التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 08:42 ص , بتوقيت القاهرة

الانتخابات المصرية في مباراة كرة قدم

حين أتفرج على مباراة كرة قدم فإن شيئا واحدا، واحدا فقط، تتمحور حوله المنافسة بالنسبة لي. هذا الشيء هو “الغرض”. 


1- امتلاك الغرض: هل كل لاعب في هذا الفريق يفكر في غرضه من اللعبة قبل أن يلعبها، أم أنه “بيعمل اللي عليه”، بيطلعها من رجله سليمة؟ 


2- نوعية الغرض: هل هو غرض كروي (أو ما يتناسب مع هذا في نشاطات الحياة الأخرى)؟ هل يسعى إلى نقل الكرة إلى وضع أفضل؟ هل هو غرض “بسيط” يمكن تحقيقه أم أنه يفكر دائما في الصعب؟ هل هو غرض فردي مؤثر أم جماعي مؤثر أم فردي استعراضي أم جماعي استعراضي؟ 


التأثير والنجاعة ليست مرتبطة بنوع، فمن الممكن أن يمرر لاعب الكرة جماعيا في وقت كان الأنسب فيه أن يلعب فرديا، والعكس. لا يمكن هنا أن نمدح “اللعب الجماعي” على إطلاقه، ولا “المهارة الفردية” على إطلاقها. فقط الغرض هو الذي يحدد جودة اللعبة من عدمها. 


3- مهارة تحقيق الغرض: بعض الناس أفضل من البعض الآخر في القدرة على قراءة الملعب، متفرجون بدرجة نجوم كرة ذهبية. وبالتالي فبعض اللاعبين أيضا أكثر “هندسية” ورؤية من زملائهم. هذا لا يعني أي أفضلية، إلا إذا تساوت المهارات. فالمهارة، القدرة على التنفيذ، هي التي تعطي للغرض قيمته.


لو انتقلنا من كرة القدم إلى أي نشاط إنساني آخر لوجدنا “الغرض” يفرض نفسه. من ننتقده من الموظفين في مصر فاقد للغرض، رغم أن نفس الموظف قد لا يخطئ أبدا، ولا يخالف اللوائح أبدا. 


اللوائح لها غرض، هو التنظيم، لكنها غالبا تحيد عن الغرض. لماذا؟ لأنها تنسى هذا الغرض، وتتحول إلى أغراض أخرى، إلى أغراض أخرى كغرض المراقبة، أو غرض “توزيع الأرزاق”.


حين تستخرجين رخصة قيادة سترين هذا واضحا. يقول لك الموظف روحي اتصوري صورة واحدة، وهاتي دوسيه أبيض، وشنطة بيضا. فتلاقي نفسك بتتصوري الصورة الواحدة عند شخص، وطبعا بتاخدي 8 صور، وبتشتري الدوسيه من مكان، وتطلعي برة المرور تشتري الشنطة البيضا من مكان تالت. 


كان ينبغي هنا أن يكون الغرض هو التسهيل على المواطنين، لكي ينتهوا من أعمالهم سريعا، ولا يضيعوا أوقاتهم، وبالتالي لا تزدحم قاعة استخراج رخص القيادة بهذا الشكل. لكن الغرض توارى خلف أغراض أخرى، أهم إلى اللاعبين (الموظفين) من غرض التسهيل والكفاءة.


الإدارة الحاكمة لو كان غرضها الأول إصلاح الاقتصاد فإن النماذج الاقتصادية في العالم واضحة، والطريق إلى هذا الغرض واضح. لكن الكارثة حين يكون الغرض الأول الحقيقي هو ضمان الإمساك بكل الخيوط. وبالتالي فإن تحقيق هذا الغرض، على مدار العقود، يتسبب في ضياع أغراض أخرى (منها الرفاهية الاقتصادية)، ويزيد الحالة سوءا، إلى درجة يمكن معها فقدان الغرض الثاني وهو الإمساك بالخيوط. 


في حوار مع المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية يقول إن الوزارة تحرص على نشر فتاوى للأزهر في المدونة التابعة لها. ما الغرض؟ ومع من سيتحقق من المتابعين لـ “وزارة الخارجية”. ولا حاجة.. تأدية واجب.


طيب إيه اللي فكرني بالكلام دا؟


الانتخابات. أي نعم!


أفهم أن مؤيدي “الدولة المركزية المتحكمة” يتعمدون إبراز هزالة الديمقراطية، وهزالة نواب الشعب. وبالتالي يبقون على الثقة موجهة نحو اتجاه واحد في تشكيلة النظام السياسي المصري.


لكن لماذا يساعدهم “المدنيون” في غرضهم هذا؟ لماذا لا ينشغل أنصار الدولة المدنية بأغراضهم، ويعطون الجماهير الثقة في تحسن العملية الديمقراطية لو استمرت؟ وينتقدون أنفسهم، ويتعلمون كيف يؤدون أحسن المرة القادمة، ويشيرون إلى الأخطاء لتصويبها، ويضعون الأمور في سياقها، بدلا من إزهاق الثقة في البرلمان برمته؟


لأن كثيرا منهم ليس هذا غرضهم. هم في الحقيقة لا يريدون أن تتحسن العملية الديمقراطية وتستمر. إنما غرضهم الذي يظهر من أفعالهم هو إزالة النظام. تحقيق الفراغ. 


وهنا تجد نوعين يسعيان خلف هذا الغرض الأخير. هناك الجماعات الإسلامية، وسعيها هذا مفهوم، لأنها تسعى إلى إنشاء دولة أخرى تماما. 


لكن هناك - وهذا غير مفهوم - مدنيين، يفعلون ذلك.


 ضربت في مقال سابق مثالا بالدكتور البرادعي، الذي يمدح زعيمة معارضة بورما “سان سو تشي” على نضالها السياسي الذي أوصلها للفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنه لا يشارك في الانتخابات كما شاركت. ولا يقبل بحلول سياسية وسط كما قبلت. ولا يسعى إلى التدريج كما سعت.. 


هنا نصل مع “الغرض” إلى ظاهرة أخرى، هي “تشوش الغرض”.


لماذا؟ أعود إلى ما بدأت به. لأن هذا الفريق وإن ملك غرضا، وملك نوعية هذا الغرض، فإنه لا يملك مهارات تحقيقه. فيلجأ إلى أسلوب دفاعي، كفريق كرة وعد جماهيره فأسرف في الوعود، ورفع الطموحات، ثم اكتشف حين نزل الملعب أنه لا يملك المهارات اللازمة، وخاف من الهزيمة القاسية، فتشوشت عنده الأغراض، ولم يدر ما يفعل، فانسحب.


الهزيمة في السياسة ليست شيئا للمعايرة. هذا جزء من سكة التعلم. ولا تنجح في السياسة إلا من عندها استعداد لاحتمال الهزيمة. 


المعارضة المصرية أجلت دخولها إلى مدرسة السياسة الانتخابية دورة برلمانية أخرى. لا شك أن هذا تشوش في الغرض، إن كان هدفها المشاركة، أو انحراف عن غرض السياسة، إن كان هدفها إقامة دولة قرون وسطى. لكنني متفائل بمسار الحياة السياسية في مصر، وبتعودنا كمصريين على أبجدياتها، حتى لو لم نتخط حتى الآن أ ب ت ث ج ح خ د ذ. غدا نفعل أفضل.