التوقيت الأربعاء، 08 مايو 2024
التوقيت 03:09 ص , بتوقيت القاهرة

لطفي لبيب.. فيلسوف خط الوسط في السينما المصرية

-  أستاذ سعد أردش.. أنا الوحيد في دفعتي اللي داخل الجيش.
-  احمد ربنا يا لطفي، انت محظوظ، وهتحظى بتجربة إنسانية فريدة.
- طب ما تيجي تجرب معايا. 


الرفاق يتألقون، محمد صبحي يسطع نجمه، أحمد زكي يضع الخطوط العريضة لبطل استثنائي، نور الشريف أصبح "صنايعي" تمثيل محترف، الحلفاوي والجيار وشعبان حسين، يشاركون في أعمال مسرحية وتلفزيونية، أين هو من كل هذا؟.. ذلك الشاب النحيل لطفي لبيب، أحد مشاهير معهد الفنون المسرحية، سألوه عن مهنته في الجيش، قال: "موظف في وزارة الثقافة"، أمسك لسانه عن أحلامه في المعهد، ممثل مع إيقاف التنفيذ، عندما تنتهي الحرب ويشارك في أعمال مسرحية، سينطق بما تاق إليه دومًا: "ممثل".

الكتيبة 26
ست سنوات ونصف في الخدمة العسكرية، ومع ذلك لم يتوقف لبيب عن الإبداع، خمل التمثيل مؤقتًا، ونشطت خلايا الكتابة، صباحًا يؤدي التحية للقائد، وفي المساء يدرس الفلسفة وعلم الاجتماع، حصل على الليسانس من كلية الآداب. ودوّن ذكرياته عن أكتوبر 73، وجمعها في قصة درامية أسماها "الكتيبة 26"، وفقًا لمعايشته لروح القتال الحقيقية، الحرب التي ظهرت في سينما السبعينات، جملة اعتراضية قابلة للحذف، من وقتها ومشروع تحويل "الكتيبة 26" إلى فيلم سينمائي حُلم لطفي لبيب، المؤجل برفض الرقابة لأكثر من 3 مرات.

الجنود يعبرون خط بارليف، والمجند لطفي حسني لبيب، يحمل وزنًا زائدًا، ذهب إلى قتال الجيش الإسرائيلي بالعهدة التي كان مسؤولا عنها، "حجر طعمية" الذي يصنع عجين الفلافل المصرية، المشهد الهزلي اكتمل عندما عاد بعد وقف القتال للبقعة التي ترك فيها حجر الطعمية، ليجد دائرة رسمت حولها، لأن الإسرائيليين اعتقدوا أن ما يجهلونه سلاحًا مصريًا.

انتهت الحرب، و "لا أحد يؤمن بالسلام إلا من حارب"، هكذا رأي المشهد وهو يفكر في المستقبل، قطع شروده استقباله لأصدقاء المعهد، نور الشريف ومحمد صبحي وأحمد زكي؛ الذين جاؤوا لإعادة تمثيل النصر الذي صنعه، في فيلم أبناء الصمت، دخل لطفي معهم "ميس الضباط"، تفحصه القائد بعينيه ثم قال "يا مجند لطفي دول ضيوف ودول ضباط.. اخرج"، نفذ الأمر دون تردد؛ وعاد إلى موقعه.

الحلم والترحال
في منتصف السبعينات، خرج لبيب من الجيش مزهوًا بالنصر، سلم سلاحه وعهدته وبصيلات شعر رأسه، مكتسبًا "صلعة" أبعدته عن دور الفتى الأول، زملاء دفعة المسرح صاروا نجومًا، ومع ذلك لم يلجأ لهم في البدايات -"أنا اللي لازم أعمل نفسي، مش عايز حد من زمايلي يعملني"- اكتفى بمغامرة الحرب، وجنح إلى الاستقرار، كان يبحث عن حياة كريمة.

سافر إلى الإمارات بترشيح من أستاذه سعد أردش، لتأسيس مسرح دبي القومي، أخرج مسرحيتي "كفاح" و "التركة"، وبعد 3 سنوات و8 أشهر، عاد إلى مصر عام 1981، ممثلًا في مسرحية "المغنية الصلعاء" للكاتب المسرحي الفرنسي الروماني أوجين يونسكو، وبعد ذلك مسرحية "الرهائن" للأستاذ عبد العزيز حمودة. عشق لطفي المسرح، وكان يعد باقي الفنون شغلًا، لكن المسرح هو الابداع، حينما كان يجسد شخصية الشرير، كان في الكواليس شريرًا، وحينما يجسد شخصية بهلوان، لا يتوقف عن الحركة.

شارك لطفي لبيب في أعمال سينمائية وتلفزيونية هامة في الثمانينات، تعوضه عن ظمأ السنوات العشر التي انقضت في الحرب والترحال، مثل عودة مواطن لـ محمد خان، وفيلم يوم مر ويوم حلو، لخيري بشارة، وفي التلفزيون "عائلة الدوغري".


