التوقيت السبت، 11 مايو 2024
التوقيت 04:34 ص , بتوقيت القاهرة

ليلة القدر ما بين البخاري وناسا

أكد الدكتور عبدالباسط محمد السيد، رئيس المَجمع العلمي لهيئة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في مصر، أن الوكالة الوطنية الأمريكية للطيران والفضاء (ناسا)، تُخفي عن العالم الحقيقة العلمية المثبتة لليلة القدر، مشيراً إلى تقصير الأثرياء العرب في اتخاذ الخطوات الضرورية لنشر هذا الأمر في العالم.


الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى، التي تتعرض فيها "ناسا" لانتقادات علماء المسلمين، إذ سبق للعالم الجيولوجي زغلول النجار أن أكد أن "ناسا"، حذفت من موقعها ما سبق، وأن نشرته لـ 21 يومًا عن شعاع استثنائي لا نهاية له، ينطلق من الكعبة يصل بيت الله بالبيت المعمور، وفقًا لما جاء في تسجيل منتشر في الإنترنت يُظهِر لقاءً تلفزيونيًا مع أحد العلماء العرب.


لا بد وأنك كمستخدم لشبكة الإنترنت قد طالعت هذا الخبر تلاث أو أربع مرات على الأقل، منذ أن نُشر لأول مرة عام 2012. ولا بد أنك مثلي قد لاحظت أن المسلمين لا يتذكرونه سوى في مثل هذه الأيام المباركة. ولابد أنك الآن تتساءل عن سر تذكيري إياك بما لم تنساه أصلاً.


حسناً! سأقول لك. 
بغض النظر عن الهرطقات التي حملها الخبر المذكور في طياته، إلا أنه يعني، من زاوية ما، أن هناك حقائق ترقى لدرجة العلمية عما عرفه المسلمون منذ أربعة عشر قرنا باسم  ليلة القدر. هنا تكمن الإجابة عن سر الكتابة. أعني أنني كتبت هذا المقال لأفترض معك أن الوكالة الكافرة العاهرة الداعرة تتعمد إخفاء تلك الحقائق. كتبته لأقول: سيبك منها يا أخي. ما تيجي نشوف المسلمين بيقولوا إيه عن "حقيقة ليلة القدر". كتبته لأنقل لك ما تتعمد ناسا إخفاءه.


ومن أجل أن نفعل ذلك لا بد أن أقودك إلى أهم مصدر إسلامي موثوق في صحته. إلى ما يعرفه العالم السني من أقصاه إلى أقصاه بـ بأصح الكتب بعد كتاب الله. صحيح البخاري يعني. اللي هو عبارة عن 97 كتابا. كل كتاب مُقسم إلى أبواب. يبدأ بكتاب بدء الوحي، وينتهي بكتاب التوحيد. في هذه المنطقة سننقب عن ليلة القدر.


في الكتاب رقم (2)، كتاب الإيمان. باب اسمه: قيام ليلة القدر من الإيمان. نقرأ فيه الآتي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وفي الكتاب رقم (20) واسمه كتاب الصوم. باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية. نقرأ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ? ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». ثم نقرأ الحديث الأخير نفسه، بحرفه ونصه في الكتاب رقم (32) واسمه كتاب فضل ليلة القدر.


الآن؛ وبعد تكرار حديث واحد، في ثلاثة مواضع من كتاب كل من اقترب منه ناقدًا مفقود مفقود مفقود، أنت أمام "حقيقة" بمعيار الفكر الإسلامي الرائج، لا يخالطها شك. مفادها أن هناك ليلة تسمى ليلة القدر إن قمتها لله إيمانًا واحتسابًا غفر الله لك كل البلاوي اللي عملتها قبل كده. هكذا بكل بساطة.


وبديهي وبعد هذا المنحة والنفحة الربانية أن يلهث كل منا باحثًا عن ميقات تلك الليلة العظيمة وموعدها، حتى يُكفر عن سيئات عام مضى. وبديهي أيضًا أننا لن نجد أفضل من البخاري، وهو من هو، ليتحفنا بهذا السر العظيم. لكن واقع الحال يقول أن الأمر الذي اعتبرته أنا برعونة فائقة، بداهة، وتسرعتَ أنت ووافقتني عليه، ليس كذلك مطلقًا، فما افتراضي إلا أضغاث أحلام، وما موافقتك إياي إلا محض أوهام.


ففي الكتاب رقم (32) نفسه، باب يسمى: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر. يعني اللي عايز ليلة القدر يلاقيها في السبع الأواخر. جاء فيه: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ?، أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ».


إذن؛ وبغض النظر عن أن النبي قد حدد موعد ليلة القدر بناء على رؤى أصحابه في المنام، فمن أراد أن يبحث عن ليلة القدر، فلابد أن يبحث عنها بعد يوم 23 رمضان. هل لاحظت أن الحديث لم يحدد موعد ليلة القدر أصلاً؟ 


هذا الحديث السالف ذكره رقمه 2015. وقد جاء في الحديث الذي يليه مباشرة رقم 2016 ما نصه: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ ? العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا، وَقَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا - أَوْ نُسِّيتُهَا - فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ?، فَلْيَرْجِعْ». ما معنى هذا؟ 


معناه أن النبي كان قد اعتكف في الثلث الثاني من الشهر. ثم خرج على أصحابه في اليوم العشرين وقال: معلهش يا جماعة. أنا كنت شوفت ليلة القدر، لكن نسيتها. فـ اللي منكم عايز يعرف امتى ليلة القدر، يدور عليها في العشر الأواخر. أي أنه وعلى عكس الحديث السابق طلب منهم التماسها في العشر الأواخر، وليس في السبع الأواخر كما ذكر سابقًا.


لاحظ أيضاً أن هذا الحديث معناه يخالف عنوان الباب الذي ورد فيه. لأن الباب اسمه التماسها في السبع الأواخر، والحديث معناه التماسها في العشر الأواخر. علمًا بأن الباب الذي يليه مباشرة اسمه: بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ. 
وقد جاء في الحديث رقم 2017 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ?، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» يعني ليلة القدر في الليالي الفردية من العشر الأواخر. وبرضه لم يحدد النبي أي ليلة.


أما عن الحديث رقم 2018 فهو تقريبًا مجرد تكرار لما سبق، جاء فيه: وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ.


ولا ينسى ابن حجر العسقلاني في شرحه أن يورد هذا الحديث. يقول: عن أبي هريرة أن رسول الله ? قال: أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها. يعني النبي شافها في المنام، ولما أيقظته أحد زوجاته من نومه نسيها. ثم يذكر صاحب فتح الباري حديث آخر نصه: وقد روى عبد الرزاق من مرسل سعيد بن المسيب أنه ? قال : ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى. فسكت ساعة ثم قال: لقد قلت لكم وأنا أعلمها ثم أنسيتها فلم يذكر سبب النسيان.


وفي نفس الباب، وفي الحديث رقم 2021  نقرأ الآتي: أَنَّ النَّبِيَّ ?، قَالَ: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى». 


الآن، ولأول مرة تبدأ الأحاديث - وأذكرك بأن قائل كل هذه الأحاديث مفترض أنه واحد. محمد ? -  في تحديد ليلة بعينها. لكن أرجوك لا تتسرع. فالثلاثة مواقيت التي حددها النبي، بحسب الحديث المنسوب إليه، سيعود ليغييرها في الحديث التالي رقم 2022. وستتحول إلى اثنيتن فقط.


قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «هِيَ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ» يعني ليلة القدر إما ليلة 29 أو 23.


المدهش في الأمر، ورغم أن الباب عنوانه: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الآواخر، إلا أن البخاري يعود فيقول في الحديث نفسه: وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ التَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. فهل كان البخاري لا يعلم الفارق بين الأرقام الفردية والزوجية؟!


ويبدو أن البخاري قد علم جيداً أنه أصاب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالحيرة الشديدة. لذا فقد تطوع جزاه الله خيراً أن ينهي هذا اللغظ، ففي باب اسمه: باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس. قال في الحديث رقم 2023 ما نصه: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ? لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ». بما يعني أن النبي قد خرج للمسلمين ليخبرهم بموعد ليلة القدر، لكن لما سمع رجلين منهم يسبان بعضهما بعضا: رُفِعَتْ. 


الآن؛ جاوبني بكل صراحة: من الذي يتعمد إخفاء ليلة القدر البخاري أم ناسا؟ وإذا كنت ممن يعتقدون في صحة الصحيح؛ فهل بعد ما قرأت من أحاديث صحيحة، لازلت تعتقد أن هناك ما يمكن تسميته بـ "حقائق ليلة القدر" فضلاً عن وصفها بالعلمية؟ وحين تفرغ من الإجابة عن هذه الأسئلة، جاوبني بالله عليك: ليه دايمًا سايبين بلاوينا ومركزين من الناس، قصدي مع ناسا؟ 


للتواصل مع الكاتب