التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 10:20 م , بتوقيت القاهرة

هل نحتاج إلى ثورة جديدة؟

الدعم الخليجي تقلص.. السياحة مازالت في غرفة الإنعاش.. الصادرات المصرية انخفضت.. عائدات قناة السويس تراجعت؛ بسبب اشتعال الأوضاع العالمية والإقليمية في محيط القناة.. الجنيه يحاول أن "يصلب طوله" أمام الدولار.. نبرة الغضب من أداء الحكومة تتصاعد؛ لإخفاقها في تحقيق آمال وطموحات الشعب.
 
باختصار.. أحوالنا الاقتصادية لا تخفى على أحد.. وكما يقول المأثور: "إللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى". لكن علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن بحاجة إلى ثورة "هدم" تضيف أعباءً على أعبائنا، أم ثورة "بناء" وفكر تعيدنا إلى المكانة التي نستحقها؟
 
لقد جربنا الثورة في 25 يناير 2011، فماذا كانت النتيجة.. أطحنا بنظام استمر في الحكم طوال ثلاثين عامًا؛ لكننا اكتشفنا- فيما بعد- أننا استبدلنا أشخاصًا بأشخاص، ونظامًا فاسدًا بنظام إقصائي، إرهابي.. لماذا؟ لأننا لم نكن الأكثر تمويلًا، ولا الأكثر تنظيمًا، وهي الأمور التي كانت تصب في صالح "الإخوان"، وما يسمى بتيار "الإسلام السياسي"؛ فتحكموا في الثورة، وانحرفوا بها عن مسارها الذي كنا نأمله.
 
وما أن لبثنا في تصحيح مسار ثورة يناير بثورة "30 يونيو"، وإزاحة حكم الإخوان، حتى بدأنا نتململ، وبات البعض يتحدث عن ضرورة القيام بثورة ثالثة في "11 نوفمبر" ضد النظام، وضد الرئيس المنتخب بأغلبية كاسحة.. لماذا؟ لأننا نتعجل النتائج، وتحولنا إلى "مُنظرين"، وخبراء سياسيين، واقتصاديين، ودولاريين.. واستسهلنا إصدار الأحكام على النظام؛ لا لشيء إلا لأننا نجلس في مقاعد المتفرجين.
 
هل معنى ذلك الرضاء التام عن نظام السيسي؟
 
إطلاقًا.. فهناك تحفظات كثيرة على هذا النظام؛ تحفظات على الأداء؛ على التحرك؛ على التوجه؛ على ترتيب أولويات؛ على حكومته؛ على إعلامه.. لم أقل إنه النظام الأفضل، لكن- في الوقت نفسه- ضد الثورة والإطاحة به.
 
يقول أينشتاين: "الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين، بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات، مع انتظار نتائج مختلفة".. فهل ينطبق علينا هذا الوصف؟
لنفترض أننا قمنا بثورة، وأطحنا بالنظام.. فمن هو البديل المؤهل لقيادة البلاد، وإدارتها، والنهوض بها من عثرتها؟ 
 
الأحزاب؟ جميعنا يعلم أن الأحزاب "ماتت إكلينيكًا"، وتحتاج إلى معجزة لعودتها الفاعلة في الحياة السياسية.
 
"النخبة"؟ نعلم جميعًا أن هذا المصطلح "هلامي"، وبات سيء السمعة، ولم يعد مقبولًا في الشارع المصري.
 
إذن هل نترك مصيرنا للمجهول؟
 
إن الضغط على الحكومة، أو إجبارها لتقديم استقالتها، أو الضغط على النظام لتعديل النظام الاقتصادي، وتحسين الرعاية والخدمات الطبية والأحوال المعيشية، وتطوير التعليم.. كلها أمور من الممكن أن تتغير من خلال آليات وأدوات ضغط بعدية عن التظاهرات ولا بالثورات، على الأقل في المرحلة الراهنة؛ حتى لا تدخل البلاد في فوضى عارمة، ويتحكم فيها الطرف الأكثر تمويلًا وتنظيمًا، حتى لو أدى ذلك إلى دخولنا في حرب أهلية، بمساعدة مخابرات أجنبية تسعى لتحقيق أهداف دنيئة.
 
نكرر السؤال: هل نحن بحاجة إلى "ثورة" ثالثة خلال خمس سنوات، أم بحاجة إلى "تغيير" في إطار الاستمرار والاستقرار؟
 
ظني أننا بحاجة إلى "تغيير" وليس "ثورة".. تغيير أسلوب حياتنا.. تغيير في ترتيب أولوياتنا في إدارة الدولة ومؤسساتها، وضرورة الاستعانة بالأكفاء والمبتكرين، وأصحاب الحلول غير التقليدية.
 
إنني لا يخالجني شك أن مصر تتطلع إلى أداء يجعلها في مصاف الدولة القوية اقتصاديًا، ويغنيها عن المساعدات، والمعونات، والتبعية لأي دولة؛ بما يؤثر على استقلال واستقرار قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. كما تسعى إلى واقع يحقق آمال وطموحات الشعب، آمال الشباب.
 
إن الثورة الحقيقية التي نحتاجها هي ثورة إنتاج، ثورة فكر، ثورة إبداع، ثورة ابتكار، ثورة على الإهمال، ثورة على الفساد، ثورة على الجهل، ثورة على الأمية، ثورة على الغباء، ثورة على التخلف، ثورة على الفقر، ثورة على العشوائيات، ثورة على القبح.. وهذه الثورة تتطلب بذل أقصى جهد، كل منا في مجاله.. فهل نحن مستعدون؟!