وفي مسلسل رحلة السيد أبو العلا البشري، ظهر لطفي في مشهد واحد مع العملاق محمود مرسي، مجسدًا الجيل الذي هزمه الانفتاح وقضت عليه الرأسمالية عندما أخذت "تحويشة العمر"، بدا لطفي هادئاً وهو يحكي بمرارة عن أزمة جيله – التي تشبهه إلى حد كبير في الواقع – وانتهى المشهد بطلقة رصاص تخرج من مسدسه المصوب تجاه جسد بطل العمل.

وفي التسعينات، كان "زقزوق" الذي أنصت لفضفضة حسن أرابيسك (صلاح السعدني)، ووسوس لخصم النعماني اللدود وزوج أخته رمضان الخضري (المنتصر بالله)، لسرقة الكرسي الأثري.


عمو لطفي
كانت مشكلة لطفي لبيب في إحدى مراحل مشواره الفني، عدم تحديد ملامح أدوراه، لم يكن شابًا أو عجوزًا، لكن عندما أصبح "عمو لطفي"، بدأت مرحلة جديدة من التوهج والنشاط الفني، صاحب ذلك توقيت مناسب، لسينما شبابية تحتاج إلى من يشغل أدوار ما يطلق عليهم "ملح الفيلم"، والتي كان يبدع فيها إسماعيل يس، وعبد السلام النابلسي، وحسن فايق، وعبد المنعم مدبولي، وحسن مصطفى. لهذا كانت الأدوار تذهب إلى حسن حسني، وصلاح عبدالله، ولطفي لبيب، وهو ما أسماه لطفي، "بلغة الكرة – نعد من فناني خط الوسط في السينما المصرية.. وجودنا مهم للعمل رغم اننا لسنا الأبطال".


 بدأ الجمهور يحفظ إفيهات لطفي لبيب، واستغلت كـ "كوميك" في السوشيال ميديا، في اللمبي: "نوسة.. حاجة ساقعة بسرعة للأستاذ"، و "إرحم أمى العيانة" مع أحمد حلمي في فيلم "عسل أسود"، و"ابنك مجنون يا حاج" قالها لـ محمد سعد في فيلم "كركر"، ومثلما هو تحدي أن ترى صورة لعبد الوارث عسر شابًا، من المستحيل أن ترى مشهد للطفي لبيب وهو يمثل بشعره، لهذا دهش معجبوه عندما رأوا صوره في مرحلة الشباب وهو طالب في معهد الفنون المسرحية.



إسرائيل من تاني
المرة الأولى كانت في الحرب، والثانية في عمل سينمائي، عندما جسد شخصية السفير الإسرائيلي، في فيلم "السفارة في العمارة" مع الفنان عادل إمام، عام 2005، كان لطفي في مواجهة أكثر من تحدي، أولها التخلي عن "الخنفان" الذي صار من السمات التقليدية لشخصية اليهودي في الدراما العربية، ثم قام بعمل تاريخ للشخصية لم تذكر في السيناريو.

بعد ذلك كان هدفه أن يرد على رأي صلاح السعدني في دور السفير: "ما ينفعش، لأن لطفي الناس بتحبه"، وعندما عرض الفيلم أحب الجمهور الطريقة التي ظهر بها لطفي على الشاشة في خمس مشاهد فقط. بعد ذلك رفض لطفي تكريم السفارة الإسرائيلية بطريقة دبلوماسية؛ لأنه "تعود أن تكون العدو" وفق قوله، لذلك رفض الذهاب إلى الحج "التقديس"، معتبرًا أنه نوع من "العيب"، رغم أن الكنيسة صرحت بذلك لجميع الأقباط.


عندما كان لا يمثل يكتب، كتب العديد من السيناريوهات، وعلى مدار عام ونصف كان له عمود يومي في الصفحة الأخيرة من جريدة مصرية تحت عنوان "مهيصة". ولأن الفن لا يحب الشريك، عادل لعشقه الأول، لكن يبدو أن أحد متابعي كتاباته رفض ذلك، فبدأ يدون باسم لطفي لبيب، على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، تزامنًا مع ثورات الربيع العربي، خرجت آراء سياسية نسبت للطفي، الذي أنكر بعد ذلك تبعية الحساب له. ورغم اختلافه السياسي مع المغرد المجهول، قال إنه "بيكتب حلو، حرام ينسب مجهوده ليا".


اتنين.. اتنين


في فلسفة لطفي لبيب، الحياة اتنين..اتنين، في مصر يرى مجتمعين، الأول يبحث عن القيمة والهدف، ولهؤلاء جسد أدوار في أفلام "واحد صفر، والنوم في العسل، وخلطة فوزية، وصياد اليمام"، أما المجتمع الثاني فهم المهمشون الذين قدم لهم أدوار في أفلام "اللمبي، كركر، حصل خير، أبو شنب، تك تك بوم". كما صنف الفنان إلى نوعين، الأول صاحب القرنية المقلوبة، وهو الذي لايرى إلى نفسه، أما الثاني فهم أصحاب القرنية المعتدلة، الذين يشاهدون ويرصدون المجتمع، وعلى حد قوله: "أنا جاي الدنيا اتفرج".