التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 06:06 م , بتوقيت القاهرة

"التعصب".. دلالات ومآلات خطيرة!

"والله وعملوها الرجالة ورفعوا راس جنوب إفريقيا"، "صباح برائحة الصن داونز"، "صباحية مباركة يا زمالك".. هذه بعض التعليقات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ردًا على خسارة "الزمالك المصري" بطولة دوري أبطال إفريقيا أمام "صن داونز الجنوب إفريقي".

قد يعتبر البعض مثل هذه التعليقات "عادية جدًا"، أو أنها نوع من أنواع "التحفيل"، التي تمارسها جماهير كل فريق عقب خسارة فريقها المنافس. لكن- وبعيدًا عن التهويل- هذه المرة تعطينا مؤشرًا على "ضعف الانتماء الوطني". نعم "ضعف الانتماء الوطني"!

فقد أتفهم أن يتمنى المرء فوز فريقه على الفريق المنافس، لكن أن يتمنى شخص فوز فريق من بلد آخر على فريق بلده، فهذا شيء لا يصدقه عقل سليم.
"الرياضة أخلاق". هكذا تعلمنا وتربينا. لكنّ فارقًا كبيرًا بين ما تعلمناه وتربينا عليه وبين ما نمارسه من سلوكيات "منحرفة" على أرض الواقع. فإذا كان التزام الشعوب بآداب الرياضة من أهم المظاهر الحضارية الراقية، إلا أن "التعصب الأعمى"، وما ينتج عنه من سُباب، وشتائم، واشتباكات، وقتل، واحتراب جعلنا "نكفر" بالرياضة.

العلماء يفسرون "التعصب" بأنه: "ارتباط الشخص بفكر، أو جماعة والانغلاق على مبادئها، وقد يكون تعصُّبًا دينيًّا، أو مذهبيًّا، أو سياسيًّا، أو طائفيًّا، أو عنصريًّا. وهو سلوك خطير قد ينحدر نحو الأسوأ، ثم يؤدِّي إلى التطرُّف والهلاك والخراب".

وللأسف، "التعصب" في المجال الرياضي يتطابق مع "التعصب" الدينى، والسياسي، والاجتماعي، والعرقي، والقبلي. إذ يتطرق "الغرور" إلى نفس "المتعصب"؛ فيبتعد عن الموضوعية، ويتجمد فكريًا، ويتمسك برأيه- وإن كان باطلًا- ويتسلط على الآخرين بدعوى أنه يحتكر الصواب، وربما يلجأ إلى "العنف"؛ لتحقيق أهدافه، أو إثبات وجهة نظره- حتى ولو كانت فاسدة.

رأينا أمثال هؤلاء في "الإخوان" والتنظيمات الإرهابية، الذين يدفعهم التعصب إلى "فكرتهم" إلى عدم ممانعتهم أن يحكمهم "ماليزي، أو هندي".. بل رأينا بعض مَنْ يُطلق عليهم نشطاء يتمنون سقوط مصر تحت "الاحتلال"؛ لا لشيء إلا لاختلافهم مع النظام الحاكم، أو سخطًا على الأوضاع الاقتصادية، أو حفاظًا على مكاسبهم الشخصية، أو لمجرد إثبات أنهم على صواب.

وإذا كان البعض يقلل من خطورة التعصب "الفردي"، فإن الخطورة الحقيقية تكمن في التعصب "الجمعي"، الذي يصبح تيارًا واتجاهات لها ثقافتها، ورموزها المروجين للهدم والتخريب، ويزرعون الحقد والشر في النفوس؛ فيتحول المجتمع إلى ميدان احتراب، وساحة صراع تفقده وحدته، وتقوض أمنه واستقراره.
هل يمكننا التحرر من هذا التعصب "البغيض"؟

قطعًا يمكننا ذلك باتباع عدة إجراءات، منها:



أولًا: سن تشريعات جديدة تُجرم كافة الأشكال التي تدعو إلى الكراهية، أو التحريض، أو الإساءة، أو الاعتداء على الغير، سواء كان هذا الاعتداء لفظيًا، أو فكريًا، أو بدنيًا.   

ثانيًا: اعتماد نظام تعليمي يحارب التعصب "المقيت"، ويحض على التعايش السلمي، ويحترم مشاعر الآخرين، ويحرض على تقبل النقد البناء، ويدفع إلى الفهم السليم للتعاليم الدينية، ويحث على تقبل الحوار مع أصحاب الثقافات المختلفة، ويعزز ثقافة الاعتذار عن الخطأ.

ثالثًا: عدم تورط وسائل الإعلام في الترويج للأفكار الخاطئة، أو المعتقدات قد تُحدث تفسخًا وشقاقًا مجتمعيًا، مع الاستعانة بأصحاب الخبرة والمعرفة؛ لتصويب هذه الأفكار، وإبطال الباطل وإحقاق الحق.

رابعًا: التعويل مجددًا على دور الأسرة في تنشئة أبنائها تنشئةً قائمةً على احترام الآخر، والابتعاد عن استخدام ألفاظ الذم، والشتم، والتحقير.