التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 06:13 ص , بتوقيت القاهرة

زيت خالد منتصر و الخطاب الأرثوذكسي (1)

ربما لم تكن مقالات الدكتور خالد منتصر، والتي تناول فيها بالنقد ظاهرة إيمان الأرثوذكس بنزول زيت مقدس من الأيقونات والصور المسيحية هي الدافع الرئيسي لي لكتابة هذه السلسلة من المقالات، قدر ما كانت ردود الأقباط المتشنجة المتجاوزة للعقل والمنطق، والتي لا تخرج من إطار الحالة الانفعالية هي ما ألهبت حماسي لتناول هذا الأمر بشكل مفصل، والرد على حججهم وتفنيدها.


ردود الأقباط عكست بشكل مباشر تراكمات رضاعة أربعين عاما للمخدرات الدينية نتيجة خطاب ديني مستنسخ من العصور الوسطى، قام بتشكيل الوعي القبطي وبنيته الفكرية على هذا النحو المفارق لأبجديات العصر الذي يُكرّس للإيمان الإطلاقي الخارق للطبيعة، الذي يتجاوز السببية، وبالتالي يسقط العقل كأداة معرفية للتعاطي مع الأمور وكافة الظواهر.


خطاب موجه لتعطيل وشل الوعي القبطي وإغراقه في مستنقع من الخرافات من مؤسسة تشكل دورها التاريخي كمؤسسة سلطوية، أرادت دائما أن تحافظ على السطوة الاستلابية للدين لأغراض سياسية.


قام الدكتور خالد منتصر في مقالاته بإخضاع ظاهرة نزول الزيت من الصور لآليات العقل والعلم شأنها شأن أي قضية تراثية إسلامية أخرى كبول البعير والحجامة.. إلخ في السياق العام التنويري الذي يتبناه الرجل، وهو نفس الدور الذي سبقنا وقام به فلاسفة التنويريين التفكيكيين في العصور الوسطى، وعملوا على عقلنة وأنسنة المسيحية وتنظيفها مما علق بها من تراث وتفكيك أصوليتها وانغلاقاتها الطائفية والفكرية.


والمفارقة أن الأقباط كانوا من أشد المؤيدين له عندما كان يتناول القضايا الإسلامية بالنقد، إذ بهم ينقلبون عليه 180درجة ويكيلون له الاتهامات والسباب؛ لأنه تناول قضاياهم بنفس المعيار الذي يتناول به القضايا الأخرى.. ظاهرة تعكس حجم الانفصام والازدواجية التي بات عليها الأقباط، فهم أسرى لمنظومة فكرية مغلقة مغلفة بالقداسة عصية على اختراق العقل الذي لا يسير إلا في اتجاه واحد ألا وهو التعاطي مع المعتقدات الأخرى فقط.


ولتحليل تلك الظاهرة لابد أن تكون البداية هي تسليط الضوء على الدين نفسه، وتعريف الأسطورة ودورها وتتبعها تاريخيا على الصعيد السوسيولوجي والعقائدي، فقد خلص علماء الثيولجي أن الدين ( أي دين) له بنية موحدة قائمة على ثلاثة عناصر رئيسية: 


(1) المعتقد 
وهو عبارة عن صورة ذهنية عن عالم الألوهية وقد يرافقه قواعد وأسس إيمانية (الدوجما).


(2) الطقس 
وهو وسيلة الاتصال الرئيسية بين الجماعة وعالم الألوهية، فمن خلال الطقس ينتقل المعتقد من حيز الفكرة إلى حيز الفعل والحركة، بمعنى إضافة ناحية ديناميكية للفكرة حتى لا تتحجر وتموت.


(3) الأسطورة
عامل هام جدا في أي دين، فهي حكايات مقدسة تكون بمثابة الوسيلة الرئيسية التي ستقوم بالربط بين العالم الواقعي المادي الذي نحيا به وعالم الألوهية الغيبي الماورائي، ولها سطوتها وتأثيرها البالغ وهي محور حديثنا. فالأسطورة تكمن قوتها بما تتميز بها من قدرة على البقاء خارج الإطار الزمني نفسه، وتتخذ صفة الحضور الدائم لأنها في الغالب تتضمن حقائق أزلية ثابتة تتجلى في حياة البشر، ومن هنا تملك المحافظة على طاقتها وقيمتها الإيجابية وتماسكها النسبي.


وهي بالأساس تخاطب الجانب العاطفي وغير العقلاني، وتنشأ من المعتقد الديني، وتكون امتدادا له، وتعمل على توضيحه وتماسك نصوصه وتضيف حيوية ولون لعالم الألوهية وتمتلك من المرونة القدرة على الامتزاج بالنتاج الثقافي للمجتمع نفسه، وتلعب فيه الآلهة وأنصاف الآلهة ( القديسين في الحالة المسيحية) الأدوار الرئيسية فيها ودور الإنسان يكون ثانويا لا رئيسيا.


وأهم ما تقوم به الأسطورة أنها تنقل الألوهية من الوجود المجرد إلى العقل الذي يظهرها في عالم الإنسان ويربطها في مسار حياة الفرد بشكل مباشر، حيث سوف يعلو الإله على مظاهر وقوانين الطبيعة، وترتبط الأسطورة بعلاقة طردية مع الطقس، فكلما زادت الأساطير ازدادت الطقوس تعقيدا، فعلى سبيل المثال لا الحصر يكفي نظرة سريعة للكنيسة الأرثوذكسية ومقارنتها بطقوس الكنيسة الإنجيلية لمعرفة أي من الطرفين يمتلك العدد الأكبر من الأساطير.