التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 04:32 ص , بتوقيت القاهرة

Everest - وحش الطبيعة لا يرحم

إفرست وحش من الوحوش.


الوصف المُبكر للجبل المرعب، على لسان أحد الشخصيات في الفيلم الثلاثي الأبعاد Everest، قد يكون أفضل موجز للعمل، الذي نجح فيه المخرج الأيسلندي بالتزار كورماكور باقتدار، في صياغة معادلة سينمائية بصرية وصوتية، تجعل من الجبل وحشا عديم الرحمة، يفوق في حضوره السينمائي باقي الشخصيات كلها.


عدد المتسلقين الكُلي الذين سقطوا كفريسة أثناء تحديهم للجبل الشهير منذ اكتشافه رسميا غير معروف. لكن يكفي أن تعرف أن الانهيارات الثلجية الروتينية في عامي (2014 - 2015) فقط، قتلت ما يقرب من 40 ضحية.


يقتبس الفيلم كارثة حقيقية واحدة حدثت في مايو 1996 عندما تعرّض أفراد فريقين للتسلق قرب قمة إفرست، إلى عاصفة جليدية مرعبة أنهت حياة بعضهم. 



ما الدافع؟.. ما الذي يجعل البعض يغامر بحياته ويدفع ثروة في رحلة، للوصول إلى أعلى نقطة بر فوق سطح البحر؟.. السؤال يوجهه جون كراكيور، الصحفي والمتسلق الذي خاض الرحلة المشئومة بغرض التدوين، لباقي رفاقه في بداية الفيلم دون إجابة شافية.


كراكيور كتب لاحقا الكتاب الأكثر مبيعا عن الكارثة (Into Thin Air)، لكن سيناريو ويليام نيكلسون - سيمون بيوفوي يقتبس من مصادر أخرى. السيناريو يستهلك ساعة كاملة تقريبا في تعريفنا بالشخصيات والتمهيد للكارثة، ومع هذا يفشل للأسف في صناعة ترابط عاطفي ونفسي حقيقي بين المُتفرج والشخصيات.


الفشل في هذه الجزئية محبط، خاصة إذا وضعنا تاريخ الكاتبين في الاعتبار. نيكلسون كتب سابقا أفلام بشخصيات مهمة تخوض صراع بقاء، على رأسها Gladiator - Unbroken. زميله بيوفوي يفوقه تألقا في هذه النقطة، مع قائمة أقوى تضم فيلم 127 Hours. أحد أفضل الأعمال المتعلقة بصراع بقاء في ظروف بائسة بعد حادث.


اقرأ أيضا: الكليشيهات تكسر جودة التنفيذ في Unbroken



قد يكون سبب العجز محور الأحداث الذي يضم ما يقرب من دستة شخصيات دفعة واحدة. وهي نقطة تجعلنا نتساءل، إلى أي مدى كان سيصبح الفيلم أفضل في حالة تركيزه على 3 أو 4 شخصيات فقط مثلا؟     


رغم هذا يُحسب للسيناريو وللمخرج عدم صياغة الشخصيات لتبدو بطولية أو استثنائية، على طريقة أفلام الكوارث المعتادة (شاهد San Andreas كمثال مؤخرا). في الحقيقة بعض اللمسات الحوارية توجه للشخصيات بشكل مستتر ذكي، اتهامات بالخواء أو الطمع أو خلافه. 


اقرأ أيضا: لا جديد بمقياس ريختر في San Andreas


مشهدي المفضل في الفيلم، يسقط فيه أحد الشخصيات من ارتفاع شاهق دون أي تمهيد. قيمة المشهد القاسي تكمن في تعامله مع الموت في هذه الأجواء ببساطة ومصداقية. الطبيعة لا تعرفك.. لا تُبالي.. لا تُفكر.. وبالنسبة لها لا يختلف الإنسان عن أي قطعة حجر أو كتلة ثلجية. 



استفاد الفيلم من طاقم تمثيل رفيع المستوى يضم (جيك جيلنهال - جوش برولين - كيرا نايتلي - روبن رايت بين - سام ورثينجتون - إميلي واتسون - جايسون كلارك). لكن باستثناء الأخير، الذي يخوض جولات متواصلة مؤخرا لاكتساب الشهرة، من الصعب أن نقول إن أيا منهم استفاد من الفيلم بنفس القدر. خاصة جيلنهال غير الموفق في اختياراته هذا العام إجمالا.


اقرأ أيضا: Southpaw - ضربة نصف قاضية من جيك جيلنهال


في مقابل سطحية الشخصيات وضعف التناول، يتمتع الفيلم بمستوى تقني في القمة. درجة الانسجام والتلاحم بين الخدع البصرية، وما تم تصويره فعليا في جبال الألب الإيطالية، والمواقع الأصلية لإفرست في نيبال، على يد مدير التصوير سالفاتور توتينو على أعلى مستوى. ومن الصعب أن تحدد أين انتهت الصورة الأصلية، وأين بدأت إضافات الجرافيك.


عام 2000 انبهرت ببعض مشاهد المزج والانهيارات الجليدية في فيلم المخرج مارتن كامبل Vertical Limit الذي يدور في أجواء مشابهة. مقارنته بصريا بفيلمنا هنا تجعلك تتساءل: هل يوجد سقف لهدايا التكنولوجيا إلى عالم السينما؟.. وماذا سنشاهد بعد 15 عاما أخرى من الآن؟ 



المزج الصوتي Sound Mixing نقطة أخرى تستحق الإشادة. فريق العمل نجح في تحقيق المعادلة الصعبة. الحوار مسموع بقدر متوازن ومقنع مع هدير العاصفة الذي لا يتوقف. واختار المخرج بذكاء توظيف موسيقى داريو ماريانيللي رغم جودتها، بأقل تكثيف ممكن، ليترك لأغلب أحداث الكارثة طابع حاد شبه تسجيلي.


التأثير العام للكارثة وللمناخ وللمكان ملموس جدا في الفيلم، بشكل لا يجعله مجرد وسيلة إبهار معدومة المغزى. التأثير ومرعب ومقنع. وستشعر ربما بـ عضة الصقيع أو ما يعرف بالإنجليزية باسم Frostbite في بعض المشاهد.


اقرأ أيضا: استسلم للكحول أو لقسوة الطاغوت الروسي في Leviathan


كورماكور كمخرج عامة قطع في الفيلم شوطا عظيما للأمام، رغم أن الفيلم نفسه لا يمكن اعتباره عظيم إجمالا. تاريخه الهوليوودي متواضع ويضم أفلام أكشن متوسطة من نوعية Contraband - 2 Guns لكن المؤكد أنه سينال مستقبلا فرصا أهم بفضل درجة الإتقان البصري هنا وحدها.



توظيف تقنية الأبعاد الثلاثية جيد أيضا مقارنة بالسائد عادة في هوليوود، حين تتحول النظارة إلى أداة خداع لانتزاع سعر تذكرة أعلى ليس إلا (لاحظ مثلا جودة التوظيف في مشهد السلم المُعلق). لكن توقعت توظيف مستديم وأفضل، مع فيلم تدور أحداثه وسط مرتفعات وثلوج، وتسمح لقطاته بعشرات الألاعيب الثلاثية الأبعاد.


إفرست نموذج للفيلم الهوليوودي الحديث، المصنوع بحرفية تقنية وبمزايا يصعب تذوقها على شاشة عادية. عمل مصنوع لقاعات الأيمكس بالأساس، وبدونها يفقد رونقه. بعد شهور بسيطة من الآن سيصبح من الصعب نسبيا أن أنصح متفرجا بمشاهدته على شاشة تلفزيون أو كمبيوتر. 


مشاهدة وحش الطبيعة، تستوجب تسلق الصعاب والذهاب للسينما!.. الرحلة غير ضرورية قياسا لمستوى الفيلم ككل، لكن لا تفكر في المشاهدة بوسيط مختلف. الحجم الهائل لجبل إفرست يستلزم وسيط عرض مماثل حجما.



باختصار:
سيناريو ضعيف يهدر أغلب النصف الأول لربطنا عاطفيا ودراميا بالشخصيات دون جدوى. طاقم تمثيل قوي لم يعالج الضعف رغم اجتهاده. تصوير ومؤثرات بصرية وشريط صوت على أعلى مستوى. أغلبنا لن يتسلق إفرست، لكن مشاهدة الفيلم على شاشة الأيمكس بالأخص، تعطينا لمحة جيدة عن مذاق الرحلة ورهبة المكان.


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك