التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 12:49 م , بتوقيت القاهرة

عبد المنعم مدبولي.. "ساحر الارتجال" ومؤسس مدرسة "المدبوليزم"

طفل يزوره اليتم مبكرا حين يفقد والده وهو عمره ستة أشهر فقط، لتتولي والدته مسئولية رعايته وأخويه، وينشأ في ظروف صعبة يخيم عليها شبح الفقر، فيبحث عن مهرب من أحزانه بداخل شوادر حي باب الشعرية التي كانت تقدم عروضا مسرحية لثلاث فرق، ليظهر عشقه للمشاهد التمثيلية المعروضة أمامه بدون أي ديكورات مساعدة، ويتبدل حاله من الحزن والغم إلي الفرح الشديد. هكذا بدأ عشق المسرح يطرق باب قلب الطفل عبد المنعم مدبولي.

عدة مسرحيات قام "مدبولي" بإخراجها أو التمثيل فيها، وعدد من الفرق المسرحية قام بتكوينها قبل فرقته الشهيرة "المدبوليزم"، والتي يرجع اسمها إلى ذلك اللقب الذي أطلقه جمهور ونقاد "مدبولي" على أسلوبه وأفكاره في الإخراج والتمثيل والتأليف منذ عام 1962، والمعتمد على التلقائية التي يتفاعل معها الجمهور سريعا، والأداء بشكل طبيعي؛ سواء في الكلمات أو الحركة، ليخلقوا منه "مدرسة المدبوليزم الخاصة".

كانت أول الفرق المسرحية التي كونها "مدبولي" أثناء دراسته الابتدائية وهو في الثامنة من عمره، وذلك حين كوّن مع مجموعة من التلاميذ فرقة للتمثيل بداخل حوش المدرسة وقت الفسحة، وفي الشوارع بعد انتهاء اليوم الدراسي. أما عن أول تصفيق يحصل عليه في حياته، فكان بعد عرض مدته 20 دقيقة، قام بتأليفه وإخراجه وتمرين باقي التلاميذ على أدائه بداخل المدرسة، ليدوي التصفيق من داخل المدرسة ومن بلكونات الجيران المطلة عليها. وكان ذلك العرض سببا في تلقيه هدية "قلم رصاص" من الناظر، بجانب موافقته على إعفاء "مدبولي" من المصاريف بسبب ظروفه المادية الصعبة، بشرط واحد وهو تكوين "مدبولي" لفرقة تمثيل بالمدرسة يكتب مسرحياتها ويخرجها لتنافس فرق بقية المدارس، وهو ما حدث بالفعل، وتفوقت فرقة مدرسة "مدبولي" على الجميع، ليلحق هذا التفوق بتكوينه لفرقة مسرحية أخرى من أبناء حارته بباب الشعرية، يؤلف مسرحياتها ويخرجها ويوزع الأدوار على أصدقائه وجيرانه، ويقوم بدور البطولة فيها أيضا.

مراحل دراسية مختلفة يمر بها "مدبولي"، وفرق جديدة يقوم بتكوينها في كل مرحلة حتى أن وصل إلى الصف الأول الثانوي بمدرسة الصنايع، واصطحبه أحد أصدقائه إلى مشاهدة العرض المسرحي "الدلوعة" بطولة نجم المسرح "نجيب الريحاني". تبهره الأضواء والديكورات والتمثيل الخاطف للأنظار، ليكتشف أنه لم يقدم عملا مسرحيا حقيقيا إلى ذلك اليوم، ويولد بداخله حلم الفنان المشهور.

بصحبة عبد المنعم إبراهيم وعدلي كاسب وعلي الزرقاني، يتخرج "مدبولي" من معهد التمثيل بكلية الفنون التطبيقية عام 1945 بتقدير جيد، ليعمل بعدها في بعض الفرق الصغيرة، حتى ينضم إلي فرق "جورج أبيض" و"فاطمة رشدي" و"المسرح المصري الحديث" بقيادة زكي طليمات، والتي قدم فيها أول عمل مسرحي له، ثم يكتسب شهرة بالغة المدى من خلال فرقة "ساعة لقلبك".

يعود "مدبولي" إلي تكوين فرقه المسرحية الخاصة بالمشاركة مع صلاح منصور وسعد أردش عام 1952 من خلال فرقة "المسرح الحر"، لينتجوا العديد من المسرحيات الناجحة، منها "الأرض الثائرة" و"خايف أتجوز" و"مراتي بنت جن" و"كوكتيل العجائب" و"حسبة برما" و"مراتي نمرة 11" و"الرضا السامي"، ويشترك "مدبولي" في كتابة عروض مسرحيات قصيرة تحت اسم "كفاح بورسعيد". وطوال سبع سنوات من نجاح مبهر كتب للفرقة، واظب "مدبولي" علي الذهاب إلي المسرح قبل ميعاد البروفة لكي يقوم بكنسه وتقديم الشاي والقهوة لفريق العمل، والتعرف علي جميع العمال بالمسرح والتودد إليهم والتعلم منهم أيضا.

برئاسة السيد بدير، ينضم نجم الكوميديا إلى فرقة التليفزيون المسرحية، ليخرج عددا من المسرحيات، أشهرها: "أنا وهو وهي" و"أصل وصورة" و"حلمك يا شيخ علام" و"السكرتير الفني". ذلك بالإضافة إلى إخراجه لمسرحيتين لنجم الكوميديا إسماعيل يس، وهما "3 فرخات وديك" و"أنا وأخويا وأخويا"، واللتان أشاد بهما الجميع لما أضافه "مدبولي" إلى مسرح "سُمعة" من تطور على الديكورات والإضاءة بجانب لمساته الإخراجية المبدعة، حيث كانت تعاني فرقة إسماعيل يس المسرحية من العديد من المشاكل في تلك الفترة.

وبعد تحقيقه لنجاح كبير، يشترك "مدبولي" مع سمير خفاجي وفؤاد المهندس ليكون فرقة "الفنانين المتحدين" عام 1959، والتي بداخلها تم اكتشاف العديد من النجوم؛ منهم عادل إمام وسعيد صالح والضيف أحمد. أما عن أشهر العروض المسرحية التي قدمها "مدبولي" للفرقة، فهي: "ذات البيجاما الحمرا" و"الزوج العاشر".

استقبل "مدبولي" شويكار في أول مرة تأتي فيها إلي المسرح، لتطلب منه على الفور أن يعاملها برفق أثناء البروفات، ويندهش هو حين يراها جريئة ومجتهدة بداخل البروفة الأولى، لتشكل مفاجأة للجميع.

شهدت خشبة المسرح العديد من المواقف الكوميدية التي تعرض لها "مدبولي"، منها مفاجأته وفؤاد المهندس بصراخ وسط ضحكات الجمهور أثناء تقديمهم أحد عروضهم المسرحية، ليكتشفوا أنه يرجع إلى امرأة حامل دفعتها كثرة الضحك إلى اندلاع طلق الولادة بغتة، ما اضطرهما إلى وقف العرض فورا ليدخلاها إحدى غرف المسرح، ويحضرا لها الطبيب، لتنجب في النهاية وتصر على تسمية مولودها "مدبولي".

ساعدته قصة حبه القوية التي توجت بالزواج على توفير المناخ المناسب لإبداعه فوق بيته الأول "خشبه المسرح". فبعد أن جمعت بينه وبين ابنة صاحب العمارة التي يقطنها قصة حب كبيرة ظل يسهر بسببها الليل ويستمع لأغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، نعم "مدبولي" بحياة مستقرة وهادئة، وأنجب ثلاثة أبناء كانوا سببا حقيقيا في سعادته طوال حياته، بجانب زوجته، والتي ظل حبه لها يزداد يوما بعد يوم.

وفي ظل هذا الجو الهادئ، استطاع "مدبولي" تقديم أكثر من 120 عرض مسرحي؛ منهم "لوكاندة الفردوس" و"أصل وصورة" و"حالة حب" و"ذات البيجاما الحمرا" و"السكرتير الفني" و"مطار الحب" و"نمرة 2 يكسب". بجانب تقديمه لشخصية "الناظر" في أول موسمين من مسرحية "مدرسة المشاغبين"، إلي أن اعتذر عنها لطول الساعات التي يقف فيها فوق خشبة المسرح، ورشح حسن مصطفى للقيام بدور "الناظر" بدلا منه، ليقوم هو بتقديم مسرحية "هاللو شلبي".

ينفصل "مدبولي" عن فرقة "الفنانين المتحدين" عام 1973، ليكوّن فرقته "المدبوليزم" الخاصة بعد عامين، والتي قدم من خلالها مجموعة عروض كثيرة، منها: "راجل مفيش منه" و"مولود في الوقت الضائع" و"يا مالك قلبي" و"مع خالص تحياتي".

هذا بالإضافة إلى أعمال سينمائية وصلت إلى 60 فيلما تنوع بين الكوميديا والتراجيديا، ليكون بين الفنانين القلائل القادرين على إثارة دموع الجمهور بالقدر ذاته القادرين فيه على إضحاكهم. كما قدم "مدبولي" حوالي 30 مسلسل تليفزيوني، وعدد من السهرات التليفزيونية والمسلسلات الإذاعية ومجموعة فوازير. ودفعه حبه الشديد للأطفال إلي تقديم أغاني خاصة بهم، وارتبطت معهم بشكل كبير، أشهرها: "توت توت" و"الشاطر عمرو" و"الشمس البرتقالي" و"كاكي كاكي".

ذلك بجانب أغاني أخرى نالت إعجاب جمهوره الشديد، بينها "طيب يا صبر طيب"، ودويتو "حبك جننا يا إسمك إيه" مع شادية أثناء تقديم مسرحية ريا وسكينة.

وحين قدم شخصية "حسب الله" في مسرحية ريا وسكينة في أوائل الثمانينات أمام الفنانة الكبيرة شادية، والتي وقفت على خشبة المسرح لأول مرة في حياتها لتجسد شخصية "ريا"، ونجمة المسرح سهير البابلي، وفور أن ظهر "مدبولي" ليحيي المشاهدين بعد انتهاء العرض، ارتفع صفير وتصفيق الجمهور الحريص على متابعة جميع أعماله الفنية، معبرين عن إعجابهم بأدائه، وهاتفين "بابا عبده.. بابا عبده"؛ وهو الاسم الذي اشتهر به نجم الكوميديا في تلك الفترة بعد تجسيده لشخصية "بابا عبده" في مسلسل أبنائي الأعزاء شكرا، والذي عرض عام 1979.

عبد المنعم مدبولي من مواليد حي باب الشعرية عام 1928، نال العديد من الجوائز على أعماله الفنية؛ منها عن أدواره في أفلام "الحفيد" و"أهلا يا كابتن" و"مولد يا دنيا"، وجائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله الفنية، وتكريم بشهادة تقدير عن دوره في مسلسل أبنائي الأعزاء شكرا، وتوفي وهو في عمر الخامسة والثمانين في عام 2006 بسبب مضاعفات مرض القلب.

اقرأ أيضا: غير "طارق وتحية".. 7 قصص حب في "أفراح القبة"

كيفين بيكن.. نجم الأدوار الثانية الذي ظهر مع جميع نجوم هوليوود

صور| سيلفستر ستالون.. عاشق الأكشن والملاكمة و"روكي"