التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 02:01 م , بتوقيت القاهرة

خاص | ممدوح سرور.. مقاتل "استشهد 5 مرات" ولم يمت

كتب: محمد الموجي- معتمد عبدالغني

المتوقع أن يكون هذا اللقاء عن فرد واحد من أبطال حرب أكتوبر، لكن المقاتل المصري ممدوح سرور، والملقب بـ "أسد المظلات"، فضل ذكر معظم بطولات "اللواء 150 مظلات" على سيرته كفرد شارك في ملحمة عسكرية، كلما تذكر اسم بطل طواه النسيان، يحكي عنه بحماس، ويعتز بكل لحظة مرت عليه في الجيش، ويفخر أن الشعب المصري كان الدعم والسند خلال سنوات التأهب للمعركة الفاصلة.

ولو (العبور) سألونا يوم عنه 
تقول: مجرد خطوة خدناها! 

كل الأوامر والتحركات كانت تدفع "اللواء 150 مظلات"، للتأكد من اقتراب معركة النصر، لم يقم سلاح المظلات بخطوة الانتشار، جاءت الأوامر بالبدء مباشرة بمرحلة الانتظار، ما يعني أنهم في انتظار الإشارة للتحرك للمعركة الفاصلة، انتاب الجندي "ممدوح سرور" هذا الشعور قبل 6 أكتوبر بـ 15 يوم، وفي مطار بلبيس كان يقوم بمهام وظيفته في اللواء، وهي "الاستطلاع"، كان يمكنه معرفة الطائرة المصرية التي تحمل الذخيرة من الفارغة، وحينما خرجت 60 طائرة وعادت فاقدة اثنتين، تأكد الجنود أن الحرب قد بدأت، ليأتي دور سلاح المظلات في قطع خط الإمداد عن الإسرائيليين، ومنعهم من إنقاذ خط بارليف بأي ثمن، هذا اليوم الذي تدرب من أجله الجندي ممدوح لمدة ثلاث سنوات،  منذ تطوعه في الجيش عام 1970.

بدأت حرب أكتوبر، وبعد 7 ساعات اكتشفوا أنهم لا يحاربون إسرائيل فقط، فأمريكا و7 دول أوروبية تدعم العدو، وسلاح المظلات يرقب وينتظر دوره.

بعد ثغرة الدفرسوار، دخل اللواء 150 المعركة، يوم 16 أكتوبر، الساعة 3 العصر، تحت قيادة اللواء إسماعيل عزمي، انضم ممدوح لزملائه في عملية استطلاع الكتيبة 85 مظلات، لمعرفة عدد قوات الإسرائيليين، وإلى أي مرحلة مجهزين بالأسلحة، اصطدموا بمدرعات إسرائيلية، وعدد قوات أكبر من الكتيبة، وبدأ أول اشتباك الساعة 9 مساءً، على إثره انضم باقي لواء المظلات للمعركة.

 أبكي .. أنزف .. أموت
في منطقة السرابيوم، بدأت سرية الشهيد عبد الرؤوف حلمي، تأخذ مواقع دفاعية، كل سرية تمنع تقدم دبابات إسرائيل في اتجاه الإسماعيلية، سرية دخلت المعركة بدون خوذ ولا أكل ولا مياه لمدة خمس أيام، استشهدوا غير مستسلمين، ماتوا من الجوع والعطش، لم تصبهم رصاصة العدو، لكن أصابهم سهم الفداء، لم يخشوا الوقت واقفين في أماكنهم دفاعًا عن الوطن، كانوا يقامون وهم صيام، حتى المجند رومان محروس بطرس، كان يصوم في رمضان مع باقي السرية، يرفض حصته في شرب 3 رشفات من الماء يوميًا، رغم أنه مصاب كي يفطر باقي الجنود، واستشهد دون أن يبتل ريقه.

يشعر ممدوح سرور، أن قصة استشهاد رومان ليست كافية، فيبدأ في سرد البقية: "اللواء 150 مظلات اسمه لواء الشهداء والأبطال، كل كتيبة بها أكثر من 140 شهيدًا غير الجرحى والمصابين، لواء قوامه 4000 عاد منه عدد قليل، قادة الكتائب كانت تستشهد، فطين شرابي، وصلاح حواش، ورؤساء العمليات صالح عبد الصمد، سليمان الحضري، سعد مرجان، نظري القاضي"، وتابع "لم نكن نشعر أنهم قادة، كانوا معنا في الحرب كتفت بكتف".

وفي وسط الحكي تذكر الشهيد شوقي عبد السلام من دمياط، قال "لم يذكر أحد هذا المجند الذي دخل الجيش منذ العدوان الثلاثي عام 65، هذا الرجل جمع كل أسلحة "الآر بي جيه" الخاصة بالشهداء، يجلس بين السواتر الترابية ثم يصطاد الدبابات الإسرائيلية بسرعة غير عادية"، وأضاف "تجمعت بعض دبابات العدو في النقطة التي كان يهاجمهم منها شوقي، وبدأوا في الهجوم جميعًا في وقت واحد، حتى الآن لم نجد جثته، وأسمه في أرض المعركة مدون اسمًا فقط على لوحات الشرف والكرامة".

 أسد المظلات


يوم 17 أكتوبر، كان المجند ممدوح سرور يستطلع مدرعات العدو، وكانت عبارة عن كتيبتين دبابات وكتيبة مشاة ميكانيكا، والكتيبة المصرية تريد العودة لتنظيم الخطوط الدفاعية، لكن في ظل التسليح الذي مع العدو، سوف يتعرض جنود مصر لمخاطرة كبيرة، وعليه وضع ممدوح تلك المعلومات بين يدي قائد السرية، وبدوره أبلغ قائد الكتيبة، الذي اختار 3 جنود ليقوموا بمناوشة دبابات العدو، بحيث تتحرك من أماكنها وتصبح عرضة للقناصة المصريين، وبذلك يتسنى لهم تنظيم الصفوف.

لكن في اللحظة التي كان يتم اختيار فيها الجنود الثلاث، كان المجند ممدوح سرور، يتخذ قرار فردي سوف يحاسب عليه لاحقًا، عن تلك اللحظة قال: "صنعت 3 قوايش فيه 24 قنبلة يدوية، (*القايش هو حزام المجند في الجيش يضع فيه القنابل والمياه)، في خلال 6 دقائق قفزت بين 9 دبابات إسرائيلية ووضعت القنابل، وأنط في الحفر البارميلية، وطاردتني أكتر من 30 دبابة إسرائيلية، حتى خرجوا من أماكنهم، وتم ضرب من قبل الجنود المصريين بسلاح "الآر بي جيه"، قائد سارية الهاون أنقذني من أمامهم، ورغم ذلك حصلت على "جزا" من قائد السرية لأنني اقتحمت بدون إذن القائد. لكن في ذات الوقت حصلت على لقب "أسد المظلات".

الأمل الأخير


في اليوم الثالث، انتقلت الكتيبة إلى جبل مريم، وهي أخر نقطة دفاع عن الإسماعيلية، تعرض لهم الطيران الإسرائيلي حتى لا يصلوا لهذا الجبل. قائد الكتيبة عاطف منصف، ورئيس العمليات صالح عبد الصمد، ورئيس شؤون إدارية يسري الشماع، كانوا يسدون عجز الأكل والمؤن باصطياد السمك من الإسماعيلية للمقاتلين. مع استمرار ضربات الطيران على جبل مريم تحولت الرمال من الأصفر إلى اللون الأسود.

يوم 22 أكتوبر، اتصل الرئيس محمد أنور السادات، بقائد الكتيبة عاطف منصف، وقال له: "انت آخر أمل، تمسك بالجبل"، فرد عليه قائد الكتيبة: "لو تحرك الجبل نحن لن نتحرك". واستمر اللواء في الدفاع والسيطرة على الموقف، حتى جاء قرار وقف إطلاق النار، وأسد سيناء ورفاقه صامدون، وكانوا آخر كتيبة عادة من الجبهة.

عودة مواطن
في التسعينات، يخلع ممدوح سرور الزي العسكري، يترك الجيش الذي تطوع فيه عام 1970، بعد حصوله على دبلوم التربية الرياضية، يتذكر والده حينما أخبروه أنه استشهد خمس مرات مرة مقتولًا بالرصاص ومرة محروقًا ومرة تحت جنزير إحدى الدبابات، وفي كل مرة يعود إلى أبيه حيًا، يبتسم متذكرًا أشقاءه الأربعة الذي كانوا يحاربون معه في الجبهة، ماهر الأكبر في الجيش الثالث اللواء 112، ومختار في مطار المنصورة، ومحمد في السويس، فضلًا عن ابن عمه الذي كان ضمن واحد ممن يحرسوا معسكرات السلاح.