التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 09:32 م , بتوقيت القاهرة

سكر مُر.. إشكالية الرجل والمرأة التي لا تنتهي

موسم 2003 اعتبر أغلب النقاد فيلم سهر الليالي الحدث الأبرز خلال الموسم. ولم يكن الجمهور أقل منهم حماسا في شباك التذاكر، أو في الإشادة لاحقا بالفيلم بعد انتشاره على الفيديو والفضائيات.


فيلم مختلف عن 4 رجال و4 سيدات في صداقات وعلاقات متشابكة، بفضل سيناريو متماسك، يطرح أسئلة وملاحظات ذات مصداقية عن العلاقة المعقدة جدا بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا، سواء في إطارها الرسمي (الزواج)، أو خارجه.


شارك في الفيلم نجوم لهم تاريخ قبله وآخرون كانوا وقتها في بداية مشوارهم الفني، لكن شهادة الميلاد الحقيقية التي كُتبت بفضله، كانت لمؤلفه تامر حبيب الذي كتب أكثر من 10 أعمال بعده في السينما والتليفزيون، لم يحقق أي منهم نفس درجة النجاح والإشادة. ولمخرجه هاني خليفة الذي توقف 12 عاما بالتمام والكمال، قبل أن يقدم أخيرا فيلمه الثاني سكر مُر. هذه المرة مع المؤلف الشاب محمد عبد المعطي.  



الفاصل الطويل جدا بين الفيلمين، يوحي نظريا بمخرج يبحث طوال سنوات وسنوات عن سيناريو أجود. عن فرصة إنتاجية لتقديم ما هو أفضل. عن شيء مختلف عن السائد. النتيجة النهائية في سكر مُر للأسف لا تثبت هذه الفرضية.


أمامنا من جديد نفس القالب الأساسي تقريبا. 5 رجال و5 سيدات في صداقات وعلاقات وقصص متشابكة، تدور أغلب أحداثها في احتفاليات ليلة رأس السنة، على مدار السنوات الأخيرة. مع نفس الخط العام للشخصيات من جديد تقريبا (الزوجة الملولة - الزوج المصمم على إقامة علاقات مع أخريات - الرجل الذي يتزوج ثم يكتشف أن منظومة الزواج لا توائمه.. الخ).


التجديد هنا في التسلسل الزمني للأحداث. السرد يتحرك أحيانا بطريقة عكسية (العام س - ما قبله - ما قبله)، وأحيانا بالتسلسل العادي. الفكرة نفسها جيدة. أن تبدأ بعرض وضع حالي قائم بين طرفين، أو سلوك وطبيعة ما لشخصية، ثم تعود للخلف لتفسر كيف وصلت الأمور لهذه النقطة.


المشكلة أن هذا التلاعب بتسلسل السرد تحول لاحقا إلى هدف في حد ذاته، وتواصل تكراره مرة بعد مرة، بعد أن عرفنا بالفعل ما نحتاجه عن تاريخ وطباع كل شخصية، وعلاقتها مع الباقين. 



وعلى عكس سهر الليالي، توجد هنا لمسة تصنع واضحة في بعض التصعيدات بين الشخصيات. وستشعر من وقت لآخر أن السيناريو يختلق حوارات ومواقف كاملة ويسير بها لوجهة أو أزمة بدون تمهيد كاف، لأن الأزمة نفسها الهدف أيا كانت الطريقة.


في هذا النوع من الأعمال، تبدو الشخصيات بكل مشاعرها وتقلباتها، غير بعيدة عن واقعنا بالفعل. وتنطبق على قصص وشكاوى نسمعها بانتظام ويتبادلها ملايين الأزواج والزوجات يوميا وسط المقربين منهم. الحب الذي انتهى.. الثقة التي اختفت.. الملل الذي سيطر على العلاقة.. إلخ.


نفس الشيء ينطبق على التغيرات السلوكية. المتحرر الذي يصبح متدين ومتشدد. الفتاة التي تهرب من ذكريات علاقة فاشلة إلى أول عريس جاد في إطار رسمي. كل هذا وغيره يحدث بالفعل، لكن إصرار السيناريو على تقديمه بشكل حاد وزاعق، أضعف نسبيا مصداقية الشخصيات.


الطاقم التمثيلي لم يغير الموقف كثيرا. بعضهم جيد، وأخص بالذكر شيرين عادل التي حافظت على خط عام للشخصية رغم كل تغيراتها السلوكية، واستوعبت أن الدور لإنسانة واحدة في النهاية. وأحمد الفيشاوي الذي منح للشخصية ما تحتاجه سواء في مرحلة الفتى العابث معشوق النساء، أو مرحلة الزوج المحبط من اختياره، دون افتعال.



بعضهم متوسط ومنهم مثلا أمينة خليل وكريم فهمي، وهيثم أحمد زكي الذي نال فرصا عديدة حقيقية على مدار تاريخه، ولم يثبت حتى اليوم جدارته بهذه الفرص.


وبعضهم سيىئ جدا ويهبط بالدور والفيلم درجات ودرجات، وأخص بالذكر ناهد السباعي، التي ينحصر مفهومها عن التمثيل في أن تكون سخيفة ومفتعلة إلى أقصى درجة ممكنة. أو ربما لا تمثل أساسا في هذه الجزئية. أداؤها السيئ كالعادة أفسد تماما شخصية الزوجة التي تعاني مللا وإحباطات بعد الزواج، وسلب من الشخصية أي احتمالات تعاطف أو تفهم، لأن المتفرج غالبا سيرى المشكلة شخصية ولا تخص الطرف الآخر أو منظومة الزواج.


رغم كل هذه العيوب، قد يكون الفيلم بمقياس المتوسط السائد في السينما المصرية فيلما جيدا، لكن بالنظر إلى اسم مخرجه وجودة تجربته الأولى، يصبح سكر مر بالتأكيد خطوة إلى الخلف في مشواره الفني. المشكلة أن الخط العام المتشابه جدا بين الفيلمين يفرض سببا إضافيا قويا، يجعل المقارنة شبه إجبارية.


كل شىء هنا أقل. سيناريو أقل تماسكا وإحكاما. عناصر وتقنيات أقل جودة. مستوى تمثيلي أضعف. هاني خليفة بالتأكيد أفضل من ذلك، وأتعشم أن لا يطول انتظار فيلمه الثالث، وأن يثبت فيه أن بدايته الواعدة لم تكن صدفة أو ضربة حظ.



قضية جانبية: في إحدى الظواهر الغريبة المعتادة في السينما المصرية، تم حذف كلمة (فشخ) بمشتقاتها من شريط الصوت عدة مرات، رغم أن الكلمة مفهومة بعد الحذف كمعنى ونطق بحكم تركيب الجمل وحركة الشفاه. طبقا لبعض التفسيرات، فقد اشترطت الرقابة حذف الكلمة، أو تصنيف الفيلم للكبار فقط مع بقائها. وطبقا لتفسيرات أخرى، فقد اشترطت الرقابة حذفها عامة.


الكلمة منتشرة جدا حاليا، وأصبحت بديلا معروفا بمعنى (يحطم - يُعذب.. الخ). لدينا الآن إذًا مشكلتان: 


الأولى صناع فيلم تعاملوا مثلنا مع الكلمة بدون حساسية، ثم اكتشفوا لاحقا بعد التصوير أنها موضع أزمة. على حد علمي يفترض تقديم سيناريو للحصول على إذن تصوير. السؤال إذا هل وافقت الرقابة على وجودها في السيناريو، واعترضت لاحقا على وجودها في الفيلم؟.. أم أن صناع الفيلم بعد تصويره، قرروا الابتعاد عن تصنيف (للكبار فقط)؟


المشكلة الثانية الأهم، هي وجود جهاز رقابي يتعامل بشكل طفولي متعنت ومبتذل وغير منطقي. لاحظ مثلا انتشار الألفاظ والمدلولات الجنسية في أفلام الكوميديا التي يراها الأطفال.



الأمور تحتاج إلى وضوح. في الخارج توجد خطوط فاصلة معروفة. السيناريست الأمريكي يعرف مثلا الحد الأدنى للسن طبقا للتصنيفات الرقابية، الذي يمكن أن تصل الية بفيلمك مع وجود جمل مثل Fuck You لكن هنا من الواضح أن الأمور تسير بشكل عشوائي بائس.


الأكثر كوميديا أن حذف الكلمة صوتيا، لم يخفيها كدلالة، وأصبحت النتيجة النهائية تكديرا وظلما لصناع الفيلم وجمهوره دون معنى أو فائدة. موقف يتكرر في الفيلم ويفصلك عن الأحداث، ليذكرك أنك مواطن في دولة من العالم الثالث، تشاهد فيلما محكوما بقواعد نفس المنظومة.


على كل ما دامت الكلمة استفزازية رقابيا، أحب أن أؤكد أن الرقابة المصرية العزيزة مصممة على (فشخ المنطق)!.. وهو ما يذكرني من جديد بفضيحة أخرى رقابية مختلفة الأسباب والمصدر، ظهرت مؤخرا في نسخة إعلان Batman v Superman Dawn of Justice الموجهة للشرق الأوسط، وناقشناها هنا تفصيليا.



باختصار:
هاني خليفة يعود بعد انتظار 12 عاما بنسخة باهتة من فيلمه الأول "سهر الليالي".


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك