التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 05:57 م , بتوقيت القاهرة

مصر وفرنسا والتعديلات الدستورية

ألمح الرئيس السيسي في حديثه مع الشباب منذ أيام إلى احتمالية تعديل الدستور المصري في المستقبل. الدستور في وضعه الحالي يعبر عن حالة "سمك ، لبن، تمر هندي"، و يضم خليطا غير متناسق من المواد، وخاصة ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي، فيقتبس من النظام الرئاسي- كما هو مطبق في الولايات المتحدة- تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات، ويقتبس من النظام شبه الرئاسي -كما هو مطبق في فرنسا- الجمع بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، ويأخذ من النظام البريطاني- كما هو مطبق في دول مثل المملكة المتحدة- فكرة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.


هذا الخليط من الصعب أن يوجد في أي دستور، وسيؤدي بالضرورة إلى ارتباك في عمل النظام السياسي.


ماهو الحل؟


الحل هو العودة إلى الأصول، وتبني نموذج واحد للنظام السياسي، كما هو موجود في التجارب الدولية المعاصرة، ودون اختراعات مصرية. وإذا كان هذا هو النموذج شبه الرئاسى الذي يجمع بين منصبى الرئيس ورئيس الوزراء، فعلينا هنا أن نقتدي بفرنسا صاحبة هذا النموذج، وبالتعديلات التي أدخلتها على دستورها لتطوير هذا النظام، وكان آخرها التعديلات التي أجريت في يوليو 2008.


ما هي هذه التعديلات؟


 الواقع أن تطبيق النظام شبه الرئاسي في التجربة الفرنسية أدى إلى بعض المشاكل، وخاصة في الفترات التي كان ينتمي فيها رئيس الجمهورية إلى حزب معين ورئيس الوزراء إلى حزب آخر. فبالرغم من أن رئيس الجمهورية يقوم باختيار رئيس الوزراء، إلا أن عليه اختيار شخص يحظى بتأييد الأغلبية في البرلمان، وفى بعض الحالات كانت هذه الأغلبية تنتمي إلى حزب معارض لرئيس الجمهورية.


وقد سعت فرنسا للتعامل مع هذه المشكلة من خلال أن يكون موعد الانتخابات البرلمانية قريبا جدا من موعد الانتخابات الرئاسية، وبحيث إذا فاز رئيس الجمهورية من حزب معين يمكن أن تمتد نفس موجة التأييد إلى انتخابات البرلمان ويفوز حزبه بالأغلبية، وبالتالي يختار رئيس الوزراء من نفس الحزب.


وقد وافق الشعب الفرنسي على تعديل دستوري عام 2000، تم بمقتضاه تقليص فترة الرئاسة منذ سبع سنوات إلى خمس سنوات كي تصبح مثل فترة البرلمان، وكي تجري الانتخابات للرئاسة والبرلمان في فترة قريبة من بعضها البعض، وبالفعل أجريت أول انتخابات استناداً لهذا النظام الجديد عام 2002، والتي فاز فيها الرئيس شيراك بالرئاسة وفاز حزبه بالأغلبية في البرلمان، وتكرر نفس السيناريو عام 2007، حيث أجريت انتخابات الرئاسة في 16 مايو وفاز بها الرئيس ساركوزي، وأجريت انتخابات البرلمان في 10 يونيو وفاز حزبه (الاتحاد من أجل حركة شعبية) بالأغلبية، وبالتالي اختار رئيس الوزراء من نفس الحزب.


ويتمتع رئيس الجمهورية في فرنسا بسلطات واسعة توصف بأنها سلطات شبه إمبراطورية، لذا جاءت التعديلات الدستورية الجديدة – والتى تقدم بها الرئيس ساركوزى عام 2008، ووصفت بأنها من أهم التعديلات التي أدخلت على الدستور الفرنسي منذ إقراره عام 1958- لتعطي المزيد من السلطات للبرلمان، وتحقق قدرا أكبر من التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية، بالإضافة إلى ضمان المزيد من حقوق المواطن.


وقد قامت التعديلات الدستورية بتقنين الوضع العرفي القائم والمتعلق بفترات الرئاسة، وذلك بالنص على تحديد فترات الرئاسة بفترتين، وأعطت لرئيس الجمهورية حق مخاطبة البرلمان والحديث مباشرة أمامه، وهما ملمحان من ملاح النظم الرئاسية. وفي المقابل أعطت التعديلات الدستورية العديد من السلطات الجديدة للبرلمان ومنها الموافقة على عدد من التعيينات التي يقوم بها رئيس الجمهورية، وزيادة دور البرلمان في تحديد الأجندة التشريعية، وسمحت للمعارضة في البرلمان بتشكيل لجان تقصي حقائق وجمع معلومات، واشترطت إبلاغ البرلمان خلال ثلاثة أيام بأي عمليات عسكرية في الخارج تشارك فيها قوات فرنسية، وضرورة موافقة البرلمان على العمليات العسكرية التي تمتد لأكثر من أربعة أشهر، وسمحت للمواطنين الفرنسيين الذين يعيشون خارج البلاد بأن يكون لهم تمثيل في البرلمان. 


كما أعطت للمواطنين حق اللجوء إلى المحكمة للدستورية وطلب النظر فى مدى دستورية القوانين إذا كان المواطن طرفًا في نزاع بخصوص أحد هذه القوانين. وتضمنت التعديلات أيضًا إنشاء مكتب يطلق عليه "المدافع عن حقوق المواطن" يستطيع المواطن الذي يشعر بأنه يتعرض لظلم في تعامله مع المؤسسات العامة أن يلجأ إليه.


والواقع أن العديد من هذه الأفكار جديرة بالتأمل عند النظر  في أي تطوير مستقبلى للدستور المصرى.