به الأمر إلى انه حصر الشعب في عدة قوائم، وكان يعقد اجتماع بصفة دورية يجمع فيه كبار البصاصين ومندوبينه في الولاية مع كبار البصاصين في الولايات والممالك والإمبراطوريات الاخرى لتناوب الخبرات في البص والتجسس.


لماذا كتب الغيطاني رواية "الزيني بركات" ؟


لم تكن الرواية هي وليد الصدفة، فقد جاءت لعوامل عدة، أهمها _حسبما قال الكاتب جمال الغيطاني_ تجربة معاناة القهر البوليسي ووجود عنصر "العصفورة" بشكل دائم وظاهر في الجامعات خاصةً لحذر انشطة طلابها ومتابعتها خلال فترة الستينيات، وبعد تجربة الزعيم جمال عبد الناصر التي هدفت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وأحلام البسطاء، فكانت تلك الرواية كلمة حق من أحد جيل الستينات لتكون علامة في تلك الحقبة الزمنية.
وكان الغيطاني قد عانى كثيرًا في تلك الحقبة مما يراه من التحكم البوليسي المُفرط فيه ويعتبر بمثابة شاهد على تلك الأحداث، وهذا ما قربه بشدة من قرأة التاريخ، وقد وجد في الفترة المملوكية تشابهًا كبيرًا بينها وبين فترة الستينات.
وكان الغيطاني مهمومًا بهاجس الرقابة والمطاردة قبل أن يدخل المعتقل، فكتب العديد من القصص القصيرة عن السجن، وحين دخوله المعتقل لم يتفاجئ بالأحداث.


"عن جمال الغيطاني "


جمال أحمد الغيطاني علي، من مواليد سوهاج عام 1945، نشأ في منطقة الجمالية بالقاهرة القديمة، درس فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان في مدرسة ثانوية فنية، عمل رسامًا للسجاد الشرقي في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي، وكان مفتشًا على مصانع السجاد في القرى الصغيرة زار خلال تلك المهنة العديد من محافظات مصر إن لم تكن كلها، أعتقل في عام 1966 بتهمة الانتماء إلى تنظيم ماركسي سري، وتعرض خلال فترة اعتقاله التي دامت لستة أشهر فقط إلى التعذيب والحبس الإنفرادي.
عمل مديرًا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وعايش العمال والحرفيين، وبعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي والذي كان رئيسًا لمؤسسة اخبار اليوم أن يعمل معه بالصحافة.
بعد فترة أقضاها في سيناء أثناء الحرب بين مصر واسرائيل وعمل العديد من التحقيقات من هناك، قرر ان يكون المحرر العسكري لجريدة الأخبار.
وفي عام 1985 أصبح كاتب فقط بها، ثم أصبح رئيسًا لتحرير "كتاب اليوم"، ثم رئيسًا لتحرير أخبار الأدب في إصدارها الأول عام 1993.


"مسلسل الزيني بركات"


أخرج يحي العلمي رواية الغيطاني، وكان المسلسل من بطولة أحمد بدير ونبيل الخلفاوي وجليلة محمود، سيناريو وحوار محمد السيد عيد، أشعار سيد حجاب، والموسيقى لعمار الشريعي.


يعتبر مسلسل "الزيني بركات" أحد المسلسلات التاريخية التي غطت كل جوانب المجتمع المصري في زمن المماليك وعيون البصاصين، انتج عن اتحاد الاذاعة والتليفزيون سنة 1995.
جسد الفنان "نبيل الخلفاوي" شخصية كبير البصاصين زكريا بن راضي، والذي كان يتدخل في شئون الجميع ويبص عليهم ويتجسس من أجل اخبار الوالي بجميع الشئون أولًا بأول.
ترك المسلسل بصمته في المجتمع المصري، وكانت من أبرز الشخصيات في المسلسل، شخصية "شواهي" والتي جسدتها الفنانة تهاني راشد، والتي كانت دائمًا توقظ ضمير زكريا بن راضي كبير البصاصين، وكان تظهر بعصاها وشكلها المخيف لتخيفه من مستقبله الذي بانتظراه بعد كل ما يفعل، فكيف يقابل ربه؟!
وكان الفنان رشوان توفيق يجسد شخصية الشيخ أبو السعود الجرحي الذي يستنكر وجود الحكم العثماني ويحث الجميع على الثورة ضده.