التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 03:12 م , بتوقيت القاهرة

Terminator: Genisys .. عاد أرنولد وغاب المدمر

أنا عجوز لكن غير منتهي الصلاحية.
I'm old but I'm not obsolete


العبارة التي يرددها أرنولد شوارزينجر عدة مرات في Terminator: Genisys تستحق وقفة تأمل، بعد أن عاد النجم العجوز البالغ من العمر حاليا 67 عاما، لدور الروبوت المعدني القادم من المستقبل، الذي قدمه لأول مرة في The Terminator 1984 وعمره 37 عاما فقط، في فترة كان فيها في قمة لياقته العضلية.


رغم ميزانية الفيلم المتواضعة وقتها (5 ملايين دولار)، نجح السيناريست والمخرج الشاب جيمس كاميرون، في صناعة إحدى علامات الخيال العلمي والأكشن في الثمانينات، في إطار مبهر بصريا، وإن كان لا يقارن بالطبع بما قدمه بعد 7 سنوات في الجزء الثاني، الذي حمل وقتها لقب أغلى فيلم من حيث التكلفة (100 مليون دولار).  


Terminator 2: Judgment Day 1991 لا يزال الأكثر نجاحا على كل المستويات في السلسلة، وأحد الأفلام التي غيّرت هوليوود للأبد، بعد أن أطلق كاميرون من خلاله قطار الجرافيك لصناعة الخدع السينمائية، الذي لم يتوقف حتى اليوم. 



غياب كاميرون كسيناريست ومخرج عن الفيلم الثالث Terminator 3: Rise of the Machines 2003 ترك آثاره السلبية رغم وجود شوارزينجر. وغاب الاثنان عن الفيلم الرابع Terminator Salvation 2009 المصنف كأقل الأجزاء على الإطلاق رغم اسم نجمه كريستان بيل.


كيف يمكن اذا اعادة احياء السلسلة من جديد بعد فيلمين كرههم الجمهور؟
صناع Terminator: Genisys قرروا صناعته بكل الاحتمالات والخيارات الممكنة. بشكل ما هو امتداد وتكملة لأول فيلمين، وفي نفس الوقت إعادة إنتاج للفيلم الأول، وتدشين لخط زمني ومسار أحداث منفصل ومختلف عن كل ما عرفناه سابقا.



الفيلم يبدأ بتمهيد سريع لما نعرفه من الفيلم الأول. جون كونر يستخدم آلة زمن ليرسل كايل ريس للماضي، بغرض حماية والدته سارة كونر من روبوت معدني تم إرساله عبر الزمن لقتلها. المفاجأة هذه المرة أنها تعرف وتنتظر قدوم الاثنين، وبرفقتها مبيد آلي (شوارزينجر) تم إرساله مسبقا لحمايتها.


لعبة خلق مسار مختلف، بحيث تعود الأمور لنقطة الصفر، شاهدناها مؤخرا في فيلمين ناجحين. الأول Star Trek 2009 المقتبس من السلسلة التليفيزيونية الأصل، والثاني X-Men: Days of Future Past 2014  المصنوع لمحو أحداث عرفناها في السلسلة. تحديدا أحداث X-Men: The Last Stand 2006. في كل منهما يخلق السيناريو بذرة التغيير، ويترك الأحداث تتدفق في سلاسة دون تعقيد ومقاطعات.


الاشتباك والتداخل الزمني في Terminator: Genisys لا يتوقف مع خلق البذرة، ويتكرر عدة مرات، بطريقة جعلت نقطة الانطلاق للفيلم هى نفسها أزمته وعيبه الأساسي. وبدلا من أن يخلق السيناريو الفرصة، ثم ينطلق في مسار سلس من الأحداث، يُقاطع السيناريو المتعة والإثارة عشرات المرات، من أجل تقديم حوارات مملة ومكررة، يتم فيها تبرير وجود الفيلم نفسه من جديد مرة بعد مرة، وتشرح فيها الشخصيات لبعضها ما يحدث.



السفر عبر الزمن كان دوما فكرة معقدة، وإعادة تغيير ما تم تغييره من قبل، بسفر آخر عبر الزمن، أكثر تعقيدا. رغم هذا نجح البعض في صناعة هذه المهمة الصعبة ببساطة وسلاسة. شاهد مثلا Back to the Future Part II 1989 - Looper 2012 كنماذج ناجحة.  


الأزمة الثانية في اختيارات الممثلين. جاي كورتني سيئ جدا في دور كايل ريس، ويفتقد للروح البائسة الهشة لشخص مسكين شاهد أهوال الهلاك في المستقبل، التي قدمها ببراعة مايكل بين في الفيلم الأصلي. ومن سوء حظ الفيلم أن كورتني يظهر أغلب الوقت. 


رفيقته إميليا كلارك قد تكون نجمة ممتازة في Game of Thrones، لكنها هنا اختيار آخر غير موفق لدور سارة كونر. ملامحها طفولية وتبدو أقرب لمراهقة في ثانوي منها إلى شابة ناضجة. طريقة نطقها السريعة مزعجة. والأهم أنها تفتقد تماما القدرة على صياغة الشخصية، كأنثى أصبحت مهمومة بحمل ثقيل جدا، باعتبارها الأمل الوحيد لبقاء الجنس البشري.



سارة هنا مزيج بين المقاتلة الشرسة في الجزء الثاني، والشابة التي تبحث عن نفسها في الفيلم الأول، وإن كانت أقرب للأولى. ليندا هاملتون قدمت الشخصيتين سابقا بامتياز. إميليا لم تنجح في أي منهما، خصوصا مع مشاهد الرومانسية المفتعلة التي يختلقها السيناريو.


عظمة أول فيلمين من كاميرون بعيدا عن الأكشن والابهار، تتعلق بالأساس بقدرة كل فيلم على صياغة تطور مقنع ومؤثر للشخصيات وسط المطاردات الساخنة والساعات المعدودة للأحداث.


في الفيلم الأول كانت قصة الحب بين سارة كونر وكايل ريس، التي تنتهي بتحولها من نادلة متواضعة إلى مقاتلة حقيقية. في الفيلم الثاني كانت العلاقة شبه الأبوية بين الطفل جون كونر والمبيد، التي تنتهي بتحول الآلي المتخصص في القتل، إلى إنسان حقيقي آخر يرغب في وقف الإبادة المنتظرة للبشر مهما كانت التضحيات. إلى كيان يُغير نظرة التشاؤوم الكابوسية لـ سارة كونر إلى الأفضل. 



لا شىء هنا يرقى لذلك. حتى شخصية جون كونر، تم تقديمها في إطار مُربك، يتناقض مع طبيعتها التي تم تدشينها في الأفلام السابقة. ولم ينجح ممثل جيد مثل جيسون كلارك في إنقاذها، وإن كنت لا ألومه في ضوء الموجود في السيناريو.


وكإثبات آخر على ضياع الفرص، يظهر الموهوب جي كي سيمونز الذي أبهر العالم مؤخرا بأدائه في Whiplash في دور هامشي لم يضف لرصيده أو للفيلم الكثير، باستثناء ضحكة أو اثنين.


اقرأ أيضا: سوط المنافسة مصدر اللذة في Whiplash


وحده شوارزينجر تقريبا رغم سنه، الذي يعود من جديد لإثارة حماس الجمهور بعباراته الآلية القصيرة ولمساته المرحة من وقت لآخر. ليثبت من جديد جدارته بالدور، ووفائه بعهده المعروف بخصوص العودة:
I'll be back 



اذا ابتعدت عن كل ما سبق وحاولت أن تتعامل مع الفيلم، كفيلم أكشن وإبهار فقط، ستجد أحيانا مشاهد أكشن ومؤثرات بصرية جيدة، لكن للأسف يفتقد ألان تايلور مخرج فيلم Thor: The Dark World وبعض حلقات Game of Thrones المهارات المطلوبة، لتقديم أكشن بحدة وعنف، تليق بشخصيات فيلم من هذا النوع. 


هذا العيب يظهر بوضوح في أول مشهد قتالي لشوارزينجر، رغم أن الفيلم يوفر له خصما مثاليا واستثنائيا جدا، كان من الممكن أن ينتج عن وجوده مواجهة قتالية سينمائية لا تنسى. نفس الشىء يمكن قوله عن الروبوت الزئبقي T-1000 الذي عرفناه في الفيلم الثاني، وتم هنا إعادة تقديمه في معارك ومطاردات كسولة، وبممثل جديد يفتقد لرهبة وعنفوان روبرت باتريك الممثل الأصلي. 


من المذهل حقا أن ترى هوليوود عاجزة عن اللحاق بجيمس كاميرون بعد ربع قرن!.. الآن كل شىء أقل إقناعا ومصداقية. في فيلم كاميرون الثاني كانت السيارات حقيقية. الهليكوبتر حقيقية. النيران حقيقية. الآن يمكنك أن تلمح في كل ثانية أكشن تقريبا، أثار جرافيك لم يكن من المفترض أن تظهر. 



الفيلم قد يكون أفضل نسبيا من آخر فيلمين، لكن إجمالا لا يمكن اعتباره فيلما عظيما. وسنعرف قريبا على ضوء الإيرادات عما إذا كانت شركة بارامونت تنوي المواصلة قريبا بفيلمين آخرين كما هو مخطط، أم ستتراجع. وإن كانت الإيرادات الأولية غير مبشرة.  


على كل حقوق شخصيات Terminator ستعود لمبتكرها جيمس كاميرون عام 2019 وآنذاك ستتوقف السلسلة عن ضخ المزيد من الأفلام نهائيا، أو يقرر كاميرون العودة إلى عالمه، ويتحفنا بفيلم ثالث حقيقي يليق بالسلسلة، تماما كما عاد مؤخرا جورج ميللر لعالمه الخاص، وأتحفنا بفيلم جديد في سلسلة Mad Max أراه أفضل أفلام العام حتى الآن.


اقرأ أيضاً: ماكس المجنون يعيد هوليوود لصوابها في Mad Max: Fury Road


مشاهدة Terminator: Genisys بعد أسابيع من مشاهدة Jurassic World فرضت تساؤل منطقي: لماذا استمتعت بالثاني أضعاف الأول، رغم عدم تصنيفه كفيلم عظيم إجمالا أيضا؟



الاثنان عودة لكلاسيكيات. الاثنان يقتبسان عشرات المشاهد والحوارات من الأفلام الأولى لإثارة نوستالجيا. الاثنان محطات لانطلاق أفلام أخرى قادمة. 


اقرأ أيضاً: ديناصورات أكبر وشخصيات أصغر في Jurassic World  


الفارق الجوهري، أن Jurassic World لا يحاول تغيير علاقتنا بخصوص الفيلم الأول Jurassic Park 1993، ويترك كل ما فيه دون تغيير أو تعديل. يترك الذكريات في مكانها المقدس. في Terminator: Genisys العكس. أراد صناع الفيلم استبدال الأحداث بأخرى. الممثلين والنجوم بآخرين. الذكريات القديمة بأخرى جديدة.


بعيدا عن نقاش مستوى جودة المحاولة نفسها، فالسؤال المحوري الذي لم يتوقفوا أمامه كثيرا على يبدو:
ماذا لو كنا ببساطة كمتفرجين لا نريد ذلك؟!



باختصار:
الجولة الخامسة مع المبيد توفر أكشن جيدا، مع طاقم تمثيلي جديد متواضع المستوى، لا ينقذه إلا شوارزينجر الذي يضيف للفيلم بعضا من سحره القديم رغم سنه، في فيلم أفضل نسبيا من آخر فيلمين، يصلح كإثبات جديد أن هوليوود لم تنجب سوى جيمس كاميرون واحد.


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك