التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 11:47 ص , بتوقيت القاهرة

ريهام سعيد.. مخاطرة النهار الاضطرارية

قناة النهار تتحصل على حوالي 40 مليون جنيه من إعلانات برنامج صبايا الخير. البرنامج التالي، بحصيلة إعلانات أقل، هو برنامج آخر النهار. مع ملاحظة أن آخر النهار فيه نجوم إعلاميون، وفيه أجور ضيوف، وما يأتي مع ذلك من نفقات. في حين أن برنامج "صبايا الخير" برنامج يتكلف لا شيء.


لكن البرنامج، الذي اسمه صبايا الخير، مثل معضلة لشركات الإعلانات. لماذا؟


لأن مذيعته المثيرة للجدل خرجت به أكثر من مرة عن “وجهه الخيري”، كونه برنامجا المفترض فيه أن يساعد ويقدم يد العون. تحدثت مرة دفاعا عن “ياسمين النرش” في عز أن كان الرأي العام غاضبا منها، وخرجت علينا بحواديت الجن والعفاريت.


لكن أيا من هاتين الحادثتين لم تصلا إلى “نقطة الفيض”. الحادثة الأولى كانت المواجهة مع ضابط شرطة. وتدخل الجهاز التنفيذي وحاسبها. فنسي الناس الموضوع. والحادثة الثانية لم تغضب سوى البعض، لكن بالنسبة لبقية الشعب فإن الجن والعفاريت شغالة عادي.


حادثة “فتاة المول” كانت مختلفة، ورد الفعل كان قويا، ربما أقوى مما توقعنا، إلى درجة أثارت الريبة في إمكانية أن يكون وراءها “تحريك ما” في الصراع السياسي والاجتماعي القائم.


كان رد الفعل قويا بحيث لم تستطع شركات الرعاية أن تخاطر بالوقوف أمامه. ولم تستطع الشركة المنتجة أن تحافظ على الأربعين مليونا.


كان رد الفعل قويا، بحيث حاول نجوم النهار توجيهه إلى قناة منافسة، لكنهم فشلوا في ذلك.


خلطة القناة والمذيعة والإعلانات خلطة قوية جدا، والعناصر مركبة، بحيث لا يمكن الاستغناء عن أي منها. كيف اجتمعت العوامل كلها في حادثة ريهام سعيد. هل كان ما حدث رد فعل شعبي، وحسب، أم كان الموضوع أكبر من ذلك؟


سيظهر هذا بعد عودة البرنامج، والذي أعلنت عنه قناة النهار، بينما أعلنت السوشيال ميديا عن دعوة لمقاطعة القناة نفسها، وليس فقط هذا البرنامج ورعاته. سيظهر، هل تنجح القناة في خطتها، أم تضطر للتراجع مرة أخرى، أم تنهار القناة تحت ضغط غضب “حقيقي” من الرأي العام.


كيف تخاطر قناة بهذا؟


1- رأيي أنها قررت أن المخاطرة ليست كبيرة. بمعنى أن الخسارة إن لم يعد البرنامج بإعلاناته ستكون فادحة، وبالتالي فالفرق ليس كبيرا (ضربوا الأعور على عينه). لو لم تُعِد البرنامج ستنهار. أما لو أعادته فهناك أمل.


2- تراهن النهار هنا على ضعف الذاكرة، وعلى “الطيبة”. أتوقع أن يعود برنامج صبايا الخير بحملة “إنسانية” قوية جدا، تضع الناس في مواجهة ضمائرهم ورغباتهم في المساعدة. ثم لن يعود إلى سابق عهده إلا بعد فترة.


3- لو كانت “الشكوك” صحيحة. وكانت الحملة الماضية أكبر من مجرد “رد فعل” ورأي عام، فهناك شركات رعاية سنيدة، تقدم دعمها مقابل خدمات، لأنها ليست مرتبطة بالجمهور العام في منتجاتها. سيكون جديرا بالملاحظة الشركات التي تبادر إلى الإعلان.


بغض النظر عن مآل الأمور في النهاية، هناك ملاحظتان ملفتتان في ما حدث:


1- الاقتصاد، البزنس، بوجهه الإعلاني أكبر - وأفضل - معبر عن موازين القوى. إعلانات السلع الخدمية، بسبب ارتباطها بالعقاب المالي، هي التي وصلت بالبريميير ليج إلى ما هو عليه الآن، فنيا وأخلاقيا. فليست الإعلانات كما يُروج لها هنا ككلمة سلبية. فهي المصدر الأهم لـ “الاستقلال” الإعلامي، وللرقابة الجماهيرية.


2- ? نحن فقراء في المواهب. كيف تعجز قناة عن الصعود بنجوم إعلاميين إلى هذا الحد؟ الإجابة، أننا لا نريد أن نخاطر. لقد تحولت الشعبية إلى سلاح ذي حدين. حده الأول هو الاستسلام للذوق الشائع. وحده الثاني هو أن يهوي عليك هذا الذوق، ويلفظك، فلا تستطيعي أن تتصرفي. وهذا يتضح أكثر وأكثر حين نصل إلى الخلطة السحرية كخلطات ريهام سعيد، بحيث تنتج منتجا رخيص التكلفة مرتفع العائد.


 .أمام المؤسسات الإعلامية مهمات شاقة وتحديات قاسية لا يزيدها الانفتاح إلا قسوة