التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 12:08 ص , بتوقيت القاهرة

مايكل كيتون.. باتمان أو بيردمان المهم أن تطير!

1988
شركة وارنر للانتاج السينمائي استقبلت أكثر من 50 ألف خطاب رفض من معجبين باتمان، مع اعلان اختيارها للممثل الكوميدي مايكل كيتون للدور، في فيلمها المقرر عرضه صيف 1989.


1997
حملة واسعة ومنظمة للمطالبة بعودة مايكل كيتون الى الدور، بعد فشل فيلم Batman & Robin الذي قدم فيه الدور جورج كلوني.



غالبا لن ينضم مايكل كيتون الى أى قائمة (أعظم 10 ممثلين في التاريخ)، مع أمثال مارلون براندو وجاك نيكلسون وروبرت دي نيرو، لكن من حيث المفاجآت يمكن اعتباره  ضمن النجوم أصحاب السجل الغريب في تحقيق نجاحات غير متوقعة.


اقرأ أيضا: 10 أدوار خالدة لـ"روبرت دي نيرو"


الاسم الحقيقي لـ كيتون المولود في 5 سبتمبر 1951 في بنسلفانيا، هو مايكل جون دوجلاس. وعندما وضع أقدامه أخيرا على سلم الشهرة بفضل المسلسلات في نهاية السبعينات، بعد حوالي 10 سنوات مع الأدوار المتواضعة، كان اسم مايكل دوجلاس محجوز بالفعل لنجم أخر! 


اختار اللقب الجديد تيمناً بالنجمة الشابة وقتها ديان كيتون، التي جمعت أدوارها بين الكوميديا والدراما الجادة. ولا عجب أنه حاول فعل نفس الشىء في مشواره الفني.  



حقق نجاح جيد مع أول دور سينمائي في Night Shift 1982 وفاز بفضله بأول بطولة فورا في Mr. Mom 1983. أحد أفلام هوجة الثمانينات الكوميدية التي قامت على فكرة (رجل في مهام العناية بالأطفال). لكن نقطة الانطلاق الأهم تحققت في Beetlejuice 1988. الفيلم الروائي الثاني للمخرج المعروف تيم بيرتون.


عشرات العناصر فقدت بريقها نسبيا في الفيلم الفنتازي الكوميدي بمقاييس هوليود حاليا. المؤثرات البصرية عتيقة بمعايير ثورة الجرافيك. الاطار العام ساذج وطفولي نسبيا. لكن حتى الأن يمكن مشاهدة صديقي الشبح (الاسم التجاري للفيلم في سوق الفيديو المصري) بنفس متعة مشاهدته أول مرة فترة الطفولة، بفضل أداء كيتون المبالغ فيه، لشخصية مبالغ فيها.  


الشبح المزعج غريب الأطوار، أصبح تقريبا المنافس الوحيد في الشهرة لأشباح فيلم طاردو الأشباح Ghostbusters في الثمانينات. والأداء الكوميدي الخشن المزعج، لم يعد مصدر قلق للمنتجين. لاحظ مثلا كيف نجح جيم كاري لاحقا في التحول لنجم شباك أوائل التسعينات بأدوار مشابهة.


Beetlejuice


بسبب هذا التصنيف كان من الطبيعي أن يصبح الكوميديان العابث اختيار مزعج لدور باتمان، بعد أن تضمنت قائمة المرشحين أسماء مثل (ميل جيبسون - هاريسون فورد - بيريس بروسنان - إليك بالدوين - كيفين كوستنر - باتريك سويزى - دينيس كويد - كيرت راسل - دانيال دى لويس).  


عشاق باتمان اعتبروا الاختيار دلالة أن الفيلم الجديد سيصبح تكرار مؤكد لخطيئة المسلسل والفيلم القديم، بتقديم شخصية باتمان في اطار كوميدي سطحي. ورغم كل تأكيدات تيم بيرتون مخرج الفيلم العكسية، ازدادات نغمة الاعتراضات. شركة وارنر بدأت حملتها الاعلانية مبكرا لنفى التهمة واستخدمت صور جادة لمايكل كيتون في الدور، مع تركيز دعائي أكبر على نقطة الجذب الأقوى والنجم الأشهر (جاك نيكلسون في دور الجوكر).


اقرأ أيضا: 10 أدوار شهيرة كاد روبين ويليامز أن يمثلها


الحملة الاعلانية الجيدة، واشتياق الجمهور لباتمان أكثر حدة، مع الأجواء المبهرة بصريا انتهت بفيلم حقق وقت عرضه إيرادات تخطت ال 411 مليون دولار عالمياً (لاحظ ضخامة الرقم في الثمانينات). 


Batman Trailer


نال كيتون اشادة النقاد والجمهور بعد العرض، وحلق بباتمان للقمة مع عناصر أخرى، أهمها المزج الناجح والتوظيف المتقن من تيم بيرتون لكل عناصر الصورة، ابتداءً بالملابس والديكورات ومواقع التصوير والألوان، واختيار الطابع الليلي خافت الاضاءة، الضروري لشخصية محارب الجريمة السري الذي ينشط ليلاً، مرورا بالمؤثرات البصرية التي كانت طفرة بمقاييس وقتها.


بالتأكيد خطف الجوكر الأضواء في الفيلم، وأصبح نجاح جاك نيكلسون سبب تأسيس قاعدة مهمة في أغلب أفلام باتمان والكوميكس كلها لاحقا (نجم أكبر وأشهر لدور الشرير مقارنة بالبطل). لكن يظل جزء من اكتساح الفيلم مرهون بأداء كيتون، الذي عاد للدور من جديد في Batman Returns 1992 محققا نجاح مقارب مع نفس المخرج، وان كان لا يقارن بالفيلم الأول (267 مليون).


اقرأ أيضا: أبطال الكوميكس وسجن قوانين السينما


محاولاته الخروج من عباءة باتمان والأدوار الكوميدية، خلال هذة الفترة انتهت بأعمال حققت نجاح متوسط جماهيريا ونقديا. وأغلبها فعلا متوسط على كافة الأوجه. من أشهرها  Pacific Heights 1990 - One Good Cop 1991 - My Life 1993 



بعد انسحاب بيرتون من الفيلم الثالث لباتمان، رفض كيتون تكرار الدور، رغم اغراءات شركة وارنر المادية التي وصلت الى 15 مليون دولار!.. وأعلن رفضه التام لنسخة السيناريو النهائية لفيلم Batman Forever 1995 التي وافق على تنفيذها المخرج الجديد جول شوماخر.


اعلان تفاصيل الرفض كان سبب في تعرض كيتون لهجوم اعلامي، باعتبار علاقته بالمخرج القديم هى سبب الأزمة الرئيسي. لكن عندما بدأ عرض الفيلم فعلا، لم يلق التجاوب النقدي المعتاد، رغم النجاح التجاري. ثم وصلت السلسلة الى نقطة السقوط التام نقديا وجماهيريا مع الفيلم الرابع Batman and Robin 1997. ثاني أفلام شوماخر في السلسلة.


الفيلم الذي كاد أن يقتل مستقبل باتمان في هوليوود للأبد، كان سبب حملات جماهيرية موسعة لاعادة كيتون وبيرتون. بالطبع لم يحدث هذا وربحنا ثلاثية جديدة، ابتداء من 2005 تفوق في جودتها كل ما سبق مع المخرج كريستوفر نولان والنجم كريستان بيل، لكن يظل هذا مؤشر أن قرار كيتون بالانسحاب كان صحيح (فنيا)، بغض النظر عن خسارته الشخصية (ماديا).
    


موافقة كيتون على المشاركة في الأفلام 3 و4 كانت ستضيف الكثير لرصيده البنكي، لكنها بالتأكيد كانت ستقتل تماما أى ذكرى طيبة له في الدور في أول فيلمين. يبقى السؤال هل قدم فعلا أدوار جيدة كبديل عنها خلال نفس الفترة؟


اجمالا لا شىء قوي يخلد في الذاكرة، رغم المشاركة في أفلام مهمة مثل جاكي بروان Jackie Brown 1997 مع المخرج كوينتن تارنتينو. 


اقرأ أيضا: تارنتينو.. الثمانية المكروهون بعد السبعة الرائعين


لكن توجد لمحات تألق فيها كممثل، بغض النظر عن المستوى النهائي للعمل نفسه. شاهد مثلا أدائه في الفيلم الكوميدي Multiplicity أو المتعدد، الذي قدم فيه دور زوج يعاني من ضيق الوقت للقيام بواجباته الأسرية، يقرر استنساخ نفسه مرة واحدة، وتنتهي الفكرة بمأساة مع وجود عدة نسخ منه. أو دور المجرم الدموي في Desperate Measures 1998 الذي ابتعد فيه تماما عن الكوميديا. 


Multiplicity


النجاح الباهت لأفلامه أواخر التسعينات، ومعالم السن التي بدأت الزحف على وجهه، عجلت في بداية الألفية بخروجه التام من اطار النجومية في هوليوود، ليصبح النجم المتخصص في الأدوار المساعدة. ولعل هذا سبب هروبه للمسلسلات أكثر. باستثناء الأداء الصوتي في بعض أفلام بيكسار المهمة مثل Cars - Toy Story 3 لا شىء أخر يستحق الذكر، وسط عشرات الأعمال.


اقرأ أيضا: بيكسار تنافس نفسها بفيلمين في 2015


كل شىء في بدايات 2014 يوحي بأنه استقر في هذة المكانة للأبد. مع أدوار مساعدة بسيطة غير مهمة، في أفلام هوليوودية ضخمة من نوعية RoboCop - Need for Speed.


لكن أواخر العام تغير كل شىء وعاد الباتمان للطيران، بجناحين مختلفين هذة المرة!.. جناحين باسم Birdman أو الرجل الطائر. الفيلم الغريب العظيم للمخرج أليخاندر اناريتو الذي اكتسح الأوسكار العام الماضي بـ 4 جوائز تتضمن (فيلم - اخراج - سيناريو)، بالاضافة الى 5 ترشيحات أخرى تتضمن ترشيح لـ كيتون كأفضل ممثل. 


Birdman


درجة التشابه والتطابق بين الشخصية الرئيسية في الفيلم (نجم سينمائي سابق حقق النجومية بفضل دور بطل خارق في سلسلة قديمة باسم Birdman ثم فقد نجوميته للأبد)، وبين كيتون لا تحتاج الى توضيح. 


في الحقيقة حوار الفيلم مليء بتفاصيل لتكرار الارتباط، ومنها مثلا أن البطل قام بدور بيردمان أخر مرة عام 1992 (نفس تاريخ أخر فيلم باتمان لكيتون). وأنه رفض مواصلة السلسلة رغم العروض المادية! 


اقرأ أيضا: الكل يُحلق في "Birdman"


الدور يستنزف تقريبا كل كبيرة وصغيرة من مايكل كيتون. طاقته الكوميدية.. حضوره كنجم.. قدراته في الدراما الجادة.. ثقته بنفسه التي تصل لمراحل السخافة أحيانا عمدا.. طبيعته العبثية المتقلبة. والأهم من كل ما سبق، تاريخه الفني نفسه، الذي تحول هنا إلى ما يشبه خلفية حاضرة للشخصية. هذا دور يحلم به كل ممثل في تاريخه الفني ليخلد اسمه، ودور خالد الآن بفضل الأداء الاستثنائي لـ كيتون.



2014 كان عام صعب جدا في الاختيار، مع عشرات الأدوار الممتازة، لكن شخصيا أمنح صوتي لأداء كيتون في الفيلم، عن أداء إيدي ريدمن الذي فاز بالأوسكار عن دور عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في The Theory of Everything. 


اقرأ أيضا: التمثيل هو كل شيء في The Theory of Everything


غالبا لن يعود كيتون أبدا كنجم شباك، لكنه أثبت في الدور وهو في الـ 64 أن بامكانه التحليق من جديد. وأن دور باتمان لن يكون بالضرورة المحطة الأهم التي سنتذكره بها للأبد. 


هل سيحلق من جديد يوما ما؟.. سؤال صعب يتوقف على فرصه واختياراته مستقبلا. السن عامل غير مساعد في عدد الفرص وطبيعتها. وتاريخه المهاري في الاختيارات يقلل الاحتمالات أكثر وأكثر. لكن للانصاف، هذا رجل يملك من الموهبة فعلا ما يجعله قادر على التحليق مرة ثالثة وعاشرة!



بقى أن أذكر أن صديقي الشبح Beetlejuice على وشك العودة بفيلم ثاني، طبقا لتصريحات عديدة مؤخرا لـ كيتون وبيرتون ووينونا رايدر بطلة الفيلم!


الخبر قد يكون مؤشر لفيلم جيد جديد ييعيد للشخصية شهرتها وسط أجيال جديدة لا تعرفها. أو لمأساة قريبة تنسف كل ما أحببته في الفيلم الأول!.. لكن في النهاية مرحبا بعودة كيتون الى الدور الذي عرفته فيه وأحببته بفضله. العودة أيا كانت نتيجتها بعد غياب 27 عام عن الدور، مصدر الهام. أقلية يمكن أن تسقط وتعود للطيران بعد تجاوز الـ 60. 


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك