التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 03:41 م , بتوقيت القاهرة

الحجاب وعورة الرجل

في مطلع القرن العشرين أراد الملك أمان الله خان، حاكم أفغانستان، أن يقوم بخطوة تحديثية في البلد لينقل طبائع الناس البدائية الخشنة، خطوة ناحية التحضر. وخرجت عليهم الملكة ثريا، زوجة الملك، وهي ترتدي فستانا حديثا، مطرزا، قصير الأكمام، يداري جسدها، لكنها تخلت عن غطاء الرأس التقليدي (الحجاب) للمرة الأولى. فما كان من الشعب الأفغاني "المتدين بطبعه" إلا أن قام بثورة على هذا الملك المنحل، وزوجته المُتَهتّكة، اللذان تخليا عن أصل من أصول الدين.


هكذا ترى الشعوب المتخلفة نفسها.. وتلك هي أولوياتها.


ومنذ اللحظة، حافظ الشعب الأفغاني على الحجاب وتخلى عن كل ما عداه.. وصار يتاجر في الأفيون، ويمارس القتل، ويتبنى الإرهاب، وأصبحت ملايين منه ضمن أفقر شعوب العالم. تأكل القمامة. وصنفت أفغانستان كدولة فاشلة.


لو بعث النبي محمد، (ص)، قطعا لن يكون فخورا بشعب كهذا.


                                                    **


تحدثنا في مقال سابق (الحجاب والعورة) عن مقدمات القضية، وذكرنا أن كلمة حجاب لم ترد في القرآن بمعنى زي معين أو لباس يخص المرأة. ولكن بمعنى حاجز مكاني. وكانت الآية واردة ضمن آداب التعامل من الغرباء تجاه المرأة داخل بيتها، كي لا تُجرح خصوصيتها، وكان الأمر يخص الصحابة الذين يدخلون بيت النبي ليتناولوا الطعام، ثم يتحدثون إلى زوجاته في غرفاتهم البدائية المصنوعة من الجريد والتراب، والمغلقة بستار رقيق من القماش، فوجب عليهم الاستئذان.  


وهذه المرة نكمل..


لكن قبل الحديث عن عورة المرأة، من المهم أن نتحدث قليلا عن عورة الرجل، كمدخل مهم للموضوع.. "فالنساء شقائق الرجال" كما ذكر النبي في الحديث الصحيح.. "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" كما أورد الله في كتابه. (بعض المجتهدين جعل للمرأة الحق في الولاية العامة، وتولي الحكم، بناء على هذه الآية، التي جعلتها كفؤا لتمثيل الرجل أو النيابة عنه كما أنه يمثلها وينوب عنها بالتساوي).


لدينا في عورة الرجل، حديث صحيح صريح، واضح المعنى والدلالة، ولا خلاف عليه.. وهو أن "عورة الرجل من سرته وحتى ركبته".


ولكن لو عدنا للسنة، سنجد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو أول من خالف الحديث.. حديثه.. في أكثر من موضع.


أولها أن النبي كان جالسا، متكئا، في مسجده، ورداءه منحسرا عن فخذه، ودخل عليه أبو بكر، ثم عمر، ولم يعتدل الرسول، ولم يغطِ فخذه، ثم دخل عثمان، رضي الله عنهم أجمعين، فاعتدل النبي وغطى فخذه. وقال الجملة الشهيرة، ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.


الواضح أن النبي لم ينشغل كثيرا بقضية العورة.. وهو يعلم جيدا أنها من الأداب العامة، يستقل بتحديدها كل موقف، وكل طبيعة مكانية وزمانية. والنبي يجلس جلسة ودية بين أصحابه، فلم يجد حرجا من أن ينكشف رداءه عن فخذه.


حدث ذلك مرة ثانية، عندما كانوا يحفرون الخندق، والعدو يتربص بهم، وروى بعض الصحابة أن النبي كان ينشط في العمل ويهبط ويصعد ويحمل الحجارة، حتى يُرى بياض فخذيه، من شدة الحركة. ذلك وقت عمل وجدية، وحركة عنيفة تحتاج إلى تحرر، وذاك وقت جد، ووقت الجد ليس من اللائق الحديث عن الصغائر. والصحابة نظرت لفخذ النبي، وهي تعلم أنه ليس حراما.


لذلك قال بعض الفقهاء أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط (العورة المغلظة).


ولكني أرى أن النبي عندما قال الحديث فهو يأمر بشيء من باب الآداب العامة، وجوب الحشمة واحترام المجال العام، ولم يأمر بشيء من أمور الدين العبادية. والأمر على سبيل النصح والإرشاد والترقي الاجتماعي والإنساني ليس أكثر. وهنا مدخل كبير لفهم القضية؛ أن العورة، وأوامر الدين فيها، هدفها تحسين حياة الناس، وإضفاء درجة من الوقار بينهم، وعدم خدش الحياء، واحترام الذوق العام. ولذلك فهي شأن متغير بتغير أعراف الناس، وقواعدهم الاجتماعية، والمحك الرئيسي هو تحقيق الحماية والاستقرار المجتمعي.


فمثلا، لو أخذنا بالحديث الذي يقول أن عورة الرجل من سرته إلى فخذه، فهذا معناه أن صدر الرجل وكتفيه وساقه ليست عورة، وهنا نتساءل، هل يجرؤ أحد أن يمشي في الشارع عاري الصدر ويزعم أنه ليس حراما.. وكيف يكون رد فعل المجتمع تجاهه، قطعا سيصفوه بالجنون. رغم أن الفعل كما ذكرنا حلالا مباحا.. وهنا نتكئ على قاعدة أنه ليس كل مباح متاح. وكذلك ليس كل نهي محمول على إطلاقه.


ونكمل مرة قادمة